كان (بسّام) يحلمُ كثيراً، ساعةَ ينامُ تفتحُ مملكةُ الحلمٍ أبوابَها لهُ. عالمٌ كاملٌ من حيواتٍ وأمكنةٍ وأحداثٍ، حتى وإن عادَ لعالمهِ الواقعي، لدقائقِ معدوداتٍ أو أكثر، فإنّهُ حينَ يغفو ثانيةً، تتفتحُ تلكَ الأبواب، لكنَّ حجّابَ تلك المملكةِ بأمرٍ من واليهمِ الكبير، يشترطونَ عليهِ، ألاّ يسردَ ما رأى، في اليوم التالي، على خاصّتهِ من أهلٍ وأصدقاء، لأنَّ ذلك يعدّونهُ إفشاءً لأسرارِهم، وهو بمثابةِ خيانة، لأنَّهم منحوهُ امتيازاً في السياحةِ في أرجاءِ المملكةِ، طيلةَ فترةِ منامه. خيانةٌ جزاؤُها طردٌ أبديٌّ من المملكة.
ذاتَ مرةٍ غلبَ الفضولُ والتفاؤلُ (بسّام) في أن يسردَ لعائلته أهمَّ ما رأى في الليلةِ السابقة، رأى شخصيةً مهمةً، وفسّرَ من سَمِع تفاصيلَ الحلمِ على أنَّ ذلك بشرىً لحدوثِ تغييرٍ في حياتهِ نحو الأفضل. كانَ في تصوِّرهِ أنَّ حجّابَ مملكةِ الحلمِ لن يعلموا بهذا الإفشاء، زدْ على ذلك.. إنه لم يُفشِ كلَّ تفاصيلِ سياحاتهِ في المملكة.
ظلَّ (بسّام) ينتظرُ حدوثَ ما هو أفضل، ولم يحدثْ، قفزَ إلى بالهِ بأنَّ ذلك يعدو إلى أنَّهُ أفشى سراً كبيراً، فقد كانَ يعدُّ ذلكَ اللقاءَ بتلك الشخصيةِ المهمةِ تاجَ أحلامهِ.
لم يعدْ يحلمُ، هذا هو الجزاءُ الجحيمي، الذي حُكمَ بأن يتعفَّن فيهِ، فضلاً عن تلك العقوبةِ الشيطانيةِ في ألاّ ينامَ أبداً.
وإزاء الإفلاتِ من عقوبةٍ سوداءِ كتلك، جرّبَ كلُّ ما يمكنُ أن يعيدَهُ إلى النومِ، الذي أصبحَ فردوساً مفقوداً في حالتهِ الصَّحراويةِ تلك .
جرّبَ (بسّام) حبوبَ المنوِّمِ والمسكِّراتِ، ولم ينمْ، جرّبَ أن يُنهكَ جسدهُ في النهارِ، بالمشيِ لمسافاتٍ طويلةٍ، والعملِ المستمرِ منَ الصباحِ إلى غايةِ المساءِ، ولم ينمْ.
غيّرَ مكانَ نومه، فبدلاً من الفراشِ الوثيرِ افترشَ الأرضِ، ولم ينمْ، سافرَ إلى العاصمةِ بغداد لبضعةِ أيامٍ، كإجراءٍ لتغيير المكانِ والأجواءِ، لعلّهُ يستطيعُ النومَ في الفندقِ الذي اعتاد المبيتَ فيهِ، ولم ينمْ، ومن ثَمَّ أسرعَ إلى تبديلِ الفندقِ بآخر أحدثِ وأفخمِ من سابقهِ، بفندقٍ ذاتَ حمسِ نجوم، من تلك التي أصبحتْ تعجُّ بها بغداد، أيضاً لم ينمْ.
جرّبَ ليلةً أخرى في ذلك الفندقِ، كانَ قد أُعلنَ فيه عن حفلٍ فنيٍّ يحييهِ مطربونُ ومطربات، الدخولُ فيه ببطاقةِ تذاكرٍ غاليةِ الثمن. حفلٌ استمرَّ حتى الصباح، مؤملاً نفسهُ، بأنّهُ سيقضي نهارهُ متمتعاً برقادٍ عميق، بعدَ أن أدخلَ البهجةَ في نفسهِ، ونسيَ مملكةَ الأحلامِ، في تلكَ الليلةِ ثَمِلَ وصفَّقَ وغنّى ورقصَ، كتحدٍّ داخليٍّ لاستحالةِ النوم، ولكنَّ النومَ لمْ يطرقْ أبوابَ عينيه، كي ينعمَ عليهِ بإغفاءةٍ وردية. راجعَ أطباءَ نفسيينَ في سفرتهِ، فكانَ كلُّ ما شخَّصوهُ كانَ قد جرَّبهُ .
حارَ في أمرهِ أهلهُ وزملاؤهُ في العمل. أصبح شاحباً هزيلاً منهوكَ القوى نتيجةَ الأرقِ الذي حَسِبَ بأنَّهُ سيكونُ أبدياً.
كتبَ (بسّام) رسالةً بخطٍ واضحٍ إلى والي مملكةِ الحلمِ، يطلبُ منهُ إلغاءَ عقوبةِ عدمِ النومِ، لم يردهُ أيُّ جواب. ظلَّ يقرأُ عن الأحلامِ وتفاسيرِها عند محمد ابن سيرين وعبد الغني النابلسي وابن شاهين، لعلَّه يجدُ منفذاً إلى كسرِ طوقِ الأرقِ المضروبِ عليهِ، ذلكَ لم يُجدِ أيضاً.
محتجّاً على حالتهِ البائسةِ تلك، قرَّرَ (بسّام) تعليقَ بقيةِ طقوسهِ اليوميةِ، مبتدئاً بالإضرابِ عن الطعامِ، لكي يصلَ بجسدهِ إلى حالةِ الهلاكِ والقنوطِ الرُّوحي. ذلك الإضراب أتى نفعهُ، حينَ دخلَ غيبوبةً أقلقتْ كلَّ المحيطينَ به، الذين لم يصدّقوا روايتهُ عن طردهِ من مملكةِ الأحلامِ والحكمِ عليهِ بعدمِ النومِ مدى الحياة .
الغيبوبةُ فتحتْ له باباً على تلكَ المملكةِ الغامضةِ، فرأى (بسّام) تلكَ الشخصيةَ المواربةَ، التي سبَّبتْ لهُ كلَّ ذلك، بعدَ الإفشاءِ عن رؤيتِها في تلكَ الليلةِ الحافلةِ بالألغازِ والنذرِ السود، هذهُ المرَّةُ كانتْ تضيءُ ثوانيَ ومن ثَمَّ تَغيبُ أخرى في حُلُمٍ متقطّع. قالتْ له برسالةٍ برقيةٍ” سيتبدلُ ما أنتَ عليه». حين غامتْ، استيقظَ فجراً بعد نومٍ يسيرٍ متقطعٍ، قالتْ له زوجتهُ مستبشرةً:- مبارك، عادَ لك النوم، ماذا رأيتَ- لم يجبْ خوفاً من عقوبةِ الإفشاء.
ولكنَّهُ قالَ لنفسهِ في عزلته عن الجميع:” أتعرفينَ بأنَّ الشخصيةَ المهمةَ هي نفسها عاهلُ مملكةِ الحلم؟».
في الليلةِ التاليةِ، عادَ له الأرقُ حتى الصّباح، فتعجَّب بألمٍ وانكسارٍ لا يُحدُّ، بعد أن ردّد عبارةً تشبه قول يوليوس قيصر لصديقه بروتس، الذي اشترك في مؤامرة قتله في مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير، فقد لفظ (بسّام) همساً "حتى أنتِ يا نفسي!".
ذاتَ مرةٍ غلبَ الفضولُ والتفاؤلُ (بسّام) في أن يسردَ لعائلته أهمَّ ما رأى في الليلةِ السابقة، رأى شخصيةً مهمةً، وفسّرَ من سَمِع تفاصيلَ الحلمِ على أنَّ ذلك بشرىً لحدوثِ تغييرٍ في حياتهِ نحو الأفضل. كانَ في تصوِّرهِ أنَّ حجّابَ مملكةِ الحلمِ لن يعلموا بهذا الإفشاء، زدْ على ذلك.. إنه لم يُفشِ كلَّ تفاصيلِ سياحاتهِ في المملكة.
ظلَّ (بسّام) ينتظرُ حدوثَ ما هو أفضل، ولم يحدثْ، قفزَ إلى بالهِ بأنَّ ذلك يعدو إلى أنَّهُ أفشى سراً كبيراً، فقد كانَ يعدُّ ذلكَ اللقاءَ بتلك الشخصيةِ المهمةِ تاجَ أحلامهِ.
لم يعدْ يحلمُ، هذا هو الجزاءُ الجحيمي، الذي حُكمَ بأن يتعفَّن فيهِ، فضلاً عن تلك العقوبةِ الشيطانيةِ في ألاّ ينامَ أبداً.
وإزاء الإفلاتِ من عقوبةٍ سوداءِ كتلك، جرّبَ كلُّ ما يمكنُ أن يعيدَهُ إلى النومِ، الذي أصبحَ فردوساً مفقوداً في حالتهِ الصَّحراويةِ تلك .
جرّبَ (بسّام) حبوبَ المنوِّمِ والمسكِّراتِ، ولم ينمْ، جرّبَ أن يُنهكَ جسدهُ في النهارِ، بالمشيِ لمسافاتٍ طويلةٍ، والعملِ المستمرِ منَ الصباحِ إلى غايةِ المساءِ، ولم ينمْ.
غيّرَ مكانَ نومه، فبدلاً من الفراشِ الوثيرِ افترشَ الأرضِ، ولم ينمْ، سافرَ إلى العاصمةِ بغداد لبضعةِ أيامٍ، كإجراءٍ لتغيير المكانِ والأجواءِ، لعلّهُ يستطيعُ النومَ في الفندقِ الذي اعتاد المبيتَ فيهِ، ولم ينمْ، ومن ثَمَّ أسرعَ إلى تبديلِ الفندقِ بآخر أحدثِ وأفخمِ من سابقهِ، بفندقٍ ذاتَ حمسِ نجوم، من تلك التي أصبحتْ تعجُّ بها بغداد، أيضاً لم ينمْ.
جرّبَ ليلةً أخرى في ذلك الفندقِ، كانَ قد أُعلنَ فيه عن حفلٍ فنيٍّ يحييهِ مطربونُ ومطربات، الدخولُ فيه ببطاقةِ تذاكرٍ غاليةِ الثمن. حفلٌ استمرَّ حتى الصباح، مؤملاً نفسهُ، بأنّهُ سيقضي نهارهُ متمتعاً برقادٍ عميق، بعدَ أن أدخلَ البهجةَ في نفسهِ، ونسيَ مملكةَ الأحلامِ، في تلكَ الليلةِ ثَمِلَ وصفَّقَ وغنّى ورقصَ، كتحدٍّ داخليٍّ لاستحالةِ النوم، ولكنَّ النومَ لمْ يطرقْ أبوابَ عينيه، كي ينعمَ عليهِ بإغفاءةٍ وردية. راجعَ أطباءَ نفسيينَ في سفرتهِ، فكانَ كلُّ ما شخَّصوهُ كانَ قد جرَّبهُ .
حارَ في أمرهِ أهلهُ وزملاؤهُ في العمل. أصبح شاحباً هزيلاً منهوكَ القوى نتيجةَ الأرقِ الذي حَسِبَ بأنَّهُ سيكونُ أبدياً.
كتبَ (بسّام) رسالةً بخطٍ واضحٍ إلى والي مملكةِ الحلمِ، يطلبُ منهُ إلغاءَ عقوبةِ عدمِ النومِ، لم يردهُ أيُّ جواب. ظلَّ يقرأُ عن الأحلامِ وتفاسيرِها عند محمد ابن سيرين وعبد الغني النابلسي وابن شاهين، لعلَّه يجدُ منفذاً إلى كسرِ طوقِ الأرقِ المضروبِ عليهِ، ذلكَ لم يُجدِ أيضاً.
محتجّاً على حالتهِ البائسةِ تلك، قرَّرَ (بسّام) تعليقَ بقيةِ طقوسهِ اليوميةِ، مبتدئاً بالإضرابِ عن الطعامِ، لكي يصلَ بجسدهِ إلى حالةِ الهلاكِ والقنوطِ الرُّوحي. ذلك الإضراب أتى نفعهُ، حينَ دخلَ غيبوبةً أقلقتْ كلَّ المحيطينَ به، الذين لم يصدّقوا روايتهُ عن طردهِ من مملكةِ الأحلامِ والحكمِ عليهِ بعدمِ النومِ مدى الحياة .
الغيبوبةُ فتحتْ له باباً على تلكَ المملكةِ الغامضةِ، فرأى (بسّام) تلكَ الشخصيةَ المواربةَ، التي سبَّبتْ لهُ كلَّ ذلك، بعدَ الإفشاءِ عن رؤيتِها في تلكَ الليلةِ الحافلةِ بالألغازِ والنذرِ السود، هذهُ المرَّةُ كانتْ تضيءُ ثوانيَ ومن ثَمَّ تَغيبُ أخرى في حُلُمٍ متقطّع. قالتْ له برسالةٍ برقيةٍ” سيتبدلُ ما أنتَ عليه». حين غامتْ، استيقظَ فجراً بعد نومٍ يسيرٍ متقطعٍ، قالتْ له زوجتهُ مستبشرةً:- مبارك، عادَ لك النوم، ماذا رأيتَ- لم يجبْ خوفاً من عقوبةِ الإفشاء.
ولكنَّهُ قالَ لنفسهِ في عزلته عن الجميع:” أتعرفينَ بأنَّ الشخصيةَ المهمةَ هي نفسها عاهلُ مملكةِ الحلم؟».
في الليلةِ التاليةِ، عادَ له الأرقُ حتى الصّباح، فتعجَّب بألمٍ وانكسارٍ لا يُحدُّ، بعد أن ردّد عبارةً تشبه قول يوليوس قيصر لصديقه بروتس، الذي اشترك في مؤامرة قتله في مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير، فقد لفظ (بسّام) همساً "حتى أنتِ يا نفسي!".