الشاف الحسين الهواري - تاريخ الطبخ المغربي بحث في اختفاء وجبة شهيرة... اخيرا تم حل لغز الطعام الذي كاد يقود إلى الحرب .

الوجبة التي اغضبت السلطان و كادت أن تشعل حربا أهلية بين قبائل مصمودة ( خاصة بين هرغة و هنتاتة )
قراءة في( مقتبس كتاب الأنساب) للبيدق وهو من أشهر المؤرخين في عهد الدولة الموحدية ( البيدق ة إسمه أبو بكـــر الصنهاجي ) . و الغريب في الأمر أن مؤرخين كبار عاشوا في تلك الحقبة التاريخية و عاصروا الدولة الموحدية لم يأتوا على ذكر هذا النوع من الطعام و أخص بالذكر منهم ابن عدارى صاحب البيان المغرب و إبن سعيد صاحب المغرب في حلي المغرب و ابن القطان صاحب نظم الجمان رغم ما اطلعوا عليه من تفاصيل دقيقة عن الحياة الاجتماعية و السياسية و الثقافية للمغرب و نقلوا كل أخبار ذلك العصر.
و بالعودة إلى كتاب الأنساب للبيدق و هو شاهد العيان الوحيد الذي شكلت له هذه الحادثة عقدة ما فتئ يذكرها في كل مؤلفاته حتى خارج سياق النص كونها كانت حدثا عاصفا في التاريخ المغربي ، فقد ذكرها حوالي عشرة مرات سواء في تاريخ المهدي بن تومرت الإمام المصمودي مؤسس دولة الموحدين كما ذكرها في تاريخ الأنساب دون توقف و ذكرها كذلك عند أحفاد عبد المومن بن علي الكومي في فتح تونس و معاركهم مع النورمان في صقلية كما جاء على ذكرها عند حفيده الأمير الموحدي في إشبيلية بالأندلس . هذه الوجبة ظلت لغزا كبيرا حير الباحثين و العلماء المغاربة و المستشرقين . و الحمد لله أني توفقت في حل هذا اللغز الغامض بعد سنوات طويلة من البحث و التنقيب و إن شاء الله سانشر الوصفة الصحيحة و البحث كاملا . للعلم فقط فإن هذه الوجبة ذكرها فقط المؤرخ الموحدي أبو بكر البيدق دون سواه من مؤرخي عصر الموحدين و هم كثيرون طبعا بل إن بعضهم كان مؤازرا للدولة الموحدية كالمؤرخ الرحالة ابن سعيد المغربي لم يذكرها في رحلته الشهيرة( المغرب في حلي المغرب ) و قد عاصر هذه الحقبة الزمنية و زار كل الربوع المغربية و شمال إفريقيا . كما أننا لا نجد أي إشارة لهذا الطعام و لو بإيجاز عند مؤرخ موحدي كبير آخر هو ابن القطان صاحب ( نظم الجمان لترتيب ما سلف من اخبار الزمان ) و ابن قطان : من كتاب البلاط الموحدي وكتابه ينضح بمدح واجالل االمراء الموحدين ومؤسس دولتهم خاصة وانه عاصر أ فول الموحدين وغروب شمسهم والصراع بين أفراد البيت الحاكم على السلطة . و يبقى فقط كتاب اخبار المهدي بن تومرت للبيذق هو المصدر المهم جدا الذي ذكر هذه الوجبة إلى جانب آخرين مثل ابن عدارى صاحب البيان المغرب و عبد الواحد المراكشي و ابن البناء.
قراءة في كتابي أبو بكر الصنهاجي البيدق مؤرخ عصر الموحدين ( تاريخ الإمام المهدي بن تومرت و المقتبس من كتاب الأنساب ) تحقيق المؤرخ الدكتور عبد الوهاب بن منصور . هذه الدراسة التي استمرت اكثر من عشر سنوات ستنشر كاملة قريبا تحت تصنيف ( اسماس) ..

***


الجزء الثاني من الوجبة التي انقرضت

الطعام الذي اغضب السلطان و دفعه إلى الانتقام و هذا ما لم يذكره البيدق في كتابيه تاريخ المهدي و كتاب الأنساب ( لأسباب سياسية طبعا ) فهرغة من القبائل التي ساندت الموحدين و تخلت عن مناصرة المرابطين و هي كذلك من أكبر القبائل المصمودية و إذا كان البيدق توخى الحذر في ذكر بقية القصة فإن مؤرخا آخر ذكر بقية الرواية لكن في سياق آخر و هو صاحب ( المعجب في تلخيص أخبار المغرب) عبد الواحد المراكشي، فنار الانتقام من قبيلة هرغة التي عملت طعاما ( للتحالف ) و لم تستدع إليه عبد المومن بن علي و لم تجعل له نصيبا من تلك الوليمة اعتبره احتقارا و تصغيرا من شأنه . فما كانت تلك الوجبة أو الوليمة المهمة التي ذكرها البيدق ثمانية مرات ، أليست من الأهمية بمكان؟ حتى تغضب سلطانا بحجم عبد المومن و تجر ورائها كارثة على قبيلة حليفة من القبائل التي ساندت الموحدين و أعطت الكثير من الرجال الأبطال و اعلت شأن مصمودة. و ما بال عبد المومن لم يغفر لاعيان هرغة رغم مرور السنوات و تحين الفرصة للرد و الانتقام و قتل أعيان هرغة جميعا تحت ذريعة واهية . نجد في المعجب رواية عبد الواحد المراكشي الذي انفرد وحده بذكر هذا الحدث الجلل في وثيقة كشف عنها المستشرق ليفي بروفانسال و ذكرت في أحداث مقتل اسماعيل الهزرجي من طرف معارضين لعبد المومن و أغلبهم من عائلة المهدي بن تومرت مؤسس دولة الموحدين الذين كانوا يرون أن السلطة انتزعت منهم و انهم أولى بها فهم آل البيت و المقربون ومن سلالة الإمام المهدي ، فاغتنم عبد المومن هذه الفرصة لتصفية معارضيه من عائلة المهدي بن تومرت الذين يطلبون حقهم في الحكم و في نفس الوقت استغل الفرصة و صفى معهم خصومه من أعيان هرغة الذين رفضوا استدعاؤه للوليمة و يبرز صاحب المعجب ذلك بصراحة ( .. - ومعهم بعض أعيان هرغة الذين كانوا - قادحون في ملكه متربصون لسلطته ) فإلى أي حد كانت هذه الوجبة مهمة وذات شأن ؟ و كيف انقرضت منذ ذلك الزمن و لم يبق لها ذكر ، إلا في المصدر الذي ذكرناه سابقا عند أبي بكر الصنهاجي البيدق ، و قد امتدت دراستنا في البحث عن هذه الوجبة حتى وقفنا عليها اليوم و هي لا زالت موجودة و مستمرة حتى يومنا هذا . و هذا البحث الطويل سننشره إن شاء الله .. يتبع بقلم

الهواري الحسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى