خالد جهاد - صرخة في حضن الورق

ما الذي يختبىء هناك خلف قرص الشمس؟
لعله طرف خيط.. يقودني إلى طائرتي الورقية.. أو لعلها الأيام التي غافلتني وأنا معصوب العينين.. تركتني أعد أحلامي.. أبحث عن حبي.. وطني.. وقلبي الذي كنت أتحسسه في كل ما حولي.. حتى وجدت جسدي في مكانٍ بعيدٍ عن روحي.. حيث بات اللقاء مستحيلاً.. وحكم علي أن أظل منفياً حتى نهاية حروفي.. أصبحت لاجئاً.. أعيش في خيمةٍ من الذكريات التي تأبى مصافحة كوابيسٍ من الإسمنت.. أعلق على جدرانها لوعةً تلو اللوعة.. أجمعها من خريفٍ لآخر.. كمترفٍ يهوى اقتناء الوجع..

على صدر الشتاء زرعت ضبابي.. ومن خلفه أتيت كوهمٍ.. لا يشبه ما تمنيته.. ولا يشبه ما يريد أن يعرفه البعض عني.. لغتي تخاف الإنقراض وقبيلتي تنكرني.. مع أن صوتي لا
يفارق مسامعهم.. وملامحي محفورةٌ في كل الوجوه.. تلاحقهم في كل صمت.. تؤرقهم مع كل (لا).. تذكرهم بما يودون نسيانه.. تعيدهم إلى مربعهم الأول.. مكبلين في قصرٍ من المرايا.. حيث يواجه كل منهم (شبحه) الذي يفر منه.. (تحاوره) على انفراد.. فالحقيقة لا تتعرى على قارعة الطريق.. ولا تعنيها الكلمات المنمقة ولا الصور (المثالية) التي لا تشبه أحداً..

يقولون عني نصف مجنون.. فأمضي في دربي على عجل.. أغافل (المدينة) وأعاملها بالنصف الذي اختارت أن تصفني به.. لا أبرر عالمي ولا أفسر شخصياتي.. أمشي معها على شريطٍ سينمائيٍ طويل.. تتدحرج بكرته إلى حيث تأخذني أفكاري وحيث تتوقف (بناتها) عن البوح، لا شيء لدي لأخسره سوى انسانيتي.. أخفيها بعيداً عن (إنسان).. بت أخاف أن ينهشها.. وأصبح في عيني مجرد كائنٍ أسطوري.. يخاف (الصورة) ويزيفها.. يسمي الكذب جمالاً.. كما يختار لنزواته ما شاء من الأسماء..

كم أخجل اليوم من قلبي الذي لم يعد فيه متسعُ لحزنٍ.. أو بشر.. وأنا الشجرة التي اجتثت من جذورها وقذف بها إلى المجهول.. فأصبحت ماضياً يعيش الحاضر.. ليلاً يختبأ في ظل.. شمساً تبحث عن حياة.. بحراً لا يقدم لضيوفه سوى الكثير من كؤؤس الملح الذي يتدفق من جروحه.. أنا سماءٌ تبكي طيورها وتجهض نجومها.. جفت غيومها حزناً على أرضٍ.. لا زالت مسرحاً للألم والدم.. يهاجر منها الأطفال بلا حقائب.. يولدون عراةً ولا زالوا يرحلون جوعى.. لا حب ولا أمان.. لا شيء سوى الحرمان.. لن تحمل السطور المزيد من الحبر.. الأقلام تكتب الخواء على صفحاتٍ بيضاء.. ريثما تلد الكلمات حروفها الغاضبة.. وتسكب صرختها في حضن ورقةٍ أو بين دفتي كتاب..

#خالد_جهاد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى