قبل ستين يوما من اليوم الموافق 29 أبريل عام2024 انتهيت من قراءة هذا الكتاب الجامع للعزيز العزيز الكاتب الصحفي والمؤرخ الكبير الأستاذ أبو الحسن الجمال وعندما بدأت في الشروع والتخطيط لكتابة تصدير له بناء على تكليفه الكريم لي بذلك أصابتني في الليل جلطة قلبية أدت لانسداد ثلاثة شرايين رئيسية بالقلب قام الأطباء بمستفى المعلمين بالجزيرة بتركيب دعامتين وانتظروا شهرا لاجراء العملية الثانية وبين اراء مختلفة حول تركيب الدعامة الثالثة بعد تحديد حجم الجلطة البالغة 50 % انتظر للغد لاجراء مسح ذري للوقوف على حجمها وبيان الموقف الطبي منها ، ويعلم الله كم أعاني حتى اجلس إلى الحاسوب لكتابة هذا التصدير الذي يكشف عن محبة وتقدير عميقين لمؤلفه الذي يقف في قلبي عزيزا كريما. وفي اهدائه الكتاب لذكرى والده عليه رحمة الله اتذكر أن اليوم 29 يونيه هو الذكرى الواحدة والعشرين لرحيل أبي المعلم والصديق .
يذكرني في حديثه عن سيرته بكثير من سيرتي الثقافية والفكرية بيد أني فشلت في الالتحاق ضابطا احتياطيا بالجيش المصري وكم كنت أحب ذلك ، ولكن كشف الهيئة اختار طوال القامة الذين لم أكن منهم ورضيت بحظي من الالتحاق مجندا بسلاح إشارة الدفاعي الجوي لأشهدأكبر محاولة ارهابية فاشلة لاغتيال قاائد المحكمة العسكرية في عام 1993 اللواء عثمان شاهين الذي لجأ إلى ورشة الاشارة الفرعيةرقم 4 بعين الصيرة بالمنطقة المركزية العسكرية ، ولقد تركت العسكرية المصرية في كاتبنا الكبير ومؤرخنا الطلعة البحاثة الأستاذ الجمال كثيرا من الصفات القيمة إذا يقول :" التحقت بالقوات المسلحة المصرية ضابطاً احتياطياً لمدة 5 سنوات، بسلاح المشاة، تعلمت خلال هذه المدة، الحزم والضبط والربط والقيادة الرشيدة والإدارة، كما طالعت تاريخنا العسكري في كل العصور، وساعدتني هذه الفترة في كتابه "من أعلام العسكرية المصرية".
وفي ملامح سيرته أيضا دراسته في كلية الآداب/ جامعة المنيا/ قسم اللغة الإنجليزية في العام الدراسي /1997 1998م. وكلية الآداب من الكليات العريقة أتذكر أن اد. رجاء عيد عميد أداب بنها أثناء دراستي بها (1988-1992) كان عميدا أيضا لآداب إلمنيا ولا نذهب بعيدا حين أقرر بأن عميد الأدب العربي د. طه حسين مواليد قرية الكليو بإلمنيا وهو الرجل صاحب التأثير القوي في حياتي وربما مسلكه التاريخي إذ كان طه حسين استاذا للتاريخ اليوناني واللاتيني بآداب القاهرة قبل تدريسه لمادة تاريخ الأدب الجاهلي بدلا من د.أحمد ضيف الذي نقل لدار العلوم في واقعة لا يعرف اسبابها للآن. والكتاب الذي ألفه حينها "في الشعر الجاهلي " وكان قد نشر لأول مرة عام 1926 ، وقامت الثورة على الكتاب حينها ليس لما قاله طه حسين عن الشعر الجاهلي فالحق أنه لم يكن أول من قال بانتحاله في عصور لاحقة ، ولكن قال بذلك عدد من الكتاب العرب الأوائل ، وعدد ضخم من المستشرقين قبل طه حسين على الأقل بستين عاما ، كما سترى في الصفحات التالية ، ولكن الحق أن الثورة لم تكن من أجل الشعر الجاهلي ولكن كانت من أجل أربعة مواضع في الكتاب جاءت في قرار النيابة حين تقدمت الشكوى للنيابة وتتعلق بإنكار وجود أبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل ، والتقليل من قيمة نسب النبي الأعظم محمد (صلعم) وإنكار القراءات السبع وأولية الإسلام في بلاد العرب باعتباره دين إبراهيم (ع)، وكان قرار النيابة حكيما ومتعاطفا مع طه حسين ، ولقد أعاد طه حسين طبع الكتاب في العام التالي 1927 بعد أن حذف الموضع الأول الخاص بإبراهيم وإسماعيل ، وأبقى على المواضع الثلاثة الأخرى، والكتاب أعيدت طباعته تحت عنوان "في الأدب الجاهلي" طوال السنوات الماضية طبعات عديدة . أقول لعل شخصية الدكتور طه حسين بلديات مؤلفنا كانت من ضمن الشخصيات المؤثرة في حياته هذا جانب أولي مهم جدا وهناك جانب آخر إذ تتبعت على مدار أكثر من عشر سنوات مجموعة من المعارك الصحفية والثقافية والفكرية خاضها الأستاذ المؤلف أبوالحسن الجمال على صفحات التواصل الاجتماعي والصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية ألخ والعجيب أنه خرج منها -جميعها- منتصرا وفي كل مرة أتابع معركة منها يطل على ذهني طه حسين في معاركة الكثيرة المعروفة وللاثنين معا طريقة في إدارة المعارك الفكرية تقوم على التلميح أولا ثم جمع المعلومات المتاحة والتصريح لاحقا والهجوم المتدرج على أصحاب المعركة وإذا كان طه حسين ادار معاركه وفق خطط سياسية وهو الذي تدرج في مناصب سياسية كعضوية مجلس النواب ووزراة التربية والتعليم وعضوية الأحزاب الخ ، فإن أبو الحسن الجمال أدار معاركه الفكرية وفق ما تعلمه وتدرب عليه في حياته العسكرية ممارسة ودراسة وعملا صحفيا وثقافيا لاحقا ، ولهذا أراني غير مسرف في الحديث عن طه حسين بالرغم من عدم معرفتي بموقف المؤلف الجمال منه وهل هو من مؤييديه أو منتقديه بعد الحملة التي شنها أنور الجندي وغيره على طه حسين . وأعود فأقول أن الجمال سلك مثل طه حسين مسلكا محبا للتاريخ وللصحافة فكانت سيرته – مؤلفنا – مليئة بحب الصحافة والعمل بها فيقول عن ذلك أنه :" عمل محررًا للصفحة الأدبية بجريدة (البحر الأحمر) التي تصدر في مدينة الغردقة، لمدة ثلاثة أعوام، نشر بها سلسلة مقالات: "من أعلام الأدب في إقليم البحر الأحمر"، وأجلى في هذه المقالات الرؤية - لأول في تاريخ البحر الأحمر - عن النهضة الأدبية التي ظهرت به منذ منتصف الستينيات وحتى الآن، وتحدث عن الأعلام التي صنعت هذه النهضة من أمثال: جلال الأبنودي، ومحمد كمال هاشم، ورمضان الخطيب، ومحمد أبو الفتوح، وجمال بدوي، وأحمد عمر... . كما عمل محررًا بجريدة (البحر الأحمر) التي تصدر عن مؤسسة "أخبار اليوم"،برئاسة تحرير الأستاذ سليمان قناوي خلال عام 2010، وقد حرر بها سلسلة مقالات: "حكايات أهلنا في إقليم البحر الأحمر"، تناول فيها التاريخ الاجتماعي والبيئي لهذا الإقليم. والالتقاء بأعلام كانوا شهوداً عيان علي هذا التاريخ في الماضي والحاضر، وقد جمع هذه المقالات في كتاب صدر عن هيئة قصور الثقافة بمصر بعنوان "أهلنا في محافظة البحر الأحمر-حكايات وأسرار" صدر عام 2019. وكذلك عمل مشرفًا للقسم الثقافي والأدبي بجريدة "صوت الأزهر" التي تصدر عن مشيخة الأزهر الشريف وذلك في الفترة من (2011- 2013).
واستمر المؤلف في مسيرته المباركة فكتب المقالات والتحقيقات الأدبية والتاريخية ومقالات الرأي، وعمل الحوارات مع أعلام الفكر والأدب بالعديد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية مثل: - في مصر: صحف "الأهرام"، و"القاهرة"، و"الأخبار"، و"الجمهورية"، و"الرأي للشعب"، و"المساء"، و"أخبار الأدب"، و"المشهد"،و"الزمان"، و"صوت الأزهر"، و"المصريون"، و"الحياة المصرية"، و"منبر التحرير"... ومجلات "الهلال"، و"الأزهر"، و"أدب ونقد"، و"الثقافة الجديدة"، وغيرها.... - في الدول العربية: مجلة "العربي" الكويتية، ومجلة "الوعي الإسلامي" وجريدة "القبس" الكويتية، و"المجلة العربية"، و"الجزيرة" السعودية، والمجلة الثقافية الجزائرية، وجريدة "الجديد"الجزائرية، وجريدة "كواليس" الجزائرية، وجريدة "دنيا الوطن" الفلسطينية، وجريدة "الدستور" و"الزوراء" العراقية، ومجلة "روى" العراقية، وجريدة "عالم الثقافة" في سلطنة عمان، وجريدة "المثقف" في سيدني بأستراليا.. وغيرها.
وحول موضوع كتابنا الحالي وهو استكمال لحواراته الصحفية الممتدة فقد أجري عشرات الحوارات مع أعلام الفكر والأدب في مصر والعالم العربي من أمثال: الدكتور الطاهر أحمد مكي، والدكتور حسين نصار، والدكتور محمد زكريا عناني، والدكتور مصطفي الرفاعي، ود. عوض الغباري، ود. يوسف نوفل، ود. محمد السيد الجليند، ود. أيمن فؤاد سيد، وأحمد العلاونة صاحب ذيل الأعلام للزركلي، ومحمد خير رمضان يوسف، ود. عبد القادر بوباية من الجزائر، ود. حسام الدين شاشية من تونس، ود. ابتسام مرهون الصفار من العراق، ود. عامر أبو جبلة ود. رشأ الخطيب من الأردن، ود. عمار النهار من سوريا ود. إبراهيم القادري بوتشيش من المغرب، ود. لخضر بو لطيف من الجزائر، ود. جمال الكلدي من اليمن، وغيرهم كثير .. وقد جمعت هذه الحوارات في مجلدين صدر الأول بعنوان "أسئلة العصر الثقافية -حوارات وذكريات- الجزء الأول" عام 2021، وصدر الجزء الثاني في صيف 2023 . وقد كان من نصيبي وحظي الطيب ان أجرى الأستاذ المؤلف معي حوارا حول واقع وأزمات علم النفس في بلادنا ومآسي البحث العلمي وكيفية سرقة الاطروحات الجامعية بل والتحذير من المكاتب التي تقوم بعملها إلى جانب بحوث الترقية أيضا أمام مرآى ومسمع الجميع ولا أحد يحرك ساكنا في هذا البلد المظلوم معنا. والظالم لنا ايضا .
كما قام باستعراض العشرات من الكتب الأدبية والتاريخية ، والرسائل الجامعية.. وتتكلل مسيرته العطرة بما اعتبره نجاحا كبيرا كما كان استاذه الذي اظن – وليس كل الظن إثم - طه حسين فيكتب مقالاً شهرياً في مجلة الهلال المصرية أعرق المجلات الثقافية في المنطقة العربية وليس في مصر وحدها ، ومجلة "أدب ونقد"، ومجلة "الثقافة الجديدة".
ثم يتجاوز مؤلفنا عالم الأوراق والمجلات فنراه وقد حضر العديد من المؤتمرات الأدبية والتاريخية مثل: سينمار التاريخ بكلية التربية جامعة عين شمس، ومركز بحوث الشرق الوسط بجامعة عين شمس،ومؤتمر أدباء مصر، ومؤتمر الحضارة الإسلامية في الأندلس في مكتبة الإسكندرية، ومؤتمر وسط الصعيد الثقافي في دورات عدة، ومؤتمر الجمعية التاريخية، وقام بتغطية هذه الفعاليات أيضا بالاضافة لكتابة عروض دائمة وشروحات للاطروحات الجامعية المميزة في في التاريخ بكافة عصوره وقضاياه..
وفي هذا الكتاب الذي حمل عنوان " في دوحة الأدب والتاريخ والفن (حوارات وذكريات وقضايا) ليقول عنه :" منذ بدات رحلتي مع عالم الكتابة والعمل في بلاط صاحبة الجلالة ومارست أنواع التحرير الصحفي ومنها إجراء الحوارات الصحفية مع المفكرين والأدباء والمؤرخين وأساتذة الأدب والنقد ومع الفنانين والموسيقيين.. وكان لي منهج مميز في هذه الحوارات وأهمها اختيار الضيف الذي أجري معه الحوار ليحدثني عن محطات في حياته مع مناقشة الموضوعات التي تخص تخصصه الدقيق. وكما هو واضح من العنوان إنها دوحة غناء مليئة بكافة فروع المجالات من التاريخ للأدب للفن للعلم للصحافة لحديث الأبناء عن الآباء وفيه اثنين جمعت بيني وبينهما صداقة وهم الأديبة الراحلة منار فتح الباب وحديثها عن أبيها رائد الشعر الحر في مصر د. حسن فتح الباب ، والأديبة ريم خيري شلبي وحديثها عن الأديب الذي كان يستحق أن نرشحه لنيل جائزة نوبل خيري شلبي . ولم ينس المؤلف أن يطوف بنا في دوحته لنرى عددا من الأدباء العرب شرقا وغربا .
ولا يجب ان يفوتني أن أعدد للقارئ الكريم مؤلفات الأستاذ أبو الحسن الجمال ولكن من حقه – القارئ – أن يعرف شيئا يسيرا عن علاقتنا التي بدأت على صفحات جريدة النداء المصرية التي أسستها عام 2010 والتي فتحت أبوابها لمقالاته أعقاب يناير 2011 وقبلها كانقد عرفنا بعضنا على صفحات جريدة الزمان والصفحة الثقافية برئاسة الأديب والصحفي الكبير أسامة الألفي وقد تعاونت معه قبل هذا في كتاب من تحريره عن أديب نوبل أمير الرواية نجيب مخفوظ من الجمالية إلى نوبل وتمتد العلاقة ونلتقي بمعرض القاهرةالدولي للكتاب في مقره الجديد بالتجمع الخامس في أول دوراته بها عام 2019 .
والأستاذ المؤلف أبو الجسن الجمال من الذين شقوا طريقا جديدا في الكتابة امتاز باللغة الراقية الرقيقة عالية التكثيف والرمزية والمليئة بأسئلة الوجود الكبرى كالحرية والحق والخير والجمال والحب فهو صاحب تاريخ إبداعي طويل صنعه على عينه كما يظهر لكل من يتلقى هذا التاريخ بالفحص والدراسة والمتابعة وإني لأراه - سلسلة الحوارات - وثيقة مهمة عن الباحثين والأدباء والمفكرين تصلح لتكون مادة بحثية لاطروحات جامعية وبحوث تحليلية أتمنى أن يلهم الله جهات النشر في مصر لنشر هذا المشروع الثقافي التوثيقي المهم .
ويدلنا على قيمة مشروعه الفكري و الثقافي أيضا قائمة مؤلفاته ومنها :
1- "مآذن من بشر .. أعلام معاصرون"، بالاشتراك مع أ.د. خالد فهمي، دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2016.
2- "أعلام مصريون معاصرون "الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 2018 .
3- "عبقري النغم - بليغ حمدي " قطاع الثقافة – مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة- 2018.
4- "أهلنا في محافظة البحر الأحمر- تاريخ وأسرار"،(الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، سلسلة "حكاية مصر"). سنة 2019
5- "سلطان والكروان – أسرار وحكايات"قطاع الثقافة –مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة- 2019...
6- "أسئلة العصر الثقافية – حوارات وذكريات" الجزء الأول دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2021.
7- "دور المثقفين في ثورة 1919- زكي مبارك نموذجاً".القاهرة،مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، 2020.
8- "صلاح عدس والمسرح الإسلامي" بالاشتراك، القاهرة، مكتبة جزيرة الورد، 2018.
9- "نجوم مصرية في سماء الفكر والأدب والفن".القاهرة،دار المعارف 2022.
10- "من تراث طاهر الطناحي"،ج1، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة2022.
11- "أسئلة العصر الثقافية – حوارات وذكريات" ج2دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2022.
** كما له العديد من الكتب، وهي قيد النشر:
- "محمد حمزة .. سواح في دنيا الصحافة والفن"
- "اللواء جمال حماد ..على خطى الأحرار"
- "محمد رضوان .. سندباد الرومانسية"
- "من مؤرخي العسكرية المصرية".
- "محمد الشافعي ..عدالة المؤرخ وإبداع الأديب"
- "الفريق يوسف عفيفي .. أمجاد في العسكرية والتنمية"
- "جلال الأبنودي .. شيخ أدباء البحر الأحمر".
- "محافظة البحر الأحمر.. عبقرية الزمان والمكان".
- "محمد عياد الطنطاوي .. حياته وعصره وآثاره".
- "محمد رجب البيومي .. أديبا ومؤرخاً".
- "حسين مؤنس .. مؤرخ الأدب وأديب المؤرخين".
- ديوان طاهر الطناحي .. جمع وتقديم ..
وختاما تباركت الكلمات التي تصدر عنك في كل محفل علمي أو ثقافي أو أدبي، وتبارك ذلك الفكر المستنير والجهد الذي لا يقف مهما كانت الظروف والعقبات وهو الذي يخرج لنا كل هذه اللألئ وهو رهين وظيفته الأساسية بالتربية والتعليم تلك الوظيفة التي نعرف كم تأكل الوقت والصحة في مصرنا دون جدوى حقيقية نجنيها منها فلا مكانة اجتماعية نرتقيها ولا عائدا ماديا يقيم الأود ويحقق الأمان في الشيخوخة وأمراضها وتبعاتها المزمنة ..
بوركت سيدي الزميل العزيز الموقر أبو الحسن الجمال ودوما نلتقي وقرائك في ربوع الوطن العربي في دوحتك الغناء التي لا تذبل أغصانها أو تغيض أنهارها أو تقل ثمارها ، وأراني مضطرا للصمت وعلى أكف الصمت تحملني الأشواق لمزيد من الإنتظار لكل ماهو جديد وسيظل في باحة القلب متسع للمعنى الذي لا يخبو أبدا
وتحية من الصبح إلى الصبح وإلى سفرك الغالي أترك القارئ الكريم .
خالد محمد عبدالغني
دكتور في علم النفس الإكلينيكي
بلقس قليوب قليوبية
29 يونيه 2024
يذكرني في حديثه عن سيرته بكثير من سيرتي الثقافية والفكرية بيد أني فشلت في الالتحاق ضابطا احتياطيا بالجيش المصري وكم كنت أحب ذلك ، ولكن كشف الهيئة اختار طوال القامة الذين لم أكن منهم ورضيت بحظي من الالتحاق مجندا بسلاح إشارة الدفاعي الجوي لأشهدأكبر محاولة ارهابية فاشلة لاغتيال قاائد المحكمة العسكرية في عام 1993 اللواء عثمان شاهين الذي لجأ إلى ورشة الاشارة الفرعيةرقم 4 بعين الصيرة بالمنطقة المركزية العسكرية ، ولقد تركت العسكرية المصرية في كاتبنا الكبير ومؤرخنا الطلعة البحاثة الأستاذ الجمال كثيرا من الصفات القيمة إذا يقول :" التحقت بالقوات المسلحة المصرية ضابطاً احتياطياً لمدة 5 سنوات، بسلاح المشاة، تعلمت خلال هذه المدة، الحزم والضبط والربط والقيادة الرشيدة والإدارة، كما طالعت تاريخنا العسكري في كل العصور، وساعدتني هذه الفترة في كتابه "من أعلام العسكرية المصرية".
وفي ملامح سيرته أيضا دراسته في كلية الآداب/ جامعة المنيا/ قسم اللغة الإنجليزية في العام الدراسي /1997 1998م. وكلية الآداب من الكليات العريقة أتذكر أن اد. رجاء عيد عميد أداب بنها أثناء دراستي بها (1988-1992) كان عميدا أيضا لآداب إلمنيا ولا نذهب بعيدا حين أقرر بأن عميد الأدب العربي د. طه حسين مواليد قرية الكليو بإلمنيا وهو الرجل صاحب التأثير القوي في حياتي وربما مسلكه التاريخي إذ كان طه حسين استاذا للتاريخ اليوناني واللاتيني بآداب القاهرة قبل تدريسه لمادة تاريخ الأدب الجاهلي بدلا من د.أحمد ضيف الذي نقل لدار العلوم في واقعة لا يعرف اسبابها للآن. والكتاب الذي ألفه حينها "في الشعر الجاهلي " وكان قد نشر لأول مرة عام 1926 ، وقامت الثورة على الكتاب حينها ليس لما قاله طه حسين عن الشعر الجاهلي فالحق أنه لم يكن أول من قال بانتحاله في عصور لاحقة ، ولكن قال بذلك عدد من الكتاب العرب الأوائل ، وعدد ضخم من المستشرقين قبل طه حسين على الأقل بستين عاما ، كما سترى في الصفحات التالية ، ولكن الحق أن الثورة لم تكن من أجل الشعر الجاهلي ولكن كانت من أجل أربعة مواضع في الكتاب جاءت في قرار النيابة حين تقدمت الشكوى للنيابة وتتعلق بإنكار وجود أبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل ، والتقليل من قيمة نسب النبي الأعظم محمد (صلعم) وإنكار القراءات السبع وأولية الإسلام في بلاد العرب باعتباره دين إبراهيم (ع)، وكان قرار النيابة حكيما ومتعاطفا مع طه حسين ، ولقد أعاد طه حسين طبع الكتاب في العام التالي 1927 بعد أن حذف الموضع الأول الخاص بإبراهيم وإسماعيل ، وأبقى على المواضع الثلاثة الأخرى، والكتاب أعيدت طباعته تحت عنوان "في الأدب الجاهلي" طوال السنوات الماضية طبعات عديدة . أقول لعل شخصية الدكتور طه حسين بلديات مؤلفنا كانت من ضمن الشخصيات المؤثرة في حياته هذا جانب أولي مهم جدا وهناك جانب آخر إذ تتبعت على مدار أكثر من عشر سنوات مجموعة من المعارك الصحفية والثقافية والفكرية خاضها الأستاذ المؤلف أبوالحسن الجمال على صفحات التواصل الاجتماعي والصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية ألخ والعجيب أنه خرج منها -جميعها- منتصرا وفي كل مرة أتابع معركة منها يطل على ذهني طه حسين في معاركة الكثيرة المعروفة وللاثنين معا طريقة في إدارة المعارك الفكرية تقوم على التلميح أولا ثم جمع المعلومات المتاحة والتصريح لاحقا والهجوم المتدرج على أصحاب المعركة وإذا كان طه حسين ادار معاركه وفق خطط سياسية وهو الذي تدرج في مناصب سياسية كعضوية مجلس النواب ووزراة التربية والتعليم وعضوية الأحزاب الخ ، فإن أبو الحسن الجمال أدار معاركه الفكرية وفق ما تعلمه وتدرب عليه في حياته العسكرية ممارسة ودراسة وعملا صحفيا وثقافيا لاحقا ، ولهذا أراني غير مسرف في الحديث عن طه حسين بالرغم من عدم معرفتي بموقف المؤلف الجمال منه وهل هو من مؤييديه أو منتقديه بعد الحملة التي شنها أنور الجندي وغيره على طه حسين . وأعود فأقول أن الجمال سلك مثل طه حسين مسلكا محبا للتاريخ وللصحافة فكانت سيرته – مؤلفنا – مليئة بحب الصحافة والعمل بها فيقول عن ذلك أنه :" عمل محررًا للصفحة الأدبية بجريدة (البحر الأحمر) التي تصدر في مدينة الغردقة، لمدة ثلاثة أعوام، نشر بها سلسلة مقالات: "من أعلام الأدب في إقليم البحر الأحمر"، وأجلى في هذه المقالات الرؤية - لأول في تاريخ البحر الأحمر - عن النهضة الأدبية التي ظهرت به منذ منتصف الستينيات وحتى الآن، وتحدث عن الأعلام التي صنعت هذه النهضة من أمثال: جلال الأبنودي، ومحمد كمال هاشم، ورمضان الخطيب، ومحمد أبو الفتوح، وجمال بدوي، وأحمد عمر... . كما عمل محررًا بجريدة (البحر الأحمر) التي تصدر عن مؤسسة "أخبار اليوم"،برئاسة تحرير الأستاذ سليمان قناوي خلال عام 2010، وقد حرر بها سلسلة مقالات: "حكايات أهلنا في إقليم البحر الأحمر"، تناول فيها التاريخ الاجتماعي والبيئي لهذا الإقليم. والالتقاء بأعلام كانوا شهوداً عيان علي هذا التاريخ في الماضي والحاضر، وقد جمع هذه المقالات في كتاب صدر عن هيئة قصور الثقافة بمصر بعنوان "أهلنا في محافظة البحر الأحمر-حكايات وأسرار" صدر عام 2019. وكذلك عمل مشرفًا للقسم الثقافي والأدبي بجريدة "صوت الأزهر" التي تصدر عن مشيخة الأزهر الشريف وذلك في الفترة من (2011- 2013).
واستمر المؤلف في مسيرته المباركة فكتب المقالات والتحقيقات الأدبية والتاريخية ومقالات الرأي، وعمل الحوارات مع أعلام الفكر والأدب بالعديد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية مثل: - في مصر: صحف "الأهرام"، و"القاهرة"، و"الأخبار"، و"الجمهورية"، و"الرأي للشعب"، و"المساء"، و"أخبار الأدب"، و"المشهد"،و"الزمان"، و"صوت الأزهر"، و"المصريون"، و"الحياة المصرية"، و"منبر التحرير"... ومجلات "الهلال"، و"الأزهر"، و"أدب ونقد"، و"الثقافة الجديدة"، وغيرها.... - في الدول العربية: مجلة "العربي" الكويتية، ومجلة "الوعي الإسلامي" وجريدة "القبس" الكويتية، و"المجلة العربية"، و"الجزيرة" السعودية، والمجلة الثقافية الجزائرية، وجريدة "الجديد"الجزائرية، وجريدة "كواليس" الجزائرية، وجريدة "دنيا الوطن" الفلسطينية، وجريدة "الدستور" و"الزوراء" العراقية، ومجلة "روى" العراقية، وجريدة "عالم الثقافة" في سلطنة عمان، وجريدة "المثقف" في سيدني بأستراليا.. وغيرها.
وحول موضوع كتابنا الحالي وهو استكمال لحواراته الصحفية الممتدة فقد أجري عشرات الحوارات مع أعلام الفكر والأدب في مصر والعالم العربي من أمثال: الدكتور الطاهر أحمد مكي، والدكتور حسين نصار، والدكتور محمد زكريا عناني، والدكتور مصطفي الرفاعي، ود. عوض الغباري، ود. يوسف نوفل، ود. محمد السيد الجليند، ود. أيمن فؤاد سيد، وأحمد العلاونة صاحب ذيل الأعلام للزركلي، ومحمد خير رمضان يوسف، ود. عبد القادر بوباية من الجزائر، ود. حسام الدين شاشية من تونس، ود. ابتسام مرهون الصفار من العراق، ود. عامر أبو جبلة ود. رشأ الخطيب من الأردن، ود. عمار النهار من سوريا ود. إبراهيم القادري بوتشيش من المغرب، ود. لخضر بو لطيف من الجزائر، ود. جمال الكلدي من اليمن، وغيرهم كثير .. وقد جمعت هذه الحوارات في مجلدين صدر الأول بعنوان "أسئلة العصر الثقافية -حوارات وذكريات- الجزء الأول" عام 2021، وصدر الجزء الثاني في صيف 2023 . وقد كان من نصيبي وحظي الطيب ان أجرى الأستاذ المؤلف معي حوارا حول واقع وأزمات علم النفس في بلادنا ومآسي البحث العلمي وكيفية سرقة الاطروحات الجامعية بل والتحذير من المكاتب التي تقوم بعملها إلى جانب بحوث الترقية أيضا أمام مرآى ومسمع الجميع ولا أحد يحرك ساكنا في هذا البلد المظلوم معنا. والظالم لنا ايضا .
كما قام باستعراض العشرات من الكتب الأدبية والتاريخية ، والرسائل الجامعية.. وتتكلل مسيرته العطرة بما اعتبره نجاحا كبيرا كما كان استاذه الذي اظن – وليس كل الظن إثم - طه حسين فيكتب مقالاً شهرياً في مجلة الهلال المصرية أعرق المجلات الثقافية في المنطقة العربية وليس في مصر وحدها ، ومجلة "أدب ونقد"، ومجلة "الثقافة الجديدة".
ثم يتجاوز مؤلفنا عالم الأوراق والمجلات فنراه وقد حضر العديد من المؤتمرات الأدبية والتاريخية مثل: سينمار التاريخ بكلية التربية جامعة عين شمس، ومركز بحوث الشرق الوسط بجامعة عين شمس،ومؤتمر أدباء مصر، ومؤتمر الحضارة الإسلامية في الأندلس في مكتبة الإسكندرية، ومؤتمر وسط الصعيد الثقافي في دورات عدة، ومؤتمر الجمعية التاريخية، وقام بتغطية هذه الفعاليات أيضا بالاضافة لكتابة عروض دائمة وشروحات للاطروحات الجامعية المميزة في في التاريخ بكافة عصوره وقضاياه..
وفي هذا الكتاب الذي حمل عنوان " في دوحة الأدب والتاريخ والفن (حوارات وذكريات وقضايا) ليقول عنه :" منذ بدات رحلتي مع عالم الكتابة والعمل في بلاط صاحبة الجلالة ومارست أنواع التحرير الصحفي ومنها إجراء الحوارات الصحفية مع المفكرين والأدباء والمؤرخين وأساتذة الأدب والنقد ومع الفنانين والموسيقيين.. وكان لي منهج مميز في هذه الحوارات وأهمها اختيار الضيف الذي أجري معه الحوار ليحدثني عن محطات في حياته مع مناقشة الموضوعات التي تخص تخصصه الدقيق. وكما هو واضح من العنوان إنها دوحة غناء مليئة بكافة فروع المجالات من التاريخ للأدب للفن للعلم للصحافة لحديث الأبناء عن الآباء وفيه اثنين جمعت بيني وبينهما صداقة وهم الأديبة الراحلة منار فتح الباب وحديثها عن أبيها رائد الشعر الحر في مصر د. حسن فتح الباب ، والأديبة ريم خيري شلبي وحديثها عن الأديب الذي كان يستحق أن نرشحه لنيل جائزة نوبل خيري شلبي . ولم ينس المؤلف أن يطوف بنا في دوحته لنرى عددا من الأدباء العرب شرقا وغربا .
ولا يجب ان يفوتني أن أعدد للقارئ الكريم مؤلفات الأستاذ أبو الحسن الجمال ولكن من حقه – القارئ – أن يعرف شيئا يسيرا عن علاقتنا التي بدأت على صفحات جريدة النداء المصرية التي أسستها عام 2010 والتي فتحت أبوابها لمقالاته أعقاب يناير 2011 وقبلها كانقد عرفنا بعضنا على صفحات جريدة الزمان والصفحة الثقافية برئاسة الأديب والصحفي الكبير أسامة الألفي وقد تعاونت معه قبل هذا في كتاب من تحريره عن أديب نوبل أمير الرواية نجيب مخفوظ من الجمالية إلى نوبل وتمتد العلاقة ونلتقي بمعرض القاهرةالدولي للكتاب في مقره الجديد بالتجمع الخامس في أول دوراته بها عام 2019 .
والأستاذ المؤلف أبو الجسن الجمال من الذين شقوا طريقا جديدا في الكتابة امتاز باللغة الراقية الرقيقة عالية التكثيف والرمزية والمليئة بأسئلة الوجود الكبرى كالحرية والحق والخير والجمال والحب فهو صاحب تاريخ إبداعي طويل صنعه على عينه كما يظهر لكل من يتلقى هذا التاريخ بالفحص والدراسة والمتابعة وإني لأراه - سلسلة الحوارات - وثيقة مهمة عن الباحثين والأدباء والمفكرين تصلح لتكون مادة بحثية لاطروحات جامعية وبحوث تحليلية أتمنى أن يلهم الله جهات النشر في مصر لنشر هذا المشروع الثقافي التوثيقي المهم .
ويدلنا على قيمة مشروعه الفكري و الثقافي أيضا قائمة مؤلفاته ومنها :
1- "مآذن من بشر .. أعلام معاصرون"، بالاشتراك مع أ.د. خالد فهمي، دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2016.
2- "أعلام مصريون معاصرون "الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 2018 .
3- "عبقري النغم - بليغ حمدي " قطاع الثقافة – مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة- 2018.
4- "أهلنا في محافظة البحر الأحمر- تاريخ وأسرار"،(الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، سلسلة "حكاية مصر"). سنة 2019
5- "سلطان والكروان – أسرار وحكايات"قطاع الثقافة –مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة- 2019...
6- "أسئلة العصر الثقافية – حوارات وذكريات" الجزء الأول دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2021.
7- "دور المثقفين في ثورة 1919- زكي مبارك نموذجاً".القاهرة،مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، 2020.
8- "صلاح عدس والمسرح الإسلامي" بالاشتراك، القاهرة، مكتبة جزيرة الورد، 2018.
9- "نجوم مصرية في سماء الفكر والأدب والفن".القاهرة،دار المعارف 2022.
10- "من تراث طاهر الطناحي"،ج1، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة2022.
11- "أسئلة العصر الثقافية – حوارات وذكريات" ج2دار البشير للثقافة والنشر، القاهرة. 2022.
** كما له العديد من الكتب، وهي قيد النشر:
- "محمد حمزة .. سواح في دنيا الصحافة والفن"
- "اللواء جمال حماد ..على خطى الأحرار"
- "محمد رضوان .. سندباد الرومانسية"
- "من مؤرخي العسكرية المصرية".
- "محمد الشافعي ..عدالة المؤرخ وإبداع الأديب"
- "الفريق يوسف عفيفي .. أمجاد في العسكرية والتنمية"
- "جلال الأبنودي .. شيخ أدباء البحر الأحمر".
- "محافظة البحر الأحمر.. عبقرية الزمان والمكان".
- "محمد عياد الطنطاوي .. حياته وعصره وآثاره".
- "محمد رجب البيومي .. أديبا ومؤرخاً".
- "حسين مؤنس .. مؤرخ الأدب وأديب المؤرخين".
- ديوان طاهر الطناحي .. جمع وتقديم ..
وختاما تباركت الكلمات التي تصدر عنك في كل محفل علمي أو ثقافي أو أدبي، وتبارك ذلك الفكر المستنير والجهد الذي لا يقف مهما كانت الظروف والعقبات وهو الذي يخرج لنا كل هذه اللألئ وهو رهين وظيفته الأساسية بالتربية والتعليم تلك الوظيفة التي نعرف كم تأكل الوقت والصحة في مصرنا دون جدوى حقيقية نجنيها منها فلا مكانة اجتماعية نرتقيها ولا عائدا ماديا يقيم الأود ويحقق الأمان في الشيخوخة وأمراضها وتبعاتها المزمنة ..
بوركت سيدي الزميل العزيز الموقر أبو الحسن الجمال ودوما نلتقي وقرائك في ربوع الوطن العربي في دوحتك الغناء التي لا تذبل أغصانها أو تغيض أنهارها أو تقل ثمارها ، وأراني مضطرا للصمت وعلى أكف الصمت تحملني الأشواق لمزيد من الإنتظار لكل ماهو جديد وسيظل في باحة القلب متسع للمعنى الذي لا يخبو أبدا
وتحية من الصبح إلى الصبح وإلى سفرك الغالي أترك القارئ الكريم .
خالد محمد عبدالغني
دكتور في علم النفس الإكلينيكي
بلقس قليوب قليوبية
29 يونيه 2024