١- الدمية في فاترينة العرض
▪︎︎ منظور الدمية:
بدأَ الفصلُ الشتويُّ
وصارَ وقوفي خلفَ زجاجِ العرضِ
وتحتَ الضوءِ الأصفرِ
بالمعطفِ والشالِ الصوفيِّ، يكثِّفُ حسِّي بحياتي..
في الصيفِ،
وبالفستانِ العاري
أو في حمّالةِ صدرٍ ولباسٍ تحتيٍّ
تحتَ قميصٍ شفافٍ
كنتُ أحسُّ بوخزِ النظراتِ،
ولا أفهمُ ماذا أعني للناظرِ
ماذا يجذبُ عينيهِ وعينيها
ماذا يدفعُهُ أو يدفعُها بعد التحديقِ طويلاً
ليسيرا أبعدْ.
وجهي مرسومٌ دونَ تعابيرٍ
رأسي، تُلبِسُهُ صاحبةُ البوتيكِ كما تهوى
شعرًا منسابًا
أو شعرًا أجعدْ.
وعيوني لا يلحظُها مخلوقٌ
أعرفُ هذا.. قد عشتُ طوالَ الصيفِ هنا
وعرفتُ بأنّي لستُ سوى جسدٍ في نظرِ الناسِ
وأسوءُ من هذا
فأنا دميةُ صاحبتي
لا قيمةَ لي
والبردُ يلفُّ الشارعَ،
والمعطفُ لا يستدعي النظراتِ كما الفستانِ العاري،
أتخلَّصُ -مثلَ الأشجارِ المتخلِّصةِ مِن الأوراقِ حواليَّ هُنا-
مِن إحساسي السيءِ طولَ الفصلِ الماضي.
أرفعُ عيني
وأرى مِن خلفِ زجاجي
الشكلَ الغائمَ للدنيا
الحزنَ المتأصلَ في الجوِ الشتويِّ الماطرِ
والعينَ المرتفعةَ نحو عيوني
إذ كانَ المعطفُ لا يستدعي نظرًا..
وأراها!
ما أشبهَها بي
هي أيضًا
تجلسُ ثابتةً في موضعِها
وترى بكريستالاتِ العينينِ
الحزنَ المتأصلَ في الجوِ الشتويِّ الماطرِ
والشكلَ الغائمَ للدنيا
وتراني!
بدأَ الفصلُ الشتويُّ
وقصتُنا...
▪︎منظور الشاعرة:
هل ثمَّةَ شيءٌ في الدنيا لا يحمِلُ تعبيرًا شِعريًّا في باطنِهِ؟!
ثَمَّ مجازٌ يحتضنُ العالمَ بينَ يديهِ
وأنغامٌ تتدفَّقُ في نهرِ الملكوتْ
حتّى في الجسدِ الجامدِ
في دميةِ هذا البوتيكِ المرئيةِ مِن خلفِ زجاجِ المقهى
حيث ألوذُ مِن المطرِ المجنونِ،
وفي نظرتِها الجامدةِ تجاهي
ثمَّةَ شِعرٌ..
".........أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!"
غُصتُ إلى أوراقي ثانيةً
واستأنفتُ الركضَ وراءَ فراشاتِ خيالي
مِن حيثُ وَقفتُ.
ولكنْ ثمَّةَ شِعرٌ أطغى بالخارجِ يجذبُ عقلي
ويحرِّكُ عيني نحو الدميةِ
إذ تتعلَّقُ عيناها بالجو الماطرْ
ألزمُ كرسيَّ المقهى/ لا ألزمه وأخاطرْ
ألزمُهُ/ لا ألزمُهُ
ألزمُهُ/ لا ألزمُهُ
ألزمُهُ؟
لا ألزمُهُ وأخاطرْ
أخرجُ لا شيءَ برأسي
أدفعُ بابَ البوتيكِ
وأدهِشُ بائعةً متعبةَ الوجهِ بما أطلبُهُ،
تضحكُ منّي عجبًا
أخرجُ، والدميةُ بين يديّْ..
....
٢- الدمية في منزل الشاعرة
▪︎منظور الشاعرة:
أجلستُ الدميةَ قربَ المدفأةِ
وأحضرتُ الشايَ لكلتينا
ليسَ مِن الذوقِ بأن أشربَ وحدي!
كانتْ عاريةً فتعرّيتُ
وكانتْ مُهملَةَ الشَّعرِ على الأكتافِ
فألقيتُ وشاحَ الرأسِ وأسدلتُ بإهمالٍ شَعري
وانسابَ الشِّعرُ مِن النظراتِ:
"الدميةُ في بيتي
تُغريني أن آخذَ هيئتَها
أن أجلسَ قربَ المدفأةِ كما جلستْ
أن أصنعَ كوبينِ مِن الشايِ
وأن أتأملَ نظرتَها
الدميةُ تكتبُ عنّي
تكتبُ بالخطِّ العربيِّ
وبالوزنِ العربيِّ
وتطرقُ طرقًا يشبهُ طرقَ المطرِ على الشُّباكِ
مع الكلماتِ
وتكتبُ في كُراسي:
الدميةُ في بيتي
تغريني أن آخذَ هيئتَها
أن أجلسَ قربَ المدفأةِ كما جلستْ
أن أصنعَ كوبينِ مِن الشايِ
وأن أتأملَ نظرتَها"
هل ما خالطني زهوٌ أم لذّةْ
سرتُ كطاووسٍ في الغرفةِ
أسكرُ بالشِّعرِ الساري في جسدي كالخمرِ
وأسألُ نفسي:
هل ثمَّةَ سحرٌ في الدنيا أطغى مِن هذا؟!
كانَ غروري منتفخًا وأنا أمشي في الغرفةِ كالطاووسِ
وزهوي -ذيلُ الطاووسِ- يدورُ كمروحةٍ مِن خلفي
وهواءٌ -مِن هبَّةِ جسمي- حرَّكَ أوراقي!
والدميةُ تجلسُ خلفي..
▪︎ منظور الدمية:
تلكَ السيدةُ المجنونةُ
تلكَ الشاعرةُ المفتونةُ
فعلتْ شيئًا أغربَ مِن ظنّي
حين مشتْ مِن موقعِها في المقهى نحو البوتيكِ
ظننتُ بأنَّ المعطفَ أعجبَها
حين سمعتُ كلامَ البائعةِ وإياها
ضحكتْ نفسي مِن نفسي؛
قالتْ:
"هل يمكنُ أن أبتاعَ الدميةَ؟!"
قلتُ لنفسي مستفهمةً
"وأنا أيضًا للبيعِ؟"
وكم أحزنني كيفَ أجابتْ بائعتي عن هذا!
خرجتْ وأنا حِملٌ تنقِلُهُ بين ذراعيها
دخلتْ منزلَها
وبحرصٍ وضعتني جالسةً قربَ المدفأةِ وسارتْ للمطبخِ
عادتْ بالشايِ الساخنِ في كوبينِ!
تظنُ بأنَّ الودَّ يلطِّفُ مِن وقعِ شرائي
خلعتْ مثلي ملبسَها
نثرتْ مثلي الشعرَ على الأكتافِ
تبادلنا النظراتِ
فهل سمعتْني حقًا؟!
قلتُ لها:
هل أنتِ الآنَ أنا؟
هل أنتِ الدميةُ يا سيدتي
وأنا سيدةُ المنزلِ
هل يمكِنُ هذا؟!
لا أدري إن كانتْ سمعتْني
ثمَّةَ شيءٌ يتلألأُ في عينيها
شيءٌ مجنونٌ وخطيرٌ، أوقفها مِن موضعِها كالملدوغةِ
شيءٌ يجعلُها كالفتيانِ إذا مرّوا بي في الثوبِ العاري
بغرورٍ وبزهوٍ تنتفخُ وتمشي
وأنا أتبعُ مشهدَها حتّى شردتْ في عالمِها.
حوَّلتُ عيوني
وقرأتُ بكراستِها:
"للقطفِ
لقد خُلِقتْ للقطفِ وللشمْ
والأخرى
خُلِقتْ للأكلِ وللهضمْ
واشتبها في اللونِ كثيرًا
أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!"
قلتُ مُتمِّمَةً فكرتَها:
واشتبها في اللونِ كثيرًا
فلماذا اختلفا في الأقدارِ إذن
أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!
سيدتي المزهوةُ ما زالتْ تُوليني ظهرًا منتفشًا
لم أفهمْ،
مَن تقصدُ بالوردةِ؟!
مَن صاحبةُ العينِ؟
وهل كانتْ تتحدثُ عنها، أم عن أخرى، أم تعنيني؟!
نورا عثمان
▪︎︎ منظور الدمية:
بدأَ الفصلُ الشتويُّ
وصارَ وقوفي خلفَ زجاجِ العرضِ
وتحتَ الضوءِ الأصفرِ
بالمعطفِ والشالِ الصوفيِّ، يكثِّفُ حسِّي بحياتي..
في الصيفِ،
وبالفستانِ العاري
أو في حمّالةِ صدرٍ ولباسٍ تحتيٍّ
تحتَ قميصٍ شفافٍ
كنتُ أحسُّ بوخزِ النظراتِ،
ولا أفهمُ ماذا أعني للناظرِ
ماذا يجذبُ عينيهِ وعينيها
ماذا يدفعُهُ أو يدفعُها بعد التحديقِ طويلاً
ليسيرا أبعدْ.
وجهي مرسومٌ دونَ تعابيرٍ
رأسي، تُلبِسُهُ صاحبةُ البوتيكِ كما تهوى
شعرًا منسابًا
أو شعرًا أجعدْ.
وعيوني لا يلحظُها مخلوقٌ
أعرفُ هذا.. قد عشتُ طوالَ الصيفِ هنا
وعرفتُ بأنّي لستُ سوى جسدٍ في نظرِ الناسِ
وأسوءُ من هذا
فأنا دميةُ صاحبتي
لا قيمةَ لي
والبردُ يلفُّ الشارعَ،
والمعطفُ لا يستدعي النظراتِ كما الفستانِ العاري،
أتخلَّصُ -مثلَ الأشجارِ المتخلِّصةِ مِن الأوراقِ حواليَّ هُنا-
مِن إحساسي السيءِ طولَ الفصلِ الماضي.
أرفعُ عيني
وأرى مِن خلفِ زجاجي
الشكلَ الغائمَ للدنيا
الحزنَ المتأصلَ في الجوِ الشتويِّ الماطرِ
والعينَ المرتفعةَ نحو عيوني
إذ كانَ المعطفُ لا يستدعي نظرًا..
وأراها!
ما أشبهَها بي
هي أيضًا
تجلسُ ثابتةً في موضعِها
وترى بكريستالاتِ العينينِ
الحزنَ المتأصلَ في الجوِ الشتويِّ الماطرِ
والشكلَ الغائمَ للدنيا
وتراني!
بدأَ الفصلُ الشتويُّ
وقصتُنا...
▪︎منظور الشاعرة:
هل ثمَّةَ شيءٌ في الدنيا لا يحمِلُ تعبيرًا شِعريًّا في باطنِهِ؟!
ثَمَّ مجازٌ يحتضنُ العالمَ بينَ يديهِ
وأنغامٌ تتدفَّقُ في نهرِ الملكوتْ
حتّى في الجسدِ الجامدِ
في دميةِ هذا البوتيكِ المرئيةِ مِن خلفِ زجاجِ المقهى
حيث ألوذُ مِن المطرِ المجنونِ،
وفي نظرتِها الجامدةِ تجاهي
ثمَّةَ شِعرٌ..
".........أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!"
غُصتُ إلى أوراقي ثانيةً
واستأنفتُ الركضَ وراءَ فراشاتِ خيالي
مِن حيثُ وَقفتُ.
ولكنْ ثمَّةَ شِعرٌ أطغى بالخارجِ يجذبُ عقلي
ويحرِّكُ عيني نحو الدميةِ
إذ تتعلَّقُ عيناها بالجو الماطرْ
ألزمُ كرسيَّ المقهى/ لا ألزمه وأخاطرْ
ألزمُهُ/ لا ألزمُهُ
ألزمُهُ/ لا ألزمُهُ
ألزمُهُ؟
لا ألزمُهُ وأخاطرْ
أخرجُ لا شيءَ برأسي
أدفعُ بابَ البوتيكِ
وأدهِشُ بائعةً متعبةَ الوجهِ بما أطلبُهُ،
تضحكُ منّي عجبًا
أخرجُ، والدميةُ بين يديّْ..
....
٢- الدمية في منزل الشاعرة
▪︎منظور الشاعرة:
أجلستُ الدميةَ قربَ المدفأةِ
وأحضرتُ الشايَ لكلتينا
ليسَ مِن الذوقِ بأن أشربَ وحدي!
كانتْ عاريةً فتعرّيتُ
وكانتْ مُهملَةَ الشَّعرِ على الأكتافِ
فألقيتُ وشاحَ الرأسِ وأسدلتُ بإهمالٍ شَعري
وانسابَ الشِّعرُ مِن النظراتِ:
"الدميةُ في بيتي
تُغريني أن آخذَ هيئتَها
أن أجلسَ قربَ المدفأةِ كما جلستْ
أن أصنعَ كوبينِ مِن الشايِ
وأن أتأملَ نظرتَها
الدميةُ تكتبُ عنّي
تكتبُ بالخطِّ العربيِّ
وبالوزنِ العربيِّ
وتطرقُ طرقًا يشبهُ طرقَ المطرِ على الشُّباكِ
مع الكلماتِ
وتكتبُ في كُراسي:
الدميةُ في بيتي
تغريني أن آخذَ هيئتَها
أن أجلسَ قربَ المدفأةِ كما جلستْ
أن أصنعَ كوبينِ مِن الشايِ
وأن أتأملَ نظرتَها"
هل ما خالطني زهوٌ أم لذّةْ
سرتُ كطاووسٍ في الغرفةِ
أسكرُ بالشِّعرِ الساري في جسدي كالخمرِ
وأسألُ نفسي:
هل ثمَّةَ سحرٌ في الدنيا أطغى مِن هذا؟!
كانَ غروري منتفخًا وأنا أمشي في الغرفةِ كالطاووسِ
وزهوي -ذيلُ الطاووسِ- يدورُ كمروحةٍ مِن خلفي
وهواءٌ -مِن هبَّةِ جسمي- حرَّكَ أوراقي!
والدميةُ تجلسُ خلفي..
▪︎ منظور الدمية:
تلكَ السيدةُ المجنونةُ
تلكَ الشاعرةُ المفتونةُ
فعلتْ شيئًا أغربَ مِن ظنّي
حين مشتْ مِن موقعِها في المقهى نحو البوتيكِ
ظننتُ بأنَّ المعطفَ أعجبَها
حين سمعتُ كلامَ البائعةِ وإياها
ضحكتْ نفسي مِن نفسي؛
قالتْ:
"هل يمكنُ أن أبتاعَ الدميةَ؟!"
قلتُ لنفسي مستفهمةً
"وأنا أيضًا للبيعِ؟"
وكم أحزنني كيفَ أجابتْ بائعتي عن هذا!
خرجتْ وأنا حِملٌ تنقِلُهُ بين ذراعيها
دخلتْ منزلَها
وبحرصٍ وضعتني جالسةً قربَ المدفأةِ وسارتْ للمطبخِ
عادتْ بالشايِ الساخنِ في كوبينِ!
تظنُ بأنَّ الودَّ يلطِّفُ مِن وقعِ شرائي
خلعتْ مثلي ملبسَها
نثرتْ مثلي الشعرَ على الأكتافِ
تبادلنا النظراتِ
فهل سمعتْني حقًا؟!
قلتُ لها:
هل أنتِ الآنَ أنا؟
هل أنتِ الدميةُ يا سيدتي
وأنا سيدةُ المنزلِ
هل يمكِنُ هذا؟!
لا أدري إن كانتْ سمعتْني
ثمَّةَ شيءٌ يتلألأُ في عينيها
شيءٌ مجنونٌ وخطيرٌ، أوقفها مِن موضعِها كالملدوغةِ
شيءٌ يجعلُها كالفتيانِ إذا مرّوا بي في الثوبِ العاري
بغرورٍ وبزهوٍ تنتفخُ وتمشي
وأنا أتبعُ مشهدَها حتّى شردتْ في عالمِها.
حوَّلتُ عيوني
وقرأتُ بكراستِها:
"للقطفِ
لقد خُلِقتْ للقطفِ وللشمْ
والأخرى
خُلِقتْ للأكلِ وللهضمْ
واشتبها في اللونِ كثيرًا
أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!"
قلتُ مُتمِّمَةً فكرتَها:
واشتبها في اللونِ كثيرًا
فلماذا اختلفا في الأقدارِ إذن
أم أنَّ الوردةَ -في عينِكِ- أبهى من أثمارِ التوتْ؟!
سيدتي المزهوةُ ما زالتْ تُوليني ظهرًا منتفشًا
لم أفهمْ،
مَن تقصدُ بالوردةِ؟!
مَن صاحبةُ العينِ؟
وهل كانتْ تتحدثُ عنها، أم عن أخرى، أم تعنيني؟!
نورا عثمان