د. خالد محمد عبدالغني - مصطفى سويف في ذكراه (ثلاث مقالات) - الأول -

- الأول -

إن لاستخدام المخدرات تاريخ يبلغ من القدم مبلغ تاريخ البشرية ، فلقد استخدم الإنسان منذ فجر التاريخ بعض النباتات التي تنمو في الطبيعة من أجل إحداث نوع من التغيير في حالته النفسية، وكان يستهدف من ذلك الاستمتاع بمشاعر اللذة والنشوة ، كما كان يستهدف في أحوال أخرى التخفيف من آلامه وعلاج العديد من الأمراض التي يعاني منها، ومن أقدم النباتات التي استخدمها الإنسان منذ آلاف السنين نبات القُنَّب الذي يستخرج منه الحشيش، ونبات الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون، ونبات الكوكا الذي يستخرج منه الكوكايين ، كما عرفت الحضارة السومرية منذ سبعة آلاف سنة قبل الميلاد خصائص التخدير في نبات الأفيون واستخدموه في العلاج الطبي .
ولقد انتشرت الزراعات المخدرة للقُنَّب والخشخاش في صعيد مصر، وانتقلت الزراعة إلي شمال وجنوب سيناء منذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين، واستشرت بصورة لم يسبق لها مثيل، ومنذ بداية الألفية الثالثة ظهرت المواد المحورة الأكثر خطورة مثل الاكستازي وغيره، إلا أن الواقع يشير إلي أن مصر دولة مرور واستهلاك وأنها ليست دولة إنتاج ، وأن الزراعة غير المشروعة للقُنَّب والخشخاش، أو حتى تصنيع سائل الماكستون فورت (منشط) بكميات محدودة يتم استهلاكها في داخل البلاد.
ويتناول د.مصطفى سويف في هذا الكتاب مشكلة تعاطي المخدرات وكيفية التصدي لدراستها والحد من انتشارها باستخدام الأساليب العلمية المنضبطة.
ففي الفصل الأول يؤكد على أن مشكلة المخدرات ذات ثلاثة أبعاد رئيسية هي العرض والطلب والنتائج المترتبة علي التعاطي، ويقصد بالعرض حالة السوق غير المشروعة من حيث أنواع المخدرات وكميتها، ومدى انفتاح السوق في مجتمع معين علي أسواق بعينها، ومن أفضل المصادر لمعرفة أنواع المواد المعروضة وكمياتها في السوق غير المشروعة في مصر هي التقارير السنوية التي تنشرها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، ويمكن تقدير حجم المعروض من المخدرات في مصر من خلال معرفة حجم المضبوطات، حيث إن حجم المضبوط يبلغ خمُسْ حَجْم المتسرب، ويرى بعض الباحثين أن المضبوط يزيد في الواقع علي عشر المتسرب, ومع أن هذه النتيجة تقريبية فهي أفضل ما يمكن الوصول إليه في هذا الصدد، حيث لا توجد طريقة أخرى لتقدير حجم المعروض أكثر دقة من هذه الطريقة. أما الطلب فيقصد به كل ما يتعلق بالاستهلاك غير المشروع، وعند تناول حجم الطلب لا يمكن ترك الأمور مختلطة في الأذهان عن عمليات التعاطي . فهناك ثلاثة أنواع من التعاطي وهي التعاطي الاستكشافي, والتعاطي بالمناسبة, والتعاطي المنظم أو المتصل (الإدمان)، أو الاعتماد بالمعني العلمي. وحيث إن المخدرات هي أية مادة لها تأثيرات مباشرة علي الجهاز العصبي المركزي , فهي تؤثر علي الأمزجة والإدراك الحسية والوظائف الجسدية والوعي. ويؤدي التعود علي تعاطي المخدرات إلي الاعتماد النفسي أو الجسدي أو كليهما، وسوء استخدام المخدر مضر بالصحة الشخصية بل ويعرض المجتمع نفسه للخطر، كما أن المخدرات المشروعة غالبا ما يساء استخدامها بما يترتب عليه حدوث الكثير من المخاطر والأضرار في المجتمع بشكل أكبر من المخدرات غير المشروعة، فالكحوليات - وهي مخدر مشروع في أمريكا – قد يساء استخدامها, بما يترتب عليه اعتماد المتعاطين علي المخدرات، والحاجة إلي التعاطي المتزايد للمخدرات. ومن التكاليف الاجتماعية للمخدرات جرائم الملكية التي ترتكب بهدف الحصول علي المخدرات، وحوادث السيارات، والخسائر الاقتصادية، والمشكلات الصحية وعدم احترام القانون، والتفكك الأسري، وسوء معاملة الأزواج والأطفال, والأزمات المالية للمتعاطين، والتأثيرات النفسية غير الملائمة علي متعاطي المخدرات. كما أن تهريب المخدرات إلي مصر يؤدي إلي تدمير الاقتصاد في الداخل حيث تتسرب أثمان هذه المخدرات بطريقة غير مشروعة لتصل إلي أيدي منتجيها في الخارج.
وفي الفصل الثاني يتناول عرض للدراسات الميدانية التي أجريت في مصر عن تعاطي الشباب للمخدرات والتخطيط لبرامج الوقاية من التعاطي ومدى كفاءة تلك البرامج في تحقيق أهدافها وتوصل إلى عدم فائدة تقديم خدمات الوقاية للأعمار فوق الثلاثين عاما . بل تقدم للأعمار من 15 – 17 عاما . كما توصل إلى أن الشباب يعتقدون في وجود فوائد لتعاطي المخدرات وارتباط التعاطي بمستوى الدخل الاقتصادي للشباب.
وفي الفصل الثالث يؤكد المؤلف على أهمية استخدام المسوح الميدانية كأداة لتقدير مشكلة المخدرات والكثير من المشكلات التي تعترض هذه الطريقة وبعض الجهات المعنية بمثل هذه المسوح الميدانية.
وفي الفصل الرابع تناول إسهام العلوم الاجتماعية في دراسة المخدرات في مصر وعبر عن عدم الرضا عن النموذج الطبي وفضل النموذج النفسي الاجتماعي ، والنقص في استخدام الفنيات العلمية في تلك البحوث . ودور أجهزة الإعلام في تحديد الصورة الاجتماعية للتعاطي وأثر الآباء في سلوك الأبناء نحو التعاطي وقدم نماذج من الدراسات الانثروبولوجية ونماذج أخرى في مجال الجريمة والمشكلات الاجتماعية المرتبطة بالتعاطي.
ويعرض في الفصل الخامس للدروس المستفادة من بحوث تعاطي المخدرات في مصر والتي بدأت مبكرا جدا وأبرز تلك الدروس أن تلك الظاهرة مرتبطة بالتاريخ السياسي والأمني والتشريعي والثقافة الشعبية والعادات الاجتماعية في مصر، وعالمية المشكلة بالرغم مما تبدو عليها كظاهرة محلية، وضرورة الالتزام بالصرامة العلمية والالتزام المنهجي في دراسة هذه الظاهرة وبخاصة وأن الدراسة العلمية لتعاطي المخدرات كانت في بداية الخمسينيات.
ويشير في الفصل السادس إلى الجهود العلاجية كما بدأت في التقرير الصادر عن المكتب المركزي المصري لمكافحة المخدرات عام 1929 والذي يقول بدوره بضرورة علاج هذه الظاهرة اجتماعيا ونفسيا وطبيا وتشريعيا وأشار إلى بعض المحاولات الجادة للعلاج والعقبات التي تعترضها باعتبارنا مجتمع نامٍ.
وجاء في الفصل السابع استعراض للسياسات الوقائية المتكاملة في مواجهة مشكلات الإدمان في مصر وشرح المؤلف مفهوم الوقاية وهو اتخاذ التدابير تحسبا لوقوع المشكلة والتخطيط للسياسة الوقائية وأهدافها وتحديد المادة المخدرة، وختم المؤلف الكتاب بضرورة ترشيد السياسة القومية للحد من الإدمان ومشكلاته عن طريق توفير كافة المعلومات والخطط والسياسات إمام واضعي الخطة القومية وذلك لضمان وصول الخطة إلى أهدافها الرئيسية بأكفأ صورة ممكنة ولابد من الاعتماد على التقويم لقياس الظاهرة ومدى التقدم في الوقاية منها.
ويجب أن نشجع الأفكار الإيجابية التي تتناول المشكلات الاجتماعية ومنها مشكلة تعاطي المخدرات ، وكيفية تطبيق نتائج البحوث العلمية في مواجهة تلك المشكلة ، أننا نعرف الآن أنه بإمكاننا القيام بعمل ما تجاه مشكلاتنا ، وسوف تتكشف لنا الحقائق من خلال البحوث المستقبلية ، فالمشكلات في أغلبها صناعة إنسانية ، ومن ثم فهي شديدة التأثر بالسلبيات الإنسانية ، وهناك العديد من العوائق في طريق المواجهة الجادة ، ولكننا يمكن التغلب عليها إذا كانت لدينا النية الصادقة في ذلك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى