حرِّض بَنيك َعلى الآداب في الصِغر
كيما تَقرَّ بهم عيناكَ في الكِبر.
وإنما مثل الآداب تَجمعها في
عُنفوان الصِّبا كالنقش في الحجَر.
الإمام علي رضي الله عنه
النفس البشـرية، كم هي غريبة الأطوار، وليس الإنسان مَعصومًا من الخطأ، ولكن شَتان ما بَين خطأ وخطأ، خطأ لا يؤذي الآخرين، وخطأ يُمكنه أن يدمر نفوسًا أخرى ويصيبها بأبلغ الضـرر. ومن هنا وجب على كل إنسان أن يذر في سبيل العيش في سلام حِرصًا ينأى به عن إيذاء نفسه وإيذاء الآخرين ليحيا المجتمع في سلام.
كم من نفوس جُبلت على النُبل والحب، لا يعرف الشـرُ إليها سبيلا، وكلما حاق بها، آثرت التعقل والتدبر؛ لتنجو من براثن الشيطان، وكم من نفوس جُبلت على التهور وكفَرت بوجوب الرَّوية والتعقل لإدراك حقيقة الأمور، فتنزلق إلى الجرم انزلاقًا يودي بها إلى الهاوية، ويلحق من جرائه بالغير أذى جسيم.
كل هذه النفوس، هي صميم عمل القاضي، يقع بين يديه منها يوما بعد يوم، ما هو على هذه ومن هو على تلك، وهو في سبيل تأملها وتفرس ما هي عليه لا محالة يصيبه وجع.
شَغَفها حبًا ضابطٌ شاب بالقوات المسلحة. ابن الجيران فاره الطول، بَهي الطلعة، بشوش الوجه. استقال من عمله وآثر الأعمال الحرة، وصار في حِل من القيود، وصار لديه الوقت الذي يمارس فيه حياته العادية.
كان مَسكنه الذي يعيش فيه مع زوجته وطفليه، في عمارة تُجاور تلك العمارة، التي تعيش فيها تلك الشابة الجميلة مع أسرتها، تلك الأسرة عريقة النسَب، ذات الوضع الاجتماعي المتميز، أبا وأمًا وإخوة وأخوات، جُلهم يَشغل مناصب ووظائف مُهمة.
بهَرَ ه جمالها الأخاذ، أخذ بلُبِّه قوامها الممشوق، وعيناها النجلاوان، وبياض بَشـرتها، وعلامات الحُسن في وجهها، وتلك الغمازات الساحرة. ناهيك عن وظيفتها من حيث كونُها عضو هيئة التدريس في إحدى الجامعات.
ربما كان مَعذورًا في عدم مقاومة الإعجاب بكل هاتيك السِمات، وكل هذا الُحسن والجمال. لم يُفكر في بيته، ولا في زوجته، ولا طفليه، بل انساق وراء عاطفة وإعجاب طمَحا به إلى خيالٍ رسَم له صورة الجِنان التي سيعيش فيها إذا ما تزوجها.
ولم تملُك الشابة الجميلة مقاومة ظهوره أمامها كلما غادرَت بيتها، أو كانت عائدة إليه. بدأ بما يبدأ به الصِبية في مُغازلة البنات، ابتسامات. افتعال مواقف للحديث بدون مناسبة إلخ .... من أعمال الصبية والمراهقين.
لم تنُكر مُدرسة الجامعة انبهارَها بشكله، وبوظيفته التي لم تكن تعلم أنه استقال منها للتفرغ للأعمال الحرة.
حسمَ أمرَه، إنها هي التي كان يحلم بها، لا تلك التي في بيته، وأم طفليه. ولم يحسِب حسابا لما يمكن أن يَعصِف بهذا البيت الوليد من رياح الفُرقة، وتدمير الأطفال.
لم يستطع مقاومة أي حساباتٍ بشأن زيجته الأولى، بل راح يتخذ خطوات أكثر جُرأةً للتقرب إلى الشابة الجميلة. ذهب إليها في جامعتها، التقاها في مكتبها، فالحجج كثيرة، وافتعال المجرى العادي لأي طلب، لا يُعوزه تدبيره.
صادَف ما يَتقرَّب به لديها هوًى في نفسها، تبادلا أرقام الهواتف، طغَى تأثير معسول قوله لها، وعبارات الإطراء التي تُلقَى على مسامعها، على صوت العقل بداخلها. بدأت اللقاءات بعيدا عن أعين الرُقبَاء. ازدادت مساحة التنازلات. صار الهمسُ لمسًا، بما يقتضيه الحال.
صَدَّقت الدكتورة الوعود، بيتٌ جديدٌ سيُعدِّه لها وهو يستطيع. العدلُ المزعوم بينها وبين زوجته الشرعية - الذي ذرَتهُ رياح انبهاره بها من أول لحظة ارتبط بها، سيُقام.
تقدم لخطبتها. لم تزل أُسَر كثيرة في المجتمع المصـري تخشى فكرة تزويج بناتها، ممن سبق له الزواج من دون ضرورة يَشهد عليها الحال.
كيف يا ابنتي تكونين زوجة ثانية، وأنتِ على هذا القدر من الجمال والمكانة الاجتماعية، أترضين بنصف زوج؟! وبنصف وقت، ونصف مشاعر؟! ولكن الأب والأم لم يستطيعا ثنيها عما عقَدت عليه العزم. بل كانت تحدث نفسها - أخذا بوعوده الزائفة - بأنه سيكون كله كله لها.
اعترضَ الأخوة الذكور، والأخوات البنات، فشلت كل محاولات الإقناع التي يمكن أن تعيد الشابة إلى الصواب. فكانت الخطبة تحت سَيف الإذعان، بعد أن كشَّـرت عن أنيابها لأمِّها: سأتزوجه، شِئتم أم أبيتم. أعمَل الأهلُ العقل، حتى وإن فشلت الزيجة، درءًا لفضيحة الزواج بدون علمهم. وافقوا على مَضَض.
أبدى الطمَّاع من الأكاذيب ما خَدَع به أهلها، شقة فاخرة في عمارة أخرى، ولم لا وقد ادَّعى أن العملَ الحر في المقاولات جعله يقف في طابور الأغنياء، جهاز فاخر. سيارة لها ولكن قريبا بعد الزواج. تمت الخطبة.
كان نَهَم الرجل بها، ليس لعَمل بَيت جديد، بل للفوز بجَسدها، ونَهْش كل ما يمكن أن يصل إليه منه. ومن هنا لم ينتظر الزفاف.
تعددت اللقاءات والسفريات. زادت مساحة ما فرَطت فيه من جسدها، زاد ما كان يلتهمه كالذئب الجائع منه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ثم كانت الكارثة. حَملٌ مُبكر قبل الزواج.
أنبأته به. لم يكترث. وما الضـرر. أعرفُ من يخلصنا منه حتى نتزوج. وافقته، لا سيما أنها في الشهر الأول الذي شَعرت فيه بحملها. أُجريت التحاليل والأشعات. احتفظ المخادع بالمستندات. بل تَعمَّد الحديث في الأمر على الواتس آب، ليَفهم منه مَن يقرؤه لاحقًا، ما كان بينهما وكل ما دار.
في كل أحاديثه معها، كان يتعمد ذِكر أماكن اللقاءات، بل الحديث في وصف أعمال الفُحش التي يأتيانها. يستدرجها لكي تحكيها هي بنفسها.
ويستدرجها أيضا إلى وصف مشاعرها ساعتها، بأسلوب مُبتَذل، لا يقبله رَجلٌ سوي على امرأةٍ ارتبط بها. ولكنه كان يُعد العُدَّة لأمر ما.
وتنحو العلاقة بينهما مًنحىً آخر أشد فُحشًا. تصوير اللقاءات الجنسية صَوتا وصورة، وتبادلها على هواتفهما الذكية، والتعليق عليها في سفور، وبالقول البذيء.
ثم كان المشهد الأخطر. بل قُل المشهد الموجِع - ها هما وجها لوجه أمام محكمة الجنايات!
كانت الجلسة سرية. ولابد أن تكون سرية، فإنه وإن كان الأصل في القانون هو علانية الجلسات، فإنَّ القانون قد أجاز للمحكمة مراعاةً للنظام العام، أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، حتى لا تخدش الألفاظ التي يقتضيها الدفاع في القضايا الجنسية حَياء الجمهور الحاضر في الجلسة العلنية.
لم يقف الطمع عند حد جَسد الشابة ومفاتنها، بل امتد إلى ثراء الأسرة. لم لا تشاركني يا عمِّي بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه في نشاطي في المقاولات؟ وافق الرجل لقاءَ شيكاتٍ أخذها عليه ضَمانا لحقه. ثم راح ينتظر عائدَ أمواله من دون جدوى. كان الطماع يُسوِّف. زاد الأمر على الحد. في النهايةِ طلب الرجل أمواله (ويا دار ما دخَلِك شَر، كما يقولُ عامة الناس) ولكن من دون جدوى أيضا. هَدده بالشكاية بالشيكات. لم يكترث. طلب من ابنته أن تتحدث مع الطماع فلم يأبَه. شَكاه بالشيكات وصدرت ضده أحكام غيابية.
جُنَّ جنون المستهتر بالأموال وبالأعراض. هَدد بما لديه من فيديوهات شائهةٍ كريهةٍ، وصُور فاضحة، وأحاديث مُبتذلةٍ، إن لم يتنازل والدها عن الدعاوى. استعطَفتهُ الشابة المفرطة في عِرضها فلم يُصغ لها.
أرسل بكل ما لديه لأمِّها. ثم لإخوتها وأخواتها. وفي النهاية لوالدها. ولما لم يجد استجابة، نشَـر شيئا منها على صفحة الكلية التي تقوم بالتدريس فيها. عمَّت الفضيحة كثيرا من الأرجاء، بلغَت الأهلُ والأصدقاء والطلبة والدكاترة بل والجيران.
هُرعَت أسرتها إلى القانون، أُعِدَّ المَحضـر إعدادا قانونيا سَليما. تهديد عَبر وسائل التواصل الاجتماعي. سَبٌ وقذفٌ جناية ارتبط بها عددٌ من الجنح.
جيء به إلى المحاكمة. رأت المحكمة مناقشة المجني عليها في نِقاط الدعوى. حضـرت الشابة. جمال أخَّاذ، سَمتٌ لا يظن من يُبصـره، أن يشكَ لحظةً، أنَّ كل هذا الاستهتار وغياب العقل قد وقع منها.
نظرتُها في لمحةٍ كالبرق. استحضـرتُ من جُرمها كل ما وقعَت عليه عيناي، وأنا أطالع أوراق الدعوى. نعم جُرمها. وأي جُرم الذي ارتكبته في حق نفسها. في حق أسرتها. في حق قدسية مهنتها. يا الله! ما كل هذا الوجع؟! حتى كأنني غفَوتُ للحظةٍ غِبتُ فيها عن المكان والزمان، أستحضـر ُما حاق بأهلها عندما علموا بما كان منها ويَقصِمُ الظهور. فبلغَ بي مِن الإحساس بالألم ما بَلغ.
عدتُ أدراجي أختلسُ النظر بلحظِي إلى زملائي فإذا بالوجوه يُرهقها إحساسٌ، لم يقِل ألمًا عما أحسَستُ به، وكأن لسان حالهم يقول: يا الله. يا مغيث!!
تَنظُرها، فكأنك بعَذراء في خِدرها، لا تعرف مما يعرفه الناس عن العلاقة الخاصة بين رجل وامرأة شيئا، ثم تستحضـر ما كان منها من مساوئ، فيُصيبك فزَع، يُصيبك حُزنٌ دفينٌ لا تعرف لماذا تَسـرَّب إلى وجدانك بهذا القدر، وعلى هذا النحو وأنت لا صِلة لك بالواقعة.
بل إذا نظَرتَ إلى هذا المجرم، نالكَ مثل ما نالكَ من الحزن ذاته - بالرغم من كونه مجرمًا - ما شكل أسرته الصغيرة والكبيرة. كيف استقبلوا كل ما وقع وعلِموا به. ما الذي أصاب زوجته، ما حال طفليه. ما حَجم الهمِّ والغمِّ الذي أصابهم.
وإذا تخيَّلتَ أُسرتها، تتساءل: كيف كانوا حين علِموا، أي طَعنات تلقونَها في مشاعرهم، وفي عواطفهم، وشَرفهم. أي حُزن خيَّمَ على بيتٍ كان يومًا وادعًا قبل ظهور هذا الشيطان في حياتهم.
لا شكَ أنكَ ستحزن لحزنهم، وإن كانوا سَببا مباشرا فيما حدث، فلا شك أنَّ غيابهم، غياب رقابتهم. غياب أشياء كثيرة كانت السبب.
حتى وإن طبَّقَ القاضي القانون على قَدر الجُرم، أليس في كل ما عاش من أحداث القضية وجع؟ ألا يُصيبه من كل هذا الوجَع وجع!
كيما تَقرَّ بهم عيناكَ في الكِبر.
وإنما مثل الآداب تَجمعها في
عُنفوان الصِّبا كالنقش في الحجَر.
الإمام علي رضي الله عنه
النفس البشـرية، كم هي غريبة الأطوار، وليس الإنسان مَعصومًا من الخطأ، ولكن شَتان ما بَين خطأ وخطأ، خطأ لا يؤذي الآخرين، وخطأ يُمكنه أن يدمر نفوسًا أخرى ويصيبها بأبلغ الضـرر. ومن هنا وجب على كل إنسان أن يذر في سبيل العيش في سلام حِرصًا ينأى به عن إيذاء نفسه وإيذاء الآخرين ليحيا المجتمع في سلام.
كم من نفوس جُبلت على النُبل والحب، لا يعرف الشـرُ إليها سبيلا، وكلما حاق بها، آثرت التعقل والتدبر؛ لتنجو من براثن الشيطان، وكم من نفوس جُبلت على التهور وكفَرت بوجوب الرَّوية والتعقل لإدراك حقيقة الأمور، فتنزلق إلى الجرم انزلاقًا يودي بها إلى الهاوية، ويلحق من جرائه بالغير أذى جسيم.
كل هذه النفوس، هي صميم عمل القاضي، يقع بين يديه منها يوما بعد يوم، ما هو على هذه ومن هو على تلك، وهو في سبيل تأملها وتفرس ما هي عليه لا محالة يصيبه وجع.
شَغَفها حبًا ضابطٌ شاب بالقوات المسلحة. ابن الجيران فاره الطول، بَهي الطلعة، بشوش الوجه. استقال من عمله وآثر الأعمال الحرة، وصار في حِل من القيود، وصار لديه الوقت الذي يمارس فيه حياته العادية.
كان مَسكنه الذي يعيش فيه مع زوجته وطفليه، في عمارة تُجاور تلك العمارة، التي تعيش فيها تلك الشابة الجميلة مع أسرتها، تلك الأسرة عريقة النسَب، ذات الوضع الاجتماعي المتميز، أبا وأمًا وإخوة وأخوات، جُلهم يَشغل مناصب ووظائف مُهمة.
بهَرَ ه جمالها الأخاذ، أخذ بلُبِّه قوامها الممشوق، وعيناها النجلاوان، وبياض بَشـرتها، وعلامات الحُسن في وجهها، وتلك الغمازات الساحرة. ناهيك عن وظيفتها من حيث كونُها عضو هيئة التدريس في إحدى الجامعات.
ربما كان مَعذورًا في عدم مقاومة الإعجاب بكل هاتيك السِمات، وكل هذا الُحسن والجمال. لم يُفكر في بيته، ولا في زوجته، ولا طفليه، بل انساق وراء عاطفة وإعجاب طمَحا به إلى خيالٍ رسَم له صورة الجِنان التي سيعيش فيها إذا ما تزوجها.
ولم تملُك الشابة الجميلة مقاومة ظهوره أمامها كلما غادرَت بيتها، أو كانت عائدة إليه. بدأ بما يبدأ به الصِبية في مُغازلة البنات، ابتسامات. افتعال مواقف للحديث بدون مناسبة إلخ .... من أعمال الصبية والمراهقين.
لم تنُكر مُدرسة الجامعة انبهارَها بشكله، وبوظيفته التي لم تكن تعلم أنه استقال منها للتفرغ للأعمال الحرة.
حسمَ أمرَه، إنها هي التي كان يحلم بها، لا تلك التي في بيته، وأم طفليه. ولم يحسِب حسابا لما يمكن أن يَعصِف بهذا البيت الوليد من رياح الفُرقة، وتدمير الأطفال.
لم يستطع مقاومة أي حساباتٍ بشأن زيجته الأولى، بل راح يتخذ خطوات أكثر جُرأةً للتقرب إلى الشابة الجميلة. ذهب إليها في جامعتها، التقاها في مكتبها، فالحجج كثيرة، وافتعال المجرى العادي لأي طلب، لا يُعوزه تدبيره.
صادَف ما يَتقرَّب به لديها هوًى في نفسها، تبادلا أرقام الهواتف، طغَى تأثير معسول قوله لها، وعبارات الإطراء التي تُلقَى على مسامعها، على صوت العقل بداخلها. بدأت اللقاءات بعيدا عن أعين الرُقبَاء. ازدادت مساحة التنازلات. صار الهمسُ لمسًا، بما يقتضيه الحال.
صَدَّقت الدكتورة الوعود، بيتٌ جديدٌ سيُعدِّه لها وهو يستطيع. العدلُ المزعوم بينها وبين زوجته الشرعية - الذي ذرَتهُ رياح انبهاره بها من أول لحظة ارتبط بها، سيُقام.
تقدم لخطبتها. لم تزل أُسَر كثيرة في المجتمع المصـري تخشى فكرة تزويج بناتها، ممن سبق له الزواج من دون ضرورة يَشهد عليها الحال.
كيف يا ابنتي تكونين زوجة ثانية، وأنتِ على هذا القدر من الجمال والمكانة الاجتماعية، أترضين بنصف زوج؟! وبنصف وقت، ونصف مشاعر؟! ولكن الأب والأم لم يستطيعا ثنيها عما عقَدت عليه العزم. بل كانت تحدث نفسها - أخذا بوعوده الزائفة - بأنه سيكون كله كله لها.
اعترضَ الأخوة الذكور، والأخوات البنات، فشلت كل محاولات الإقناع التي يمكن أن تعيد الشابة إلى الصواب. فكانت الخطبة تحت سَيف الإذعان، بعد أن كشَّـرت عن أنيابها لأمِّها: سأتزوجه، شِئتم أم أبيتم. أعمَل الأهلُ العقل، حتى وإن فشلت الزيجة، درءًا لفضيحة الزواج بدون علمهم. وافقوا على مَضَض.
أبدى الطمَّاع من الأكاذيب ما خَدَع به أهلها، شقة فاخرة في عمارة أخرى، ولم لا وقد ادَّعى أن العملَ الحر في المقاولات جعله يقف في طابور الأغنياء، جهاز فاخر. سيارة لها ولكن قريبا بعد الزواج. تمت الخطبة.
كان نَهَم الرجل بها، ليس لعَمل بَيت جديد، بل للفوز بجَسدها، ونَهْش كل ما يمكن أن يصل إليه منه. ومن هنا لم ينتظر الزفاف.
تعددت اللقاءات والسفريات. زادت مساحة ما فرَطت فيه من جسدها، زاد ما كان يلتهمه كالذئب الجائع منه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ثم كانت الكارثة. حَملٌ مُبكر قبل الزواج.
أنبأته به. لم يكترث. وما الضـرر. أعرفُ من يخلصنا منه حتى نتزوج. وافقته، لا سيما أنها في الشهر الأول الذي شَعرت فيه بحملها. أُجريت التحاليل والأشعات. احتفظ المخادع بالمستندات. بل تَعمَّد الحديث في الأمر على الواتس آب، ليَفهم منه مَن يقرؤه لاحقًا، ما كان بينهما وكل ما دار.
في كل أحاديثه معها، كان يتعمد ذِكر أماكن اللقاءات، بل الحديث في وصف أعمال الفُحش التي يأتيانها. يستدرجها لكي تحكيها هي بنفسها.
ويستدرجها أيضا إلى وصف مشاعرها ساعتها، بأسلوب مُبتَذل، لا يقبله رَجلٌ سوي على امرأةٍ ارتبط بها. ولكنه كان يُعد العُدَّة لأمر ما.
وتنحو العلاقة بينهما مًنحىً آخر أشد فُحشًا. تصوير اللقاءات الجنسية صَوتا وصورة، وتبادلها على هواتفهما الذكية، والتعليق عليها في سفور، وبالقول البذيء.
ثم كان المشهد الأخطر. بل قُل المشهد الموجِع - ها هما وجها لوجه أمام محكمة الجنايات!
كانت الجلسة سرية. ولابد أن تكون سرية، فإنه وإن كان الأصل في القانون هو علانية الجلسات، فإنَّ القانون قد أجاز للمحكمة مراعاةً للنظام العام، أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، حتى لا تخدش الألفاظ التي يقتضيها الدفاع في القضايا الجنسية حَياء الجمهور الحاضر في الجلسة العلنية.
لم يقف الطمع عند حد جَسد الشابة ومفاتنها، بل امتد إلى ثراء الأسرة. لم لا تشاركني يا عمِّي بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه في نشاطي في المقاولات؟ وافق الرجل لقاءَ شيكاتٍ أخذها عليه ضَمانا لحقه. ثم راح ينتظر عائدَ أمواله من دون جدوى. كان الطماع يُسوِّف. زاد الأمر على الحد. في النهايةِ طلب الرجل أمواله (ويا دار ما دخَلِك شَر، كما يقولُ عامة الناس) ولكن من دون جدوى أيضا. هَدده بالشكاية بالشيكات. لم يكترث. طلب من ابنته أن تتحدث مع الطماع فلم يأبَه. شَكاه بالشيكات وصدرت ضده أحكام غيابية.
جُنَّ جنون المستهتر بالأموال وبالأعراض. هَدد بما لديه من فيديوهات شائهةٍ كريهةٍ، وصُور فاضحة، وأحاديث مُبتذلةٍ، إن لم يتنازل والدها عن الدعاوى. استعطَفتهُ الشابة المفرطة في عِرضها فلم يُصغ لها.
أرسل بكل ما لديه لأمِّها. ثم لإخوتها وأخواتها. وفي النهاية لوالدها. ولما لم يجد استجابة، نشَـر شيئا منها على صفحة الكلية التي تقوم بالتدريس فيها. عمَّت الفضيحة كثيرا من الأرجاء، بلغَت الأهلُ والأصدقاء والطلبة والدكاترة بل والجيران.
هُرعَت أسرتها إلى القانون، أُعِدَّ المَحضـر إعدادا قانونيا سَليما. تهديد عَبر وسائل التواصل الاجتماعي. سَبٌ وقذفٌ جناية ارتبط بها عددٌ من الجنح.
جيء به إلى المحاكمة. رأت المحكمة مناقشة المجني عليها في نِقاط الدعوى. حضـرت الشابة. جمال أخَّاذ، سَمتٌ لا يظن من يُبصـره، أن يشكَ لحظةً، أنَّ كل هذا الاستهتار وغياب العقل قد وقع منها.
نظرتُها في لمحةٍ كالبرق. استحضـرتُ من جُرمها كل ما وقعَت عليه عيناي، وأنا أطالع أوراق الدعوى. نعم جُرمها. وأي جُرم الذي ارتكبته في حق نفسها. في حق أسرتها. في حق قدسية مهنتها. يا الله! ما كل هذا الوجع؟! حتى كأنني غفَوتُ للحظةٍ غِبتُ فيها عن المكان والزمان، أستحضـر ُما حاق بأهلها عندما علموا بما كان منها ويَقصِمُ الظهور. فبلغَ بي مِن الإحساس بالألم ما بَلغ.
عدتُ أدراجي أختلسُ النظر بلحظِي إلى زملائي فإذا بالوجوه يُرهقها إحساسٌ، لم يقِل ألمًا عما أحسَستُ به، وكأن لسان حالهم يقول: يا الله. يا مغيث!!
تَنظُرها، فكأنك بعَذراء في خِدرها، لا تعرف مما يعرفه الناس عن العلاقة الخاصة بين رجل وامرأة شيئا، ثم تستحضـر ما كان منها من مساوئ، فيُصيبك فزَع، يُصيبك حُزنٌ دفينٌ لا تعرف لماذا تَسـرَّب إلى وجدانك بهذا القدر، وعلى هذا النحو وأنت لا صِلة لك بالواقعة.
بل إذا نظَرتَ إلى هذا المجرم، نالكَ مثل ما نالكَ من الحزن ذاته - بالرغم من كونه مجرمًا - ما شكل أسرته الصغيرة والكبيرة. كيف استقبلوا كل ما وقع وعلِموا به. ما الذي أصاب زوجته، ما حال طفليه. ما حَجم الهمِّ والغمِّ الذي أصابهم.
وإذا تخيَّلتَ أُسرتها، تتساءل: كيف كانوا حين علِموا، أي طَعنات تلقونَها في مشاعرهم، وفي عواطفهم، وشَرفهم. أي حُزن خيَّمَ على بيتٍ كان يومًا وادعًا قبل ظهور هذا الشيطان في حياتهم.
لا شكَ أنكَ ستحزن لحزنهم، وإن كانوا سَببا مباشرا فيما حدث، فلا شك أنَّ غيابهم، غياب رقابتهم. غياب أشياء كثيرة كانت السبب.
حتى وإن طبَّقَ القاضي القانون على قَدر الجُرم، أليس في كل ما عاش من أحداث القضية وجع؟ ألا يُصيبه من كل هذا الوجَع وجع!