عصري فياض - الشهيد أحمـــد يلتحق بشقيقه المؤسس جميل العموري

جنين / فلسطين:- علق أحد الكتاب الأدباء على صورة لمؤسس "كتيبة جنين" الشهيد جميل العموري ذات مرة قائلا :-
"هي السنبلة التي ملأت الارض سنابل"، فكانت هذه العبارة تسكن اسفل صورته في معظم منصات التواصل الاجتماعي،تخرج علينا في ذكراه، وفي مناسبات اخرى، خاصة عندما يرتقي عضو من اعضاء "كتيبة جنين"، او الكتائب الاخرى التي ولدت في غير منطقة من مناطق الضفة الفلسطينية من انفاس، وببركة ذلك القائد الشهيد صاحب الشأن العظيم.
إحدى هذه السنابل التي نبتت مؤخرا هي شقيقه الاصغر وتوأم روحه أحمد، والذي كان يحبه بجنون، والذي ارتقى في الخامس من الشهر الجاري اثر قصف من الطيران المسير في مخيّم جنين، واليكم قصة هذان الشقيقان التوأمان الروحيان كما تروها امهم الصابرة المحتسبة والتي يصدمك ثباتها وصبرها وتحملها وقبولها بقدر الله وقدره وفخارها بشهادتهم رغم ان رحيلهما لم يبقى لها إلا شقيق ثالث وحيد "عماد".
الجميل

1721558388637.png

لعل الاسم لم يكن بمحض الصدفة، فهذا الجميل الانيق الوسيم، امتشق السلاح في العام 2018 الذي ابتاعه من كد يديه هو وزميله الاسير وسام ابو زيد، ليكونا اول من جعل من لحمه ودمه حماً لهذا المخيّم، مخيّم جنين، مدفوعين بالغيرة والحميّة والأنفة على ما يحصل لشعبهما من ممارسات تعسفية اسرائيلية من قتل واقتحامات وتشريد ومصادرة واقتلاع وانتهاك للمقدسات، وعندما بدأا في ممارسة المقاومة ملتحفين بجدران الازقة وشوراع وحواري المخيّم، تهافت عليهما ثلة من التواقين لتعليق "الجرس"، فكان الجميل الشرارة الاولى، مدشن ومجدد مرحلة المقاومة المسلحة في جنين ومخيّمها وريفها، والذي قلب الحال،واغضب الاحتلال،وأصبحت قواته الغاشمة لا تدخل المخيّم إلا تحت النار، ولا تخرج منه إلا بمثل ذلك،حتى كان مساء العاشر من حزيران من العام 2021، حيث داهمت وحدات الموت الاسرائيلية الخاصة سيارة الجميل في شارع جنين الناصرة، واطلقت عليه وعلى رفيقه وسام ابو زيد النار، فإرتقى وارتقى معه جنديان من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، بينما اصيب وسام بجراح واعتقل، ولا يزال لغاية الان قيد الاعتقال الاداري التعسفي.
أحمد
تقول والدة جميل :رزقني الله ثلاثة اولاد،جميل الاكبر،وعماد الاوسط،واحمد الاصغر،وقد كانت هناك علاقة روحية قوية بين جميل واحمد بالذات،فتشعر انهما توأمان روحيان،وعندما ارتقى جميل،صدم احمد صدمة قوية،وتولد في نفسه الغضب والحزن،وتغيرت كل احلامه وما كان يتمناه،رغم اني ووالدهم لا ننقص عليهم أي شيء،كل ما يردانه نحققه لهم،اصبح احمد يتحدث بغزارة عن جميل وعن الشهادة خاصة وان الاحتلال اعتقل جثمان جميل وما زال لغاية الان،احمد كان يرى الحزن في وجهي وفي وجه ابيه،وكان يرى ويلمس ما يقوله اهل المخيّم وشبابه وشباب المحافظة والوطن عن جميل،فبدأ يتتبع خطاه ويسير على درب أخيه،إلا أن اعتقل قبل نحو اربعة عشر شهرا على حاجز "الحمرا" في الاغوار،عندما كان برفقة اصدقاءه في رحلة خاصة،وتعرض للتحقيق،وحكم بالسجن لمدة عام،وأفرج عنه في الخامس من ايار الماضي.
لقاءه بعمه الاسير شادي
تتابع الام التي هدها الكمد على ابنيها قائلة،لجميل واحمد عم معتقل منذ العام 2002 اسمه شادي،ومحكوم بالسجن المؤبد،احمد لم يراه الا بالصور،حيث ولد احمد بعد اعتقال شادي،وعندما اعتقل احمد،اتيح له ان يرى عمه في احد زنازين سجن مجدو،هناك ولمدة ساعة راح منها وقت طويل من العناق والدموع،وبعد انتهاء الوقت،تم نزع احمد من بين يدي شادي كنوع من العقاب والتنكيل،لقد انتهت زيارة ينتظرها احمد منذ عشرين عاما،تقول الام انها شعرت بأن هذه الحادثة اثرت في نفس احمد كثيرا.وعندما خرج من السجن بعد انتهاء المدة كان يحدث كثيرا عن قسوة الاسر،وعن شعوره الذي لا يوصف عندما عانق عمه لأول مرة.
الشهادة
بعد شهرين بالتمام والكمال من الافراج عن احمد،كان ذلك يوم جمعة صادف الخامس من تموز،وحدات خاصة اسرائيلية تدخل منطقة "حرش السعادة" القريبة من المخيّم من الجهة الشمالية الغربية،وتحاصر منزل الشهيدين همام وحارث حشاش،فأطلقت صفارات الانذار،فهب أحمد الذي استيقظ مبكرا،وبعد أن تلقى افطاره أخذ يتبادل أطراف الحديث مع والدته،فقفز من مكانه،وخرج مسرعا الى الحيّ ليستطلع الامر،ونادى صديقه من بيت قريب من منزلهم وذهبا الى مدخل المخيَّم،حيث كان الشبان قد بدؤوا في اطلاق النار على القوات المتوغلة من امام المخيّم،وبالتحديد من امام مدرسة وكالة الغوث وقريب منها في شارع السكة،والاحتلال كعادته يستظل بالطائرات المسيَّرة التي تكون أحيانا بعيدة في السماء،ولا يسمع لها صوتا ولا ترى بوضوح،وبعد اقل من ساعة من بدأ الاجتياح،أطلقت تلك الطائرات صاروخا اصاب مجموعة من الشبان كان من بينهم احمد الذي كان يحمل مسدسا ويقف مع صديقه الذي يحمل رشاشا مع بعض المقاومين،فارتقى احمد الذي اصابة الصاروخ اصابة مباشرة ومعه ثلاثة آخرين.
الصبر والافتخار
تنهي "ام جميل" كلامها دون ان تذرف دمعة واحدة،وهي تقول بالرغم من فقداني احمد الصغير المدلل والذي تعلقت به روحي كثيرا،ومن قبله بكري جميل،إلا اني أتجمل بالصبر والاحتساب والثبات على فقد ابنائي،واشعر بالفخر والعز والشموخ،وأنا راضية بقدر الله وقدره،وأي قدر؟؟ قدر الشهادة الذي هو اصطفاء وإختيار رباني ومكرمة ومكانة لا يدانيها شيء،وأسال الله ان يجمعني بهم في جنات النعيم،لكن يؤلمني حال والدهم الغير قادر على النطق وهو يذهب يوميا الى ضريح ابننا احمد ويذرف الدموع بغزارة هناك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى