سحر الرشيد - وَجعُ اللقاءِ...

نأيتُ على كرسي بصالةِ الانتظار
..تبخرت من واقعي وفقدتُ الإبصار
..عجائز تَجلسُ، وتلكَ الشابة السمراء ووجهها المكتئب؛ ألهم خيالي بالقصص، التي افترضتها كواقع، كأنّها حدثتني بما لَم ينطق بهِ لسانها، بل وشت من قلبها المُوَشّى بالهموم.
الجدرانُ البيضاءُ توشحت بالسواد، كأنني أُصبتُ بعمى الألوان.
سرحت مقلتاي بذاكَ البلاط الناصع، المتلألئي ، تقاطعها أقدام ذاهبٍ وعائدٍ، حاملاً أوراقهُ لسوء الختام ..
وما تلكَ المرأة الصينية؟! ما توقعتها في هذا المكان!!
ما أظنّها إلا جاءت لنقيض ما جئتُ إليهِ.. عذراً ما قررتُ المجيء، لكنَّ للأقدار أحكام .
ما أجملَ القاعةَ، والاطلالةَ على شجرِ الصنوبر.. كلٌ منا يجلسُ بذهولٍ وجوفهُ مليء بقدسية الأسرار.
وأوهمتُ نفسي بضحكةٍ على ما أقرأُ بيدي من كتابِ هجاءِ النساءِ.
وأفاق ذهني من شرودِهِ لحظةَ مرورهِ مرتدياً زِيّهُ الأزرق المعتاد.
أَرسلَ مرسالهُ لوجعِ صدري؛ أن سيكونَ معهُ اللقاء، فكدتُ أقسمُ بغيرِ علم؛ حتماً سيكون معهُ اللقاء.
القلبُ يبكي وتناقضهُ الشفاه تبتسم من سخريةِ الهجاء..
ويَفتَحُ البابَ من خلفِ المدى ملاكُ للرحمةِ تناديني مبتسمةً.. تباً للحظةِ كأنّها تقول: ادخلي لقد بدأت رحلةُ العناءِ.
آه يا ملعبَ الأقدارِ؛ نَعمْ إنّهُ هو مَن أرسل دعوةَ اللقاء.
في غرفةٍ لا نافذة ولا منفذ إلا باب، والسرير المرتفع، وذاكَ المكتب ذو مقعدين لي وللجراح.
خاطبني عقلي تظاهري بالقوةِ ،وصرعي الألمَ والانهيارَ.
ــ بادرني بالسؤالِ: مِن أينَ أنتِ؟
ــ قلتُ مِن أرضِ الأنبياء ،والشعراء والأبرار.
ــ ردَّ بثقةٍ: هكذا توقعتُ مِنَ اللغةِ والوقارِ.
ــ فتشجعتُ وسألتهُ: يوحي إلي اسمكَ بأنّك مِن أقصى شرقِ البلدان، أأنتَ باكستاني؟
ــ بكلّ ثقةٍ قالَ: لا، أنا مِن "أدمنتن"؛ ولدتُ وترعرعتُ في هذهِ البلاد.. نَعمْ عَلمتُ أنَّ أهلي رَحلوا مِن هُناكَ منذُ حقبة مِنَ الأعوامِ.
يَرفعُ رأسهُ ليلقي نظرةً خاطفةً، ثُمَّ يعودُ ليكتبَ على الأوراق واثقاً، على عجلةٍ يسابقُ الأزمانَ.
أنظرُ لشبابهِ وأندهشُ؛ مِن أينَ جاء بوابل الخبرة والحكماء ؟!
والأَوجاعُ تعصرني، وهو يقولُ: أُسبوع مِنَ الزمانِ.. وبالمشرطِ سيكونُ اللقاء.
تمطرُ الهموم فوقَ غربتي، تباً لغطرسةِ الزمان!!
وأردفَ يقولُ: يا سيدتي، لقاؤنا متجدد بالأيام، والمشرطُ هو الحُسام.
سكنت أشجارُ الصنوبرِ لعاصفةِ ثلج كسرت هشاشة العظام.
وأخذَ الأوراقَ مسرعاً، مدبراً، متأبطاً بالبيان.
وقهقهة الردى تحاصر أنفاسي.. خرجتُ مِنَ الغرفةِ متسائلة: كيفَ الخروج من هذا المكان؟!

سحر الرشيد
فانكوفر/ كندا 6\1\2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى