حين كنتَ تَأخذ سلفي في المَدينة القديمة لمْ تنتبه أنّك كنت أمام حمام اليهود في سوق الغزل ، ولا أظن أنّك عرفت أنه سوق يَحمل ذَلك الاسم المثير والغامض .
فهو سوق للغَزَل، للكَلام الغانج ، وقَول الشّعر في الحبيبة والتشبيب بها ، يمكنُه أنْ يكونَ غزَلا عذريا عفيفا وبدويا ،ويمكنه أن يكُون غزَلا صريحا وحضريا وفاحشا كقول امرؤ القيس .:
سموتُ إليها بَعد ما نَام أهلها
سمو حبَاب الماء حالاً علَى حال
فقالت سَباك الله إنّك فَاضحي
ألست ترى السمَار والنّاس أحوال
فقلت يمينَ الله أبرح قاعدَا
ولو قَطَعُوا رأسي لديك وأوصالي
وهو سوق للغَزْل ؛ غزل الصّوف أو القُطن ، وفتلهُ بالمغزَل ، وهي حرفة قديمة يتم فيها فَتْل وغزل ألياف الخيوط الطّبيعة والاصطناعية لإنتاج خيوط أمسَك وأمتن ، كَانت أمّهاتنا وجدَاتنا وهنّ يَتحدث عما يلُاقينه من مآسي الحياة يأخذنَ المغزل بيد ، ويدرن الخُيوط عليه ، ويبدأن بلفه بحناَن واضح ورقة ناعمة، تُمْسك أنَاملهم بعصى المغزل الرقيقة التي تمسى العرنَاس حين لمْ يكن لديهن دولاب غزل ، ويُمَررنهَا علَى أردافهن ، ثمّ يرفعن المغزل بسُرعة كَي تبدأ الخيوط بالالتفاف علَى بعضها، ليحصلن في الاخير على مبرومِ من الخيط مناسب للحياكة .
لا أظن ، حتَى وإنْ عرفت اسم السوق الذي أخذت فيه سلفي لترسله إلى حَبيبتك في مدينة آخرى ، أنّك ستفهم دلالة الاسم ، أو ستفهم كيف أنّ المكان تغيرَ للأسوأ لكن اسمه يزدَان كل يوم طراوة وحلاوة كأنّه كنافة شامية .
في السوق يمتد حمام اليهود ، بنَاية تشهد أن المدينة كانت ديمقراطية بامتياز ، وأن ناسها لم يكونوا يسْألون عن تدين أَحد ، وملته ، ونحلته . لن تتخيل أنّ اليهود الذين صار اسمهم يرعب ، ويُحَمل بحمولات غير حقيقة ، كانوا يَخرجون جماعات من بيوتهم العريضة والواسعة في المدينة القَديمة ليُدفِئوا أجسادهم مع المسلمين هنا ،فاسم الحمام كان مجازَا لا غير ، أو أنّه كان رغبة في اظهَار الاحترام لليهود من طرف إخوتهم المسلمين ، لكنه عمليَا كان للسكان جميعَا.
لن تَتخيل أن يهودي قدم ظهره لمسلم كَي يحكه له دون أن يفكَرا في القضية الفلسطينة ، وفي الأحاديث المغلوطة والمكذوبة عنْ نَبينا التي تَتنبأ بإخبَار الاشجَار المسلمين عن اليهود الذين يَختبِئُون بهَا .
هنا ترك اليَهود بسوق الغزل بصمة .
كما ترَكوا الميعارة الجميلة والأكثَر انتظاما من باقَي المقَابر الخاصة بالمسلمين ، فرغم أنّ الأموَت لمْ يعودوا يؤمون إليها ، إلا أنها حية تنبض بالنظام ،بل إن هُنَاك حراسا عليهَا يقاضيهم أبناء وحفدة الأموات المدفونين داخلها .
لا يمكنك وانت تتحدث عن آسفي أن تسقط يهودها ، أما إن عدت بعيدا إلى عمق التاريخ ، فعليك أن تحتضن حضارات وأقوام متعددين ؛ وندالا ، وامازيغ …
هذه المرة حين تاخذ سلفي وترسله غلى حبيبتك تحدث لها عن عبق المكان .
—————
الميعارة : المقبرة عند اليهود .
فهو سوق للغَزَل، للكَلام الغانج ، وقَول الشّعر في الحبيبة والتشبيب بها ، يمكنُه أنْ يكونَ غزَلا عذريا عفيفا وبدويا ،ويمكنه أن يكُون غزَلا صريحا وحضريا وفاحشا كقول امرؤ القيس .:
سموتُ إليها بَعد ما نَام أهلها
سمو حبَاب الماء حالاً علَى حال
فقالت سَباك الله إنّك فَاضحي
ألست ترى السمَار والنّاس أحوال
فقلت يمينَ الله أبرح قاعدَا
ولو قَطَعُوا رأسي لديك وأوصالي
وهو سوق للغَزْل ؛ غزل الصّوف أو القُطن ، وفتلهُ بالمغزَل ، وهي حرفة قديمة يتم فيها فَتْل وغزل ألياف الخيوط الطّبيعة والاصطناعية لإنتاج خيوط أمسَك وأمتن ، كَانت أمّهاتنا وجدَاتنا وهنّ يَتحدث عما يلُاقينه من مآسي الحياة يأخذنَ المغزل بيد ، ويدرن الخُيوط عليه ، ويبدأن بلفه بحناَن واضح ورقة ناعمة، تُمْسك أنَاملهم بعصى المغزل الرقيقة التي تمسى العرنَاس حين لمْ يكن لديهن دولاب غزل ، ويُمَررنهَا علَى أردافهن ، ثمّ يرفعن المغزل بسُرعة كَي تبدأ الخيوط بالالتفاف علَى بعضها، ليحصلن في الاخير على مبرومِ من الخيط مناسب للحياكة .
لا أظن ، حتَى وإنْ عرفت اسم السوق الذي أخذت فيه سلفي لترسله إلى حَبيبتك في مدينة آخرى ، أنّك ستفهم دلالة الاسم ، أو ستفهم كيف أنّ المكان تغيرَ للأسوأ لكن اسمه يزدَان كل يوم طراوة وحلاوة كأنّه كنافة شامية .
في السوق يمتد حمام اليهود ، بنَاية تشهد أن المدينة كانت ديمقراطية بامتياز ، وأن ناسها لم يكونوا يسْألون عن تدين أَحد ، وملته ، ونحلته . لن تتخيل أنّ اليهود الذين صار اسمهم يرعب ، ويُحَمل بحمولات غير حقيقة ، كانوا يَخرجون جماعات من بيوتهم العريضة والواسعة في المدينة القَديمة ليُدفِئوا أجسادهم مع المسلمين هنا ،فاسم الحمام كان مجازَا لا غير ، أو أنّه كان رغبة في اظهَار الاحترام لليهود من طرف إخوتهم المسلمين ، لكنه عمليَا كان للسكان جميعَا.
لن تَتخيل أن يهودي قدم ظهره لمسلم كَي يحكه له دون أن يفكَرا في القضية الفلسطينة ، وفي الأحاديث المغلوطة والمكذوبة عنْ نَبينا التي تَتنبأ بإخبَار الاشجَار المسلمين عن اليهود الذين يَختبِئُون بهَا .
هنا ترك اليَهود بسوق الغزل بصمة .
كما ترَكوا الميعارة الجميلة والأكثَر انتظاما من باقَي المقَابر الخاصة بالمسلمين ، فرغم أنّ الأموَت لمْ يعودوا يؤمون إليها ، إلا أنها حية تنبض بالنظام ،بل إن هُنَاك حراسا عليهَا يقاضيهم أبناء وحفدة الأموات المدفونين داخلها .
لا يمكنك وانت تتحدث عن آسفي أن تسقط يهودها ، أما إن عدت بعيدا إلى عمق التاريخ ، فعليك أن تحتضن حضارات وأقوام متعددين ؛ وندالا ، وامازيغ …
هذه المرة حين تاخذ سلفي وترسله غلى حبيبتك تحدث لها عن عبق المكان .
—————
الميعارة : المقبرة عند اليهود .