مقتطف معاوية محمد الحسن - مجتزأ عن سردية (سراب ود الاحمر)

- 1-
( معسكر اللاجئين ذو العين المغقوءة!)

قال عاشق شديد الوله للاجئة كثيفة الحزن :
-كم احب معسكرات اللجوء لاجل عينيك.!
ومضي عام بعد اخر فاشتعلت الحرب في كل مكان وكانت حدقتا الفتاة تتسعان كلما اتسع معسكر اللاجئين وكلما اذداد الشقاء والألم وهكذا صارت عيناها اكثر جمالا وروعة، بينما صار العاشق الولهان لاجئا في معسكر آخر !.

- (2)-
الرجل الجنجويدي ذو الساق الواحدة..

في ذاك النهار لم يكن الرجل الجنجويدي ذو الساق الواحدة مطمئنا الي شئ. كانت عيناه فقط تجولان في المكان وكأنهما تستقصيان أثرا قديما لتضاريس للبلاد الميتة.
كانه نسر مات عند سفح الجبل لكنه لم يمت دفعة واحدة. بل ماتت اشياء كثيرة قبل موته الحالي. ماتت رائحة جدايل شعر زوجته و ماتت الامنيات وطعم القهوة وهدوء الليل في البوادي البعيدة وأصوات المغنيين وبقي فقط صوت هدير المجنزرات وزئير التاتشرات عالقا بذاكرته.. كل شئ مات هكذا مرة واحدة الا هو المسكين فقد ظل يموت بالتجزئة .. يا للبشاعة. في بلادنا يموت الناس جملة وبالقطاعي! .)
في ذات وطيس ََودواس دام تناثرت الجثث والاشلاء. كان ملك الموت يضغط علي دواسة الموت فتستعر حمي الدواس وفي خضم المعركة طارت ساق الجنجويدي اليمني. انفصلت عن جسده الناحل وحلقت كانها قذيفة تنطلق من فوهة مدفع. عبرت الي الفضاء في خط مستقيم صاعد ثم انحرفت بمقدار ستين درجة الي اقصي الشمال ََواجتازت في طريقها صوب المجهول بنايات وشوارع كثيرة كانت تضج بالحياة. ادركت الساق مدي اتساع جرح المدينة وعلو كعبها في الضياع وهي تنظر اليها من عل. رات الساق ما لم تكن تراه حين كانت ملتصقة بالأرض.. رات جحيما يستعر وسما حمراء و فجائع لم ينزل الله بها من سلطان ََََََََوهكذا حتي عثر عليها اخيرا بعض الجنود ملقاة في بالوعة صرف صحي قرب المستشفي الكبير.
قال الجنجويدي لسلمي الابريلية:

- عشت طوال حياتي رجلا ولكني احس الان انني نصف رجل لا اكثر...

وقالت الابريلية للجنحويدي ذو الساق الواحدة:

- ليس مهما ان تفقد ساقك او كلتا ساقيك معا.. المولم حقا في الامر هو انك لم تكن تدري كيف تضعهما في الطريق الصحيح.!

ظلت الساق المبتورة ملقاة قرب الاسبتالية. لم يكترث الجنود ولم يابهوا لها كثيرا فتركوها في مكانها ذاك وكان ثمة قناص ماهر لديه قدرة رهيبة علي الرؤيا حتي في الظلام الحالك قد حدث الناس فقال انه راي الكلاب المسعورة تلتهم الساق المتعفنة وهكذا قبرت الساق في بطون الحيوانات. هانتذا تتخلي عن بعض جسدك لكلب ضال. فلتضحك او تبكي.. أعوذ بالله من غضب الله.. انها الساق التي كنت تتمايل بها طربا في الأعراس ووقفت ترقص عليها امام الحمريات والكباشيات والرزيقيات في النهود والضعين َََوحمرة الشيخ وانها ذات الساق التي سعيت عليها وانت في زهو الشباب الي الابيض وام كداد وحدود ليبيا وافريقيا الوسطي ومشيت تتبختر عليها ََََ وسط الخلائق وركزت عليها وانت تنازل قطاع الطرق في الفلوات ََالفيافي النائية ، انظر هاهي الان مقبورة في احشاء كلب جائع مسعور ينام في اماكن القذارات.
( يا للبشاعة اذن! .. انت تموت بالقطاعي ََويحصد الموت غيرك جملة!!)


- (3)-
حكاية سلمي الابريلية!

وكانت سلمي الابريلية الخضراء كالشجر، الزرقاء كالسماء والحمراء كاللهب حينما يجتاحها الحنين، تنخرط في البكاء حتي يرتعش جسدها ثم تهدا قليلا وتنفرج شفتاها في زاوية محدبة راسمة ابتسامة تكاد تقول للشامتين:(هاكم، خذوا عني اخر الثمر).
وكان ياتيها هاتف سماوي في بعض الاحيان ويقول لها :(سوف ينتهي كل شيء قريبا وستتوقف قعقعة السلاح حين تبدا زغاريد الافكار النيرة في العقول وحين تالف النباتات ظلها في هذا البلد وتلهو صغار التماسيح علي الشاطئ ويتسع صدر النيل للجميع.)
وكانت الابريلية تقف احيانا في عرصات معسكر النزوح، تبكي فجاة.. تصرخ فجأة.. تزغرد فجأة وفي احدي المرات رايناها تعتلي سطح بناية متهالكة ثم تصدح بالاذان فقلنا لها هذا لا يجوز فردت علينا قائلة :
( القتل عندكم يجوز والسحل يجوز والاملاق يجوز َواطلاق المراة حنجرتها تنادي اباها في السماء لا يجوز؟ تبا لكم ايها المافونين)
عفرتت سلمي الابريلية الطالعة من بين خلجات الشوارع في الخرطرم بحري وامدرمان نهارات المعسكر. كان لها جسد ابنوسي وتحمل حديقة مثمرة في صدرها وفي شرايينها تجري الانهار.. نهر شرقي واخر غربي.. نهر هدار واخر كسول متراخ. يا سلمي الابريلية هل نجا احد هناك؟ ضحكت وقالت:انا وحدي الناجية.. اسمي سلمي وقد سلمت ونجوت ببركة دعاء الصالحين.
سهرنا حتي الصباح. كانت ينابيع الكلام تتفجر من بين شفتيها مثلما يتفجر النيل الازرق من هضاب الحبشة وكان اخر ما فعلته الابريلية في تلك الليلة انها وقفت تغني لنا اغنية هزيلة المعاني لكنها كانت رائجة علي تلك الايام، يقول مطلعها:
(يا اللابس الكدمول
خليك بعيد يا زول....)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى