علجية عيش - هكذا يحدث العزوف الثقافي في الجزائر



حديث عن عميد المسرح وعرّاب الخشبة في الجزائر عبد الحميد حباطي


تتعرض الثقافة إلى الانحراف إلى حد تجعلها تدخل غرفة الإنعاش، عندما توكل الأمور إلى غير المختصين، ما يجعلها بحاجة إلى عملية قيصرية ، ففي الجزائر مثلا تتعرض الثقافة إلى التشويه و يصاب المثقفون بالإحباط، ما يدفعهم إلى العزوف الثقافي، فيغلقون على أنفسهم كل باب من شأنه أن يضيف شيئا للساحة الثقافية و يعمل على ترقية الفعل الثقافي
449001722_453008844011005_1344949221106315713_n.gif

فتعيين مسؤولين على رأس قطاع ما لا تربطهم به علاقة لا من بعيد و لا من قريب ، كما أنهم يفتقرون إلى الخبرة الميدانية التي تسهل عليهم إدارة و تسيير قطاع ما خاصة إذا تعلق الأمر بالفكر و الثقافة، و هي واحد من المجالات التي أسالت كثير من الحبر بين مفكرين و مثقفين و الفلاسفة ، أمام تعدد الثقافات و تخصصاتها في الأدب و المسرح و السينما، والفن ( الموسيقى) و ما شاكلها من المنتوجات الإبداعية، التي ترسم نمطا كليا لحياة شعب ما مع احترام ذوق الجمهور و تقديم له معارف جديدة ، فأن توكل المسؤولية لغير أهلها يحدث الشرخ و الانفصال بين النخبة و الجمهور، هذا الجمهور الذي أصبح يتابع أشياء لا تلبي ذوقه الرفيع و ما يغذي عقله و يكتسب منه تجربة، و لذا لم تعد للمثقفين القابلية الثقافية للإنماء و أصبحت الفضاءات الثقافية تنظم في غالب الأحيان معارض للحلويات و الألبسة التقليدية وحرم الجمهور المثقف من الوقوف على تظاهرات فكرية ثقافية كتنظيم ملتقيات لمناقشة قضايا فكرية تعبر عن مشكلات المجتمع يحضرها باحثون و أكاديميون و كل المهتمين بالجانب الثقافي فكل منهما لا غنى عنها للأخرى طالما النشاطات الثقافية تولد طريقة متميزة في النظر إلى من يحيطون بنا بل إلى العالم كله.

و كعينة نقدم قطاع المسرح في الجزائر كنموذج و هذا من خلال زيارتي إلى المدرسة la medersa الواقعة بشارع العربي بن مهيدي التي تحولت إلى دار "إبداع" السنة الماضية ، تنظم فيها تظاهرات تتعلق بالألبسة و الحلويات التقليدية بعد أن كانت مُلْحَقَة تابعة لجامعة قسنطينة تنظم فيها المحاضرات و اللقاءات الفكرية، و كانت تحظى باستقبال مثقفين و مفكرين أي النخبة من داخل و خارج الولاية و حتى من خارج الوطن، و أثناء زيارتي لها منذ يومين ، وقفت على لوحة معلقة بالطابق السفلي للدار تعود لفنان مسرحي ، لكنه غير معروف لدى الجمهور من عشاق المسرح و ربما هو مجهول حتى عند المسرحيين أو كما يقال عند أصحاب" الكار"، و كأن اللوحة تم إخفاؤها كي لا يراها الجمهور، رغم أنه خصصت له في السفل قاعة أطلق عليها اسم " مدرسة الفنان عبد الحميد حباطي " و هي قاعة فارغة لا توجد سوى صورته معلقة في إحدى الجدران ، و إذا بي أتساءل مع نفسي اين كان هذا الوجه المسرحي المبدع يوم تقرر إطلاق اسم فنان على مسرح قسنطينة الجهوي؟، حيث تم اختيار فنان لا علاقة له بالمسرح، و هو الفنان محمد الطاهر فرقاني مغني المالوف و لم يطلق على أحد المسرحيين من أبناء المدينة ، و قد وقعت ضجة كبيرة احتجاجا و اعتراضا على هذا القرار التي صدر عن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي.

و قد كشف الوزير السابق يومها أن القرار كان قرار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قبل خلعه، كانت النتيجة إبعاد الأديب محمد زتيلي مدير المسرح الذي كان من بين الرافضين للقرار و الذين وقفوا في حركة احتجاجية أمام مدخل المسرح رافعين شعار: "المسرح للمسرحيين"، فسوء الاستخدام في عملية التوظيف أو التعيين أو توزيع الأدوار، قد يقود إلى فشل قطاع من القطاعات سواء في الثقافة أو في المجالات الأخرى، في هذه الورقة نقف مع عميد المسرح و عرّاب الخشبة كما سمّوه، إنه الفنان المسرحي ابن قسنطينة عبد الحميد حباطي و هو من مواليد 05 جوان 1945 بقسنطينة ، و كما هو موثق في لوحة جدارية كبيرة ، وضع هذا الفنان أو خطواته على ركح الخشبة مع جمعية الهلال التمثيلي ، و غداة الإستقلال أنشأ فرقة "البهاليل" مع ممثلين من أمثال بشير بن محمد، و رشيد زغيمي قبل أن يتابع تكوينه بمعهد الفنون الدرامية، كما تابع عبد الحميد حباطي دورات تكوينية بالخارج قبل ان يلتحق بالمسرح الوطني الجزائري كممثل محترف في سنة 1965، و خلال تلك الفترة قرر مصطفى كاتب حين كان مديرا للمسرح الوطني الجزائري تعيينه للإشراف على التكوين و التنشيط بالمسرح الجهوي قسنطينة، قدم عبد الحميد حباطي أعمالا مسرحية و قام بأدوار أضاءت سقف المسرح بإبداعاته، منها على الخصوص : مسرحية القانون و الناس، ناس الحومة، لا حال يدوم، ديوان العجب، و مسرحية البوغي) كان ذلك في الفترة بين 1978 إلى غاية 2003 ، بالإضافة إلى ذلك قدم هذا الممثل و المخرج المسرحي أعمالا في السينما و التلفزيون.

من الأفلام التي شارك فيها نذكر منها: "دورية نحو الشرق" للمخرج عمار العسكري و طاحونة السيد هابر لأحمد راشدي و أعمال أخرى للشاشة الصغيرة، هي أعمال لا يزال الجمهور يتذكرها خاصة دورية نحو الشرق التي كان لها صدى كبير جدا لدى الجمهور، حتى عند الأطفال، و قد ظل عبد الحميد حباطي محافظا على هذا الفن إلى أن وافته المنية يوم 06 ماي 2020 ، عن عمر ناهز 75 سنة بعد مرض عضال، و ها هي ذكرى وفاته الرابعة تمر، لكن للأسف لا أحد تذكره من رفاق الدرب و لو بيوم دراسي يجتمع فيه المسرحيون و يناقشون مسائل تتعلق بمستقبل المسرح في الجزائر و كيف النهوض به، كان على السلطات المحلية أن تطلق على دور الثقافة التي ما تزال مغلقة إلى اليوم منذ إنشائها في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة 2015 على اسم هذا الفنان تكريم عائلته بعد وفاته، أو أسماء أخرى نشطت الساحة الثقافية سواء في المسرح أو دور السينما التي لا تزال مغلقة أيضا إلى اليوم.، تبقى مسالة التنوع الثقافي و من يضعه في إطاره الصحيح، أي الاعتماد على متخصصين كل و المجال الذي يعمل فيه للنهوض بقطاع الثقافة و ارتقائها إلى العالمية ، لا سيما و الجزائر تملك من المؤهلات ما يجعلها في مقدمة الصفوف.

ورقة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى