(١)
هُنَا... فِي المَقهَى:
امرأةٌ على فُوَّهَةِ العِشقِ، صيَّرتنا مَهدييّن على أُهبَةِ الانتظار؛ لأنّا هزمنا بنادقَ الزمان، ودخلنا روضةَ الخيال.
(٢)
وهناك...؛ في الحُلمِ:
سَماؤها ورديةٌ في الفَجرِ، تَضحكُ للضُحَى. برتقاليةٌ في المَساء، تُمشِّط شَعرَها، تَقرأ شِعرها. تتفتّح الأزهار لانتظارها.
(3)
وهناك...، في الروضةِ:
بعد نُصوصِ شَعرها، وخصلةٍ من شِعرِها، لا أنتظر أحدًا.
(4)
وهنالك... فيما وراء المدى:
في اللا (زمن)؛ أتذكّر جَمالَها.
(5)
في الإخلاصِ: تَكون الحياةُ؛ مِرآةً لها، ووقتًا لحبها.
(6)
الحياة بكاملها ونقصانها، تسجد في روضتِها، بلا زمانٍ يُقيّدها، ولا مكانٍ يُحددها، تعيش في غيمةٍ، لازوردية كلونِها
(7)
تقول على حافةِ العِشق:
[لم يبقَ بالأرضِ مَوطِئ عُشب] تقفز في سماءِ اللازورد، كي ينهمر الحبُّ. فيولد الإنسانُ حرًا، قربَ بساتين عشقها،
وغده في يده، يختار اسمه: من حروفها.
(8)
[هناك، عند مرتفعاتِ الزمان، جوار إخلاصِها، كُلُّ الوقتِ فِي يَدي، أفعلُ ما يَفعل الصوفِيُّ: أخيطُ العشق.]
(9)
العشق هو:
أن تَخيطَ عَرشَ الحياةِ، مِن خصلاتِ شَعرها، وتكتفي بسماعِ أغنيةٍ الأغنيات: نبضِ إخلاصها.
(10)
يقيس العاشقون المسافةَ بين وجودِهم وبينها، بمنظارِ السماء.
(11)
أقيسُ المسافةَ بين جسدي وعرشِ الوجود، بحاستها.
(12)
أيها الواقفون على قِمَم جبال الحياة: اصعدوا في شريانها، واشربوا إخلاصها، ستشعرون أنكم ريحٌ مثلها.
(13)
يضاجعُ الزمانُ في الحلم خصلات شَعر المكان، على عُشب الروضة، حتى يُولد برجُ الإخلاص.
(14)
سُئلت الروضةُ: بماذا فَكّرَ العِشقُ لمَّا مَرّ بين يديكِ؟ قالت: ربما فَكّر بتاريخِ ميلاد الذاكرة.
(15)
سُئِلت الرَوضَةُ: بماذا تُفكِّر الأغنيةُ؟ قالت: تَطير الحَمَامَاتُ فَوقَ رأسِهَا، تُشَاهِد عينَها، تَقصِدُ مَا وراءَها، فتَؤمن أنَّ جَمَالَها، حِينَ تَنام العصافيرُ في نايها.
(16)
سُئِلَت الروضةُ: هل تعرفين الفتاة؟ قالت: وميضُ شِعرها، تَطَايُرُ شَعرها، إحساسُ بصيرتها، غيثُ صدرها، بَرقُ شفتيْها حين تُغنِّي في الصلاة، جمال يدها وهي تنحت في الفلاة...؛ تتشابه في عينِ الوحي، حين يبعثُ جنيَّ الإبداع.
(17)
يُحاصرني العِشقُ في المنامِ، ويكتبني، لأني توضأتُ بماءِ عينيها.
(18)
يُحاصِرنَا شَعرٌ على متنِ السماء، يُوزع حِصةَ العِشقِ، سواسيةً على أهلِ الأرض، كي يكونوا مخلصين.
(19)
يُحاصِرنا سِرُّها: عندما نَصِلُ إليه سَوفَ نُحِبّ الحياةَ بلونِ السَماءِ الَّتي تشرح قيامةَ العِشق
(20)
مالم يقله المحمود: [وإن كانَ لابدَّ مِن عِشقٍ، فليَكن مُخترِقَ القلبِ والخاصرة فلا تُلدغ الروحُ من النزواتِ مرتين.]
(21)
إلى عاشقٍ: لو تأملتَ وجهَ الفتاةِ، تذكّرتَ تاريخَ النهارِ، وتحررَ الليلُ من وجوده.
(22)
قافيةٌ من أجلِها ضروريةٌ لعشقِ الزمان، ورقصِ المكان، وإعادةِ تشكيلِ المعاني والبيان.
(23)
النظر في عينيْها خَلَقَ القلقَ، وأوجده في حَواسِّ الناس.
(24)
العشقُ هو محاولةُ تبييضِ حُلكة الوجود: يجلس بجوارها، يُداعِبها، يُقَشِّر لها التفاحَ يلقي لها نكتةً، فتضحك...!
(25)
يجلِسُ العِشقُ وحيدًا، حتى يَجِيءَ كأسُها، فيثمل فرحًا، واكتمالا.
(26)
هل يُسِيءُ العِشقُ إلى أحد، لو غَيّر مَسارَ اثنين فجأةً، نحو انتظارِ الأبد؟
(27)
الإخلاصُ هُوَ انتظارُها في كَونٍ بِلا سبب، أو في ممرِ عشق الأبد.
(28)
اعتزلَ من عُزلتِه، لا لكي يُفرِحَ الضجيج، ولكن، لكي يكتبَ عن عُزلةِ الإخلاص للحنين.
(29)
هي أولُ العاشقاتِ اللاتِي خلقهنَّ اللهُ بيديه، وهي آخرهن، وبين عِشقٍ وعشقٍ، لا يُخلَق إلا هي.
(30)
تضيقُ بنا الأرضُ حتّى، يبرق جبينُها.
(31)
في روضتها، أشارت للتاريخِ فهتف:
[لولا العِشقُ لكانَ الكونُ أصغر، لولا مَواطِئ قدميها لكان الهُدى أصعب، لولا نبوأتُها لكانَ وجودُ الربِّ أضيق، لولا شِعرها لكانَ الشُعور ناقص.]
(32)
نَغرفُ العِشقَ من فؤادها...، ثم نَسكب فائضَه على أرضٍ غيرِ أرضِنا، فتنبت هي مرة أخرى.
(33)
نزرع حُبَّها لمواسِمَ عِشقٍ أبديَّة، لذاكرةٍ سَماويّة، لعهودِ الربِّ الأزليّة، حتى إذا مَا فُجِئنَا بأمرٍ حصدنا ما زرعنا...، وتحولت أنفَاسنا سرمدية.
(34)
فِي طريقِه نَحو الحبِّ، ثمةَ قنديلٌ يُضِيءُ الروحَ، لا يُعلَم كُنْهَه، يَعِده بإشعالِ الأرضِ نبوءةً، ووعدًا تَصَوّفَ للأبديةِ. قنديلٌ عَصِيٌّ على الحياة تَجمَّعت فيه الآلهة.
(35)
قالت له: انتظرني كما تنتظر شجرةٌ وعدَ السماء، فقال: احتطِبيني...، أنا الشجرة.
(36)
قال لها: انتظريني كما تنتظر أمٌّ وليدَها الغائب، قالت: لِدني فأنا ابنتُك.
(37)
قال لها: انتظريني كما تنتظر أرضٌ مُجدبةٌ ماءَ السماء، قالت: اشرب بِحَارَك فأنا السحابة.
(38)
هي مَطرٌ من جُمَّارةِ الشَمسِ. وهي سَحابةٌ تُمطِر الآن.
(39)
رأته عابرَ سبيلٍ، فجعلتْه السبيلَ وعبرت إليّه.
(40)
لم يلد ولم يولد...؛ لكنَّه ليس إلهًا، إنه عَاِلق في رَحِمها إلى الأبد
(41)
ليلُه نهارٌ حينَ ضاءَ من قِنديلِ صدرِها، وقمره كامِلٌ حينَ عَلَّقَ يومَه بيومِها.
وموته المُشتهى موتها، حين وُلِدَ مرةً أخرى من رَحِمها.
(42)
استنكرت الشَمسُ أنَّ الليلَ [يأكلها بقشُورِها]. ثم ضحكت ضِحكَ طفلٍ، ذاقَ حلاوةَ العيدِ.
تتأمله وتقول: لا تتوقّف، كُلنِي كلّ نهار.
(43)
قالَ الليلُ للشَمسِ: [اشرب بابونج؛ لتنامَ بعمقٍ على صدري].
شَرِبت بابونجَه، فكتبَها الموتُ العميقُ قصيدةَ شِعر.
(44)
يا جدار الحب: سيمتدُّ سُوْرُ الإخلاصِ إلى أن ينتهي المجانين مِن معارضةِ سُورة (الشُعراء).
(45)
يا ساكبي بُهارَ الرياءِ في الغذاء: أما آنَ الآوانُ بأن تَتَوقّفوا عن تَذوقِ الإخلاصِ في الإيذاء.
(46)
وإذا مُدّتِ الأيدي إلى الإخلاصِ توقّفَ الحاضر عن عملِه.
(47)
قامَ الخطيْبُ يَمدح الإخلاصَ، بدمٍ بارد...؛
(48)
إخلاصٌ يَتَفَجَّر من الفَجرِ، أو مِنَ الفُجور:
[استيْقِظ لتناولِ الفطور، مع نَسْرٍ على جبل الطور].
(49)
قَليلٌ مِنَ الإخلاصِ في كوبِ قَهوة، يكفي؛ لتخفيفِ حُكمِ المحكمة.
(50)
يَقولُ الإخلاصُ حريتَه ويَمضِي نَحوَ الغَابةِ ليُضَاجِع الأشجار، فتمخّض الرَحِمُ وولدَ فأر ْ...
(51)
قالَ لها: [الإخلاص مَجاز] فاحترفت شهوةَ الإنجاز.
(52)
قالَ لها: أمَا آنَ للإخلاصِ أن يَترجَّل...!
قالت: مشى على رمشِ الهوى، فتعلَّقَ فِي السَماء.
(53)
رسالة إلى الإخلاص:
اتلُ سُورةَ المائدة، وغِب في سَوْرة الطَعام.
(54)
يَجلِسُ إخلاصٌ مسلمٌ بجوار إخلاصٍ مسيحي؛
ليقول له: [إن أرادَ اللهُ أن يُهلِكَ المُخلِصَ وأمَّه،
فما أنتَ فاعل؟]
(55)
حُرِمَ الإخلاصُ سبعينَ سَنةً، فَتَاهَ في الأرضِ،
بلا نَومٍ ولا سِنَة.
(56)
قال لها:
الإخلاصُ لا يَلبس الثياب،
الإخلاص لا يُحِب،
الإخلاص لا يُخلِص،
الإخلاص لا يأكل،
الإخلاصُ لا يؤمن بتاريخِ الحَمَام.
الإخلاصُ يكتبُ ويقرأ، ويدخل الحَمّام، ويمشي في الأوهام، ويشتهي الجنسَ في المنام.
قالت:
أعددتُ الطعامَ له، كي يتراجع خطوتين للأمام.
(57)
كلُّ شيءٍ ساكنٌ
لا صوتَ الملعقةِ يُحرِّك الإخلاص،
ولا الهاتفُ يَرنّه،
ولا طقطقة كعبها يُناديه،
ولا حنينُ شَخصِه يستدعيه...
فهل هو موجود؟
(58)
قال لها:
حبيبٌ ينتظرُ حبيبتَه في مطلعِ شَهرِ اللهِ المُحَرم؛ كي يحتفلا بأكذوبةِ الحبِّ.
انتظرها، ثم انتظرها...؛
لم تأتِ، فقد اغتالها الإخلاص.
(59)
في انتظارِها مَشَى نَحوَ نَفْسٍ تتنفّس النهار وتزفر ليل.
(60)
قال لها في المَطعمِ:
أي الطعامِ أحبّ إليكِ؟
قالت: الإخلاص،
فجاءَ النادلُ بالخَلاص.
(61)
قال لها:
الإخلاص يمشي في الأسواق، ويتعب، ثم ينام.
قالت: لم أره، دعنا من ترهاتِك في المنام.
دعا الإخلاصَ على مائدةِ العَشاء، كي تتعرّفْ عليه حبيبتُه؛
فنامت على صدرِها، ورضعت من الغمام.
(62)
في صباحٍ عاديٍّ ذهبت فتاةٌ ليتلو عليها الحكيمُ آيةَ الخلاصِ من حبيبِها.
توقفت في مَقهىً شَفّاف، شربت قهوتَها ونسيت موعدَ الإخلاص
للخلاص.
(63)
قالَ الإخلاصُ:
"أكون أو لا أكون".
فكانَ ولم يكن.
(64)
قال عاشقٌ لمحقّقة:
قلبي كرائحةِ الأصفاد،
لكني لا أحبكِ.
(65)
قالت عاشقةٌ لمُحَقّقٍ:
لا وقتَ في القلبِ للنصِ الموضوعي المُحقَّق...،
لكني أحبك.
(66)
قالَ اللواءُ في ليلةِ رأسِ التحقيق:
عواطفكم دعوها في الورقِ،
واعتقلوا نصوصَكم.
(67)
سيولد نصُّ في غرفةِ العشق من رَحِم اللواء.
(68)
(إلياذة) الإخلاص، يُنَقِّحها المحققون.
و(أوديسّة) الخَلاص، تُنَقِّحها المحققات.
(69)
عبثت (الإلياذةُ) بألوانِ الطيف، فعادت (الأوديسة) بلا سَماء.
(70)
جلست محققةٌ تنقِّح الأوديسة، فتخلّصت من مصيرها في الإخلاص.
(71)
اتفقَ المحقّقون والمحقّقات أن يُنَقّحوا المصائرَ سواء.
واختلفوا على الانتظار:
[هل هو انتظار موتِ العاشق أم انتظارُ السأمِ منه؟]
(72)
تحرر المَحضرُ، من شَبَحِ العاشقين، ودَخَلَ مستقبَلَه حرًا أبيًّا.
(73)
تلاقى محققٌ ومحققة في (كافتيريا) العشق،
قالا: ربّ صُدفةٍ خَيرٌ من ألفِ محضر.
(74)
كتبَ العاشقُ:
[الانتظارُ شهوةٌ، تجلسُ على مقعدٍ خشبيٍّ، وتُقاوم تاريخَ الجنس].
(75)
انهارَ مبنى التحقيق على عُشّاقِه، فنبتَ النصُ أخضرَ،
وتريّضت الدفاترُ،
وهطلت أحبارٌ من السماء،
ونامَ الذئبُ نومًا عميقا...،
وماتت الحياة.
(76)
الكِتَابةُ تَرقُد فِي العنايةِ وتَرفُضُ الإبرةَ . . .،
قالَ طبيبٌ مناوِبٌ قَبلَ نوبتِه: مَسَّها طَائِفٌ مِنَ الخَيال.
وقالَ الطبيبُ المناوِبُ بعدَ نوبتِه: مَسَّها طَائِفٌ مِن حِصار.
حُقِنَ النصُّ بالبياضِ من غيرِ سوءٍ؛ عنايةً أخرى.
(77)
إلى قلم:
لقد رآكَ المَريضُ تَلبَسُ زِيَّ الأطباء . . .،
فلماذا تَسلَّلتَ إلى غُرفةِ العِنايةِ، وسَرقتَ حَياةَ الكتابة؟
(78)
فِي الإخلاصِ، يَضع الحبُّ أقدامَه على أحجارِ الشطرنجِ كي يصرخ: [مَاتَ الحاكم].
وفي الإخلاص، يصير الحبُّ خلاصًا من الشطرنج.
وفي الإخلاص تصير أعضاءُ الحبِّ التناسلية، أحجارا إلى الأبد.
وفي الإخلاصِ يصير موعدُ لقاء الحبّ، موعدا أكلَ مَوعِده.
(79)
لم يقل لها:
[الإخلاص رائحةُ حواءَ
وهي تُقنِع آدمَ بأكلِ التفاحةِ].
(80)
قالت له:
ذهبَ الإخلاصُ ليُمَرِّغَ جَسدَه بطينٍ مُقدَّس، فانحصرَ في عنقِ السماء.
(81)
لم تَقل له:
[الإخلاصُ يُحَاصِر الحُبَّ
فِي عُنُقِ الزجَاجَةِ
ويسأله:
ماذا فَعلتَ بلغةِ الذبابة؟]
(82)
قال لها:
الإخلاصُ لم يَشتَهِ صَبايا الجِنان . . .،
لكنَّه اشتَهى أن يُمنَح أرضًا يَزرَع فِيها دمَ الحبِّ،
لينبتَ أرجُوان.
(83)
لم يقل لها: إنَّ الحبَّ صرخَ وهوَ يَتألّم:
[لا إخلاصَ خارجَ الحرية].
(84)
لم يَقُل لها:
[حِينَ مَاتَ الإخلاصُ كَفّنَه الحبُّ بِسعادَةٍ بَالِغةٍ
لكنَّه إذا نَظَرَ إلى المِرآةِ، رأى القَبرَ يتخلَّص
من قُيُودِه].
(85)
قال الإخلاصُ:
لم أُبعَث مِن مَرقَدي، بل جَعلتُه ضَمادًا لمَوْجِعِي.
(86)
لَم تَقُل له:
[نَسِيَ الحبُّ مَوعِدَ الجِنازةِ، جِنازةِ الإخلاص].
(87)
قيل لهم:
تجمَّع الناسُ حولَ القبر؛ ليُقنِعوا الإخلاصَ بالتَراجُع عن الموت.
(88)
قالَ لها:
أن تموتي يعني: التأكد من موتِ الإخلاصِ، وداءِ النقرس.
(89)
لم تَقُل له إنَّ حَارسَ المَقبرةِ قَالَ:
[مَشَى الإخلاصُ إلى خارجِ القبر، لمــَّا سَمِعَ وقعَ أقدام الفجر].
(90)
قالت له:
صَفَّد حارسُ القبرِ الإخلاصَ بسَلاسِلَ مِن حَصَى المقبرة،
وفَصَلَ جسدَ القُبَّرة عن رأسِها.
(91)
لم يقل لها:
[حَوّلَ الحارسُ مُصرانَ الإخلاص إلى أوتارٍ؛ يعزف عليها لحنًا باكيًا آخرَ الليل].
(92)
إلى الإخلاصِ:
لا تَثِق بِحارسِ المَقبرة فهو يَكتبُ مذكراتِ المَوتَى على كَفنِه.
(93)
قالَ لَها:
أعدِمَ الإخلاصُ فَصارَ عَدمًا.
(94)
الإخلاص رغبةُ أُنثَى عَبَرت في الضفةِ الأخرى.
(95)
الإخلاصُ دفترٌ كَتبته لبوةٌ في حديقةِ الأزل.
(96)
الإخلاصُ فراشةٌ وقعت في شَرَك شهوتها.
(97)
الإخلاص حجرٌ؛ منه شُيّدَت الأنفاق.
(98)
الإخلاصُ شَبحٌ على حافةِ الحياة.
(99)
الإخلاص رغبةُ المتحاربين بالاستراحة على دَكّةِ الاحتياط.
(100)
الإخلاصُ حضنٌ نَسيَه القمرُ في بيتِ جارتِه.
(101)
الإخلاصُ رِيحٌ عَابِرة، تَعتَذر للأجِنّةِ في بُطونِ أمهاتهم.
(102)
الإخلاصُ هَزيمةُ السِكّين أمام نصل العين.
(103)
الإخلاصُ انتصارُ العيونِ أثناءَ تقطيعِ بَصلةِ الحياة.
(104)
الإخلاصُ قطارٌ بلا محطة...؛
.
.
.
هُنَا... فِي المَقهَى:
امرأةٌ على فُوَّهَةِ العِشقِ، صيَّرتنا مَهدييّن على أُهبَةِ الانتظار؛ لأنّا هزمنا بنادقَ الزمان، ودخلنا روضةَ الخيال.
(٢)
وهناك...؛ في الحُلمِ:
سَماؤها ورديةٌ في الفَجرِ، تَضحكُ للضُحَى. برتقاليةٌ في المَساء، تُمشِّط شَعرَها، تَقرأ شِعرها. تتفتّح الأزهار لانتظارها.
(3)
وهناك...، في الروضةِ:
بعد نُصوصِ شَعرها، وخصلةٍ من شِعرِها، لا أنتظر أحدًا.
(4)
وهنالك... فيما وراء المدى:
في اللا (زمن)؛ أتذكّر جَمالَها.
(5)
في الإخلاصِ: تَكون الحياةُ؛ مِرآةً لها، ووقتًا لحبها.
(6)
الحياة بكاملها ونقصانها، تسجد في روضتِها، بلا زمانٍ يُقيّدها، ولا مكانٍ يُحددها، تعيش في غيمةٍ، لازوردية كلونِها
(7)
تقول على حافةِ العِشق:
[لم يبقَ بالأرضِ مَوطِئ عُشب] تقفز في سماءِ اللازورد، كي ينهمر الحبُّ. فيولد الإنسانُ حرًا، قربَ بساتين عشقها،
وغده في يده، يختار اسمه: من حروفها.
(8)
[هناك، عند مرتفعاتِ الزمان، جوار إخلاصِها، كُلُّ الوقتِ فِي يَدي، أفعلُ ما يَفعل الصوفِيُّ: أخيطُ العشق.]
(9)
العشق هو:
أن تَخيطَ عَرشَ الحياةِ، مِن خصلاتِ شَعرها، وتكتفي بسماعِ أغنيةٍ الأغنيات: نبضِ إخلاصها.
(10)
يقيس العاشقون المسافةَ بين وجودِهم وبينها، بمنظارِ السماء.
(11)
أقيسُ المسافةَ بين جسدي وعرشِ الوجود، بحاستها.
(12)
أيها الواقفون على قِمَم جبال الحياة: اصعدوا في شريانها، واشربوا إخلاصها، ستشعرون أنكم ريحٌ مثلها.
(13)
يضاجعُ الزمانُ في الحلم خصلات شَعر المكان، على عُشب الروضة، حتى يُولد برجُ الإخلاص.
(14)
سُئلت الروضةُ: بماذا فَكّرَ العِشقُ لمَّا مَرّ بين يديكِ؟ قالت: ربما فَكّر بتاريخِ ميلاد الذاكرة.
(15)
سُئِلت الرَوضَةُ: بماذا تُفكِّر الأغنيةُ؟ قالت: تَطير الحَمَامَاتُ فَوقَ رأسِهَا، تُشَاهِد عينَها، تَقصِدُ مَا وراءَها، فتَؤمن أنَّ جَمَالَها، حِينَ تَنام العصافيرُ في نايها.
(16)
سُئِلَت الروضةُ: هل تعرفين الفتاة؟ قالت: وميضُ شِعرها، تَطَايُرُ شَعرها، إحساسُ بصيرتها، غيثُ صدرها، بَرقُ شفتيْها حين تُغنِّي في الصلاة، جمال يدها وهي تنحت في الفلاة...؛ تتشابه في عينِ الوحي، حين يبعثُ جنيَّ الإبداع.
(17)
يُحاصرني العِشقُ في المنامِ، ويكتبني، لأني توضأتُ بماءِ عينيها.
(18)
يُحاصِرنَا شَعرٌ على متنِ السماء، يُوزع حِصةَ العِشقِ، سواسيةً على أهلِ الأرض، كي يكونوا مخلصين.
(19)
يُحاصِرنا سِرُّها: عندما نَصِلُ إليه سَوفَ نُحِبّ الحياةَ بلونِ السَماءِ الَّتي تشرح قيامةَ العِشق
(20)
مالم يقله المحمود: [وإن كانَ لابدَّ مِن عِشقٍ، فليَكن مُخترِقَ القلبِ والخاصرة فلا تُلدغ الروحُ من النزواتِ مرتين.]
(21)
إلى عاشقٍ: لو تأملتَ وجهَ الفتاةِ، تذكّرتَ تاريخَ النهارِ، وتحررَ الليلُ من وجوده.
(22)
قافيةٌ من أجلِها ضروريةٌ لعشقِ الزمان، ورقصِ المكان، وإعادةِ تشكيلِ المعاني والبيان.
(23)
النظر في عينيْها خَلَقَ القلقَ، وأوجده في حَواسِّ الناس.
(24)
العشقُ هو محاولةُ تبييضِ حُلكة الوجود: يجلس بجوارها، يُداعِبها، يُقَشِّر لها التفاحَ يلقي لها نكتةً، فتضحك...!
(25)
يجلِسُ العِشقُ وحيدًا، حتى يَجِيءَ كأسُها، فيثمل فرحًا، واكتمالا.
(26)
هل يُسِيءُ العِشقُ إلى أحد، لو غَيّر مَسارَ اثنين فجأةً، نحو انتظارِ الأبد؟
(27)
الإخلاصُ هُوَ انتظارُها في كَونٍ بِلا سبب، أو في ممرِ عشق الأبد.
(28)
اعتزلَ من عُزلتِه، لا لكي يُفرِحَ الضجيج، ولكن، لكي يكتبَ عن عُزلةِ الإخلاص للحنين.
(29)
هي أولُ العاشقاتِ اللاتِي خلقهنَّ اللهُ بيديه، وهي آخرهن، وبين عِشقٍ وعشقٍ، لا يُخلَق إلا هي.
(30)
تضيقُ بنا الأرضُ حتّى، يبرق جبينُها.
(31)
في روضتها، أشارت للتاريخِ فهتف:
[لولا العِشقُ لكانَ الكونُ أصغر، لولا مَواطِئ قدميها لكان الهُدى أصعب، لولا نبوأتُها لكانَ وجودُ الربِّ أضيق، لولا شِعرها لكانَ الشُعور ناقص.]
(32)
نَغرفُ العِشقَ من فؤادها...، ثم نَسكب فائضَه على أرضٍ غيرِ أرضِنا، فتنبت هي مرة أخرى.
(33)
نزرع حُبَّها لمواسِمَ عِشقٍ أبديَّة، لذاكرةٍ سَماويّة، لعهودِ الربِّ الأزليّة، حتى إذا مَا فُجِئنَا بأمرٍ حصدنا ما زرعنا...، وتحولت أنفَاسنا سرمدية.
(34)
فِي طريقِه نَحو الحبِّ، ثمةَ قنديلٌ يُضِيءُ الروحَ، لا يُعلَم كُنْهَه، يَعِده بإشعالِ الأرضِ نبوءةً، ووعدًا تَصَوّفَ للأبديةِ. قنديلٌ عَصِيٌّ على الحياة تَجمَّعت فيه الآلهة.
(35)
قالت له: انتظرني كما تنتظر شجرةٌ وعدَ السماء، فقال: احتطِبيني...، أنا الشجرة.
(36)
قال لها: انتظريني كما تنتظر أمٌّ وليدَها الغائب، قالت: لِدني فأنا ابنتُك.
(37)
قال لها: انتظريني كما تنتظر أرضٌ مُجدبةٌ ماءَ السماء، قالت: اشرب بِحَارَك فأنا السحابة.
(38)
هي مَطرٌ من جُمَّارةِ الشَمسِ. وهي سَحابةٌ تُمطِر الآن.
(39)
رأته عابرَ سبيلٍ، فجعلتْه السبيلَ وعبرت إليّه.
(40)
لم يلد ولم يولد...؛ لكنَّه ليس إلهًا، إنه عَاِلق في رَحِمها إلى الأبد
(41)
ليلُه نهارٌ حينَ ضاءَ من قِنديلِ صدرِها، وقمره كامِلٌ حينَ عَلَّقَ يومَه بيومِها.
وموته المُشتهى موتها، حين وُلِدَ مرةً أخرى من رَحِمها.
(42)
استنكرت الشَمسُ أنَّ الليلَ [يأكلها بقشُورِها]. ثم ضحكت ضِحكَ طفلٍ، ذاقَ حلاوةَ العيدِ.
تتأمله وتقول: لا تتوقّف، كُلنِي كلّ نهار.
(43)
قالَ الليلُ للشَمسِ: [اشرب بابونج؛ لتنامَ بعمقٍ على صدري].
شَرِبت بابونجَه، فكتبَها الموتُ العميقُ قصيدةَ شِعر.
(44)
يا جدار الحب: سيمتدُّ سُوْرُ الإخلاصِ إلى أن ينتهي المجانين مِن معارضةِ سُورة (الشُعراء).
(45)
يا ساكبي بُهارَ الرياءِ في الغذاء: أما آنَ الآوانُ بأن تَتَوقّفوا عن تَذوقِ الإخلاصِ في الإيذاء.
(46)
وإذا مُدّتِ الأيدي إلى الإخلاصِ توقّفَ الحاضر عن عملِه.
(47)
قامَ الخطيْبُ يَمدح الإخلاصَ، بدمٍ بارد...؛
(48)
إخلاصٌ يَتَفَجَّر من الفَجرِ، أو مِنَ الفُجور:
[استيْقِظ لتناولِ الفطور، مع نَسْرٍ على جبل الطور].
(49)
قَليلٌ مِنَ الإخلاصِ في كوبِ قَهوة، يكفي؛ لتخفيفِ حُكمِ المحكمة.
(50)
يَقولُ الإخلاصُ حريتَه ويَمضِي نَحوَ الغَابةِ ليُضَاجِع الأشجار، فتمخّض الرَحِمُ وولدَ فأر ْ...
(51)
قالَ لها: [الإخلاص مَجاز] فاحترفت شهوةَ الإنجاز.
(52)
قالَ لها: أمَا آنَ للإخلاصِ أن يَترجَّل...!
قالت: مشى على رمشِ الهوى، فتعلَّقَ فِي السَماء.
(53)
رسالة إلى الإخلاص:
اتلُ سُورةَ المائدة، وغِب في سَوْرة الطَعام.
(54)
يَجلِسُ إخلاصٌ مسلمٌ بجوار إخلاصٍ مسيحي؛
ليقول له: [إن أرادَ اللهُ أن يُهلِكَ المُخلِصَ وأمَّه،
فما أنتَ فاعل؟]
(55)
حُرِمَ الإخلاصُ سبعينَ سَنةً، فَتَاهَ في الأرضِ،
بلا نَومٍ ولا سِنَة.
(56)
قال لها:
الإخلاصُ لا يَلبس الثياب،
الإخلاص لا يُحِب،
الإخلاص لا يُخلِص،
الإخلاص لا يأكل،
الإخلاصُ لا يؤمن بتاريخِ الحَمَام.
الإخلاصُ يكتبُ ويقرأ، ويدخل الحَمّام، ويمشي في الأوهام، ويشتهي الجنسَ في المنام.
قالت:
أعددتُ الطعامَ له، كي يتراجع خطوتين للأمام.
(57)
كلُّ شيءٍ ساكنٌ
لا صوتَ الملعقةِ يُحرِّك الإخلاص،
ولا الهاتفُ يَرنّه،
ولا طقطقة كعبها يُناديه،
ولا حنينُ شَخصِه يستدعيه...
فهل هو موجود؟
(58)
قال لها:
حبيبٌ ينتظرُ حبيبتَه في مطلعِ شَهرِ اللهِ المُحَرم؛ كي يحتفلا بأكذوبةِ الحبِّ.
انتظرها، ثم انتظرها...؛
لم تأتِ، فقد اغتالها الإخلاص.
(59)
في انتظارِها مَشَى نَحوَ نَفْسٍ تتنفّس النهار وتزفر ليل.
(60)
قال لها في المَطعمِ:
أي الطعامِ أحبّ إليكِ؟
قالت: الإخلاص،
فجاءَ النادلُ بالخَلاص.
(61)
قال لها:
الإخلاص يمشي في الأسواق، ويتعب، ثم ينام.
قالت: لم أره، دعنا من ترهاتِك في المنام.
دعا الإخلاصَ على مائدةِ العَشاء، كي تتعرّفْ عليه حبيبتُه؛
فنامت على صدرِها، ورضعت من الغمام.
(62)
في صباحٍ عاديٍّ ذهبت فتاةٌ ليتلو عليها الحكيمُ آيةَ الخلاصِ من حبيبِها.
توقفت في مَقهىً شَفّاف، شربت قهوتَها ونسيت موعدَ الإخلاص
للخلاص.
(63)
قالَ الإخلاصُ:
"أكون أو لا أكون".
فكانَ ولم يكن.
(64)
قال عاشقٌ لمحقّقة:
قلبي كرائحةِ الأصفاد،
لكني لا أحبكِ.
(65)
قالت عاشقةٌ لمُحَقّقٍ:
لا وقتَ في القلبِ للنصِ الموضوعي المُحقَّق...،
لكني أحبك.
(66)
قالَ اللواءُ في ليلةِ رأسِ التحقيق:
عواطفكم دعوها في الورقِ،
واعتقلوا نصوصَكم.
(67)
سيولد نصُّ في غرفةِ العشق من رَحِم اللواء.
(68)
(إلياذة) الإخلاص، يُنَقِّحها المحققون.
و(أوديسّة) الخَلاص، تُنَقِّحها المحققات.
(69)
عبثت (الإلياذةُ) بألوانِ الطيف، فعادت (الأوديسة) بلا سَماء.
(70)
جلست محققةٌ تنقِّح الأوديسة، فتخلّصت من مصيرها في الإخلاص.
(71)
اتفقَ المحقّقون والمحقّقات أن يُنَقّحوا المصائرَ سواء.
واختلفوا على الانتظار:
[هل هو انتظار موتِ العاشق أم انتظارُ السأمِ منه؟]
(72)
تحرر المَحضرُ، من شَبَحِ العاشقين، ودَخَلَ مستقبَلَه حرًا أبيًّا.
(73)
تلاقى محققٌ ومحققة في (كافتيريا) العشق،
قالا: ربّ صُدفةٍ خَيرٌ من ألفِ محضر.
(74)
كتبَ العاشقُ:
[الانتظارُ شهوةٌ، تجلسُ على مقعدٍ خشبيٍّ، وتُقاوم تاريخَ الجنس].
(75)
انهارَ مبنى التحقيق على عُشّاقِه، فنبتَ النصُ أخضرَ،
وتريّضت الدفاترُ،
وهطلت أحبارٌ من السماء،
ونامَ الذئبُ نومًا عميقا...،
وماتت الحياة.
(76)
الكِتَابةُ تَرقُد فِي العنايةِ وتَرفُضُ الإبرةَ . . .،
قالَ طبيبٌ مناوِبٌ قَبلَ نوبتِه: مَسَّها طَائِفٌ مِنَ الخَيال.
وقالَ الطبيبُ المناوِبُ بعدَ نوبتِه: مَسَّها طَائِفٌ مِن حِصار.
حُقِنَ النصُّ بالبياضِ من غيرِ سوءٍ؛ عنايةً أخرى.
(77)
إلى قلم:
لقد رآكَ المَريضُ تَلبَسُ زِيَّ الأطباء . . .،
فلماذا تَسلَّلتَ إلى غُرفةِ العِنايةِ، وسَرقتَ حَياةَ الكتابة؟
(78)
فِي الإخلاصِ، يَضع الحبُّ أقدامَه على أحجارِ الشطرنجِ كي يصرخ: [مَاتَ الحاكم].
وفي الإخلاص، يصير الحبُّ خلاصًا من الشطرنج.
وفي الإخلاص تصير أعضاءُ الحبِّ التناسلية، أحجارا إلى الأبد.
وفي الإخلاصِ يصير موعدُ لقاء الحبّ، موعدا أكلَ مَوعِده.
(79)
لم يقل لها:
[الإخلاص رائحةُ حواءَ
وهي تُقنِع آدمَ بأكلِ التفاحةِ].
(80)
قالت له:
ذهبَ الإخلاصُ ليُمَرِّغَ جَسدَه بطينٍ مُقدَّس، فانحصرَ في عنقِ السماء.
(81)
لم تَقل له:
[الإخلاصُ يُحَاصِر الحُبَّ
فِي عُنُقِ الزجَاجَةِ
ويسأله:
ماذا فَعلتَ بلغةِ الذبابة؟]
(82)
قال لها:
الإخلاصُ لم يَشتَهِ صَبايا الجِنان . . .،
لكنَّه اشتَهى أن يُمنَح أرضًا يَزرَع فِيها دمَ الحبِّ،
لينبتَ أرجُوان.
(83)
لم يقل لها: إنَّ الحبَّ صرخَ وهوَ يَتألّم:
[لا إخلاصَ خارجَ الحرية].
(84)
لم يَقُل لها:
[حِينَ مَاتَ الإخلاصُ كَفّنَه الحبُّ بِسعادَةٍ بَالِغةٍ
لكنَّه إذا نَظَرَ إلى المِرآةِ، رأى القَبرَ يتخلَّص
من قُيُودِه].
(85)
قال الإخلاصُ:
لم أُبعَث مِن مَرقَدي، بل جَعلتُه ضَمادًا لمَوْجِعِي.
(86)
لَم تَقُل له:
[نَسِيَ الحبُّ مَوعِدَ الجِنازةِ، جِنازةِ الإخلاص].
(87)
قيل لهم:
تجمَّع الناسُ حولَ القبر؛ ليُقنِعوا الإخلاصَ بالتَراجُع عن الموت.
(88)
قالَ لها:
أن تموتي يعني: التأكد من موتِ الإخلاصِ، وداءِ النقرس.
(89)
لم تَقُل له إنَّ حَارسَ المَقبرةِ قَالَ:
[مَشَى الإخلاصُ إلى خارجِ القبر، لمــَّا سَمِعَ وقعَ أقدام الفجر].
(90)
قالت له:
صَفَّد حارسُ القبرِ الإخلاصَ بسَلاسِلَ مِن حَصَى المقبرة،
وفَصَلَ جسدَ القُبَّرة عن رأسِها.
(91)
لم يقل لها:
[حَوّلَ الحارسُ مُصرانَ الإخلاص إلى أوتارٍ؛ يعزف عليها لحنًا باكيًا آخرَ الليل].
(92)
إلى الإخلاصِ:
لا تَثِق بِحارسِ المَقبرة فهو يَكتبُ مذكراتِ المَوتَى على كَفنِه.
(93)
قالَ لَها:
أعدِمَ الإخلاصُ فَصارَ عَدمًا.
(94)
الإخلاص رغبةُ أُنثَى عَبَرت في الضفةِ الأخرى.
(95)
الإخلاصُ دفترٌ كَتبته لبوةٌ في حديقةِ الأزل.
(96)
الإخلاصُ فراشةٌ وقعت في شَرَك شهوتها.
(97)
الإخلاص حجرٌ؛ منه شُيّدَت الأنفاق.
(98)
الإخلاصُ شَبحٌ على حافةِ الحياة.
(99)
الإخلاص رغبةُ المتحاربين بالاستراحة على دَكّةِ الاحتياط.
(100)
الإخلاصُ حضنٌ نَسيَه القمرُ في بيتِ جارتِه.
(101)
الإخلاصُ رِيحٌ عَابِرة، تَعتَذر للأجِنّةِ في بُطونِ أمهاتهم.
(102)
الإخلاصُ هَزيمةُ السِكّين أمام نصل العين.
(103)
الإخلاصُ انتصارُ العيونِ أثناءَ تقطيعِ بَصلةِ الحياة.
(104)
الإخلاصُ قطارٌ بلا محطة...؛
.
.
.