طلائع فصل الربيع في بداياتها والظهيرة في اخرها، والشمس ساطعة ودافئة. لولا تلك النسائم الباردة التي تخترق هذا اليوم في أغلب الأحيان، لأحسست الآن بالدفء، وكنت قد خلعت عني معطفي الشتوي. لكني اليوم اكتفيت بتركه مفتوحا فقط.
ماذا سيكون نصيبي من الاكل في هذا اليوم؟ تساءلت.
شهيتي لم تتفتح للأكل بعد رغم أنني أحس بعضات الجوع وأسنان الشهية وهي تترك أثرا لوخزاتها المتتالية في جنبات أمعائي.
أقضم طرفا من حبها في فمي وأتركه يذوب في الحرارة، على لساني على مهل. أحاول قدر الإمكان أن أتجنب استعمال أسناني كي لا أؤذي حبها، هكذا تسمي الشوكولاته دائما: حبها.
هي هناك… حبي. وحبها يذوبان في فمي وأراها في المطبخ المفتوحة نافذته على البحر الأبيض. أراها وحيدة في تنورتها الخفيفة الراقصة على جسدها العاري والمفتوحة الجنبات على فخذيها اللذين يشكلان شارة مفتوحة على الاكل والنصر.
أنظر إليها وهي تعد طاجينا من السمك الملكي. أستمع الى صوتها المبحوح بدرجات الأنوثة المرتفعة فيه وهي تنشد أشعارا من ‘إزران’ ريفية لم اسمع قط بها من قبل.
جسدي حي وأحس به ينبض، روحي تكاد تتخلص من ثقل جسدي وتنفلت من طبيعتها اللامرئية لتتراقص كفراشة خفية وخفيفة أمام مرآة صوتها الشجي الغنوج.
لم تأبه بي ولم تبال بحركات الرقص التي تتناثر كشقائق نعمان محمرة بعنفوان الحياة أمام المرآة.
تأخذ السمك بحذر وتضعه في راحة يدها اليسرى. تمرر عليه براحة يدها اليمنى بدلال، ماسحة على ظهره ذلك المزيج الملون بأخضر القسبور وبحمرة الطماطم والفلفل المطحونين وببياض الثوم المفتوح والأخظر الغابوي للشمرة والأوريجانو والزعتر.
تأخذ حبة ليمون قطعتها قبلا الى نصفين وتشد عليها قبضتها…فتسيل الحموضة على السمك المنقع. احاول أن أعيد روحي الى مكانها وأسحبها من فيض الرفرفات وغزارة قطرات الليمون في يدها. أنظر الى الدوراد الملكي في يدها وهي تحشو بطنه وأنظر الى الفتحة الطويلة للتنورة على فخذيها وأتابع العمود الفقري في ظهرها... فتتفتح في الأخير شهيتي.
عن ماذا تدور تلك الأشعار التي لم توقف ولو لحظة غنجها؟
لقد مر الكثير من الوقت دون أن أعي ودون أن انتبه الى نصها.
تلك الساعة المعلقة فوق المطبخ لم أرها إلا الآن. سأدخلها عنوة من أحد فتحاتها وسأتربص كحارس أو لص عند عقاربها لأسرق من دقاتها صوتها ومن حركتها زمانها.
الوقت يمر، الربيع يتنسم ويستنشق فواحة عبقها، الظهيرة في أواخرها وأنا لم أتغذ بعد.
أحس بعضات الشهية المفتوحة تنتقل خارج أمعائي. وتحدث ضجيجا لم أعد أسمع معه غنج ازران. فيختفى العقرب من الساعة والفتحة من التنورة والبوح من الصوت. يختفى كل شيء ويتلاشى المطبخ كسراب أمام عيني.
ماذا سآكل هذا الزوال قبل أن أستمر في عملي؟.
الأسماك المعلبة تذكرني فقط بأوقات الشدة. الأكلات الخفيفة عند التركي، لكثرة تعاطي لها، صارت تشبه الأكلات السريعة في مجملها، غذاء يطلقون عليه طعام الزبالة والنفاية.
تذكرت الدوراد، ذلك السمك الملكي الذي ينتظرني وقررت: سأذهب على عادة هذه الدولة وهذا الشعب، سآخذ قطعتين من خبز هولندي وأمسح على ظهرها جبنة هولندية وأقضم طرفا منها بأسناني قبل أن يمضي الزمان وتختفي الشمس من أرض الربيع، والظهيرة من سماء أمستردام.
محمد السقفاتي
ماذا سيكون نصيبي من الاكل في هذا اليوم؟ تساءلت.
شهيتي لم تتفتح للأكل بعد رغم أنني أحس بعضات الجوع وأسنان الشهية وهي تترك أثرا لوخزاتها المتتالية في جنبات أمعائي.
أقضم طرفا من حبها في فمي وأتركه يذوب في الحرارة، على لساني على مهل. أحاول قدر الإمكان أن أتجنب استعمال أسناني كي لا أؤذي حبها، هكذا تسمي الشوكولاته دائما: حبها.
هي هناك… حبي. وحبها يذوبان في فمي وأراها في المطبخ المفتوحة نافذته على البحر الأبيض. أراها وحيدة في تنورتها الخفيفة الراقصة على جسدها العاري والمفتوحة الجنبات على فخذيها اللذين يشكلان شارة مفتوحة على الاكل والنصر.
أنظر إليها وهي تعد طاجينا من السمك الملكي. أستمع الى صوتها المبحوح بدرجات الأنوثة المرتفعة فيه وهي تنشد أشعارا من ‘إزران’ ريفية لم اسمع قط بها من قبل.
جسدي حي وأحس به ينبض، روحي تكاد تتخلص من ثقل جسدي وتنفلت من طبيعتها اللامرئية لتتراقص كفراشة خفية وخفيفة أمام مرآة صوتها الشجي الغنوج.
لم تأبه بي ولم تبال بحركات الرقص التي تتناثر كشقائق نعمان محمرة بعنفوان الحياة أمام المرآة.
تأخذ السمك بحذر وتضعه في راحة يدها اليسرى. تمرر عليه براحة يدها اليمنى بدلال، ماسحة على ظهره ذلك المزيج الملون بأخضر القسبور وبحمرة الطماطم والفلفل المطحونين وببياض الثوم المفتوح والأخظر الغابوي للشمرة والأوريجانو والزعتر.
تأخذ حبة ليمون قطعتها قبلا الى نصفين وتشد عليها قبضتها…فتسيل الحموضة على السمك المنقع. احاول أن أعيد روحي الى مكانها وأسحبها من فيض الرفرفات وغزارة قطرات الليمون في يدها. أنظر الى الدوراد الملكي في يدها وهي تحشو بطنه وأنظر الى الفتحة الطويلة للتنورة على فخذيها وأتابع العمود الفقري في ظهرها... فتتفتح في الأخير شهيتي.
عن ماذا تدور تلك الأشعار التي لم توقف ولو لحظة غنجها؟
لقد مر الكثير من الوقت دون أن أعي ودون أن انتبه الى نصها.
تلك الساعة المعلقة فوق المطبخ لم أرها إلا الآن. سأدخلها عنوة من أحد فتحاتها وسأتربص كحارس أو لص عند عقاربها لأسرق من دقاتها صوتها ومن حركتها زمانها.
الوقت يمر، الربيع يتنسم ويستنشق فواحة عبقها، الظهيرة في أواخرها وأنا لم أتغذ بعد.
أحس بعضات الشهية المفتوحة تنتقل خارج أمعائي. وتحدث ضجيجا لم أعد أسمع معه غنج ازران. فيختفى العقرب من الساعة والفتحة من التنورة والبوح من الصوت. يختفى كل شيء ويتلاشى المطبخ كسراب أمام عيني.
ماذا سآكل هذا الزوال قبل أن أستمر في عملي؟.
الأسماك المعلبة تذكرني فقط بأوقات الشدة. الأكلات الخفيفة عند التركي، لكثرة تعاطي لها، صارت تشبه الأكلات السريعة في مجملها، غذاء يطلقون عليه طعام الزبالة والنفاية.
تذكرت الدوراد، ذلك السمك الملكي الذي ينتظرني وقررت: سأذهب على عادة هذه الدولة وهذا الشعب، سآخذ قطعتين من خبز هولندي وأمسح على ظهرها جبنة هولندية وأقضم طرفا منها بأسناني قبل أن يمضي الزمان وتختفي الشمس من أرض الربيع، والظهيرة من سماء أمستردام.
محمد السقفاتي