حسَن الرّحيبي - كيسَان سَاسبُو حَضَارة الكؤوس الرّاقية أو تْبَارك اللّه علىٰ السّاقي ..

لقد اهتمّ المَغاربة بشرب الشّاي وتقديمه بأحسَن وأجود مَظهر ممكن ، لما كان ولا زال للصّينية من رمزية مَخزنية تدلّ على الفخامة ، والوَجاهة والسلطة المعنوية والحقيقية ، والبذخ الأرستقراطي ، رغم أن الشّاي قدم من آسيا والصّين ، فقد اندمج في ثقافة المغاربة وأصبح جزءً أساسياً في بروتوكولات ولباقة la courtoisie الاستقبال والضّيّافة والتعبير عن الكرم والمجَاملة..

1731612794676.png

مَا حطّوا لينا تا كاس ديَال أتاي !
بل أول ما يقدّم للضّيوف لدى الفقراء والأغنياء سواء ، هو معدات الشاي ابتداءً من نوعية المجمر ، والبابور الراقي ، والمقراش النحاسي الفخم الذي لم يعد اليوم مستعملاً سوى في الاستقبالات المَخزنية المتميزة خلال الاحتفالات الرسمية والأعياد الوطنية ، وخاصةً حين يخرّج سْبولتو بفعل الفاخر المتميز ، مع اختيار طبايلية متخصّصين ، بلباسهم المغربي الأبيض ، مع طقوس خاصة لا يمكن الإخلاَل بها : التّشليلة وتعمار البرّاد وكيفية توزيع الكؤوس ، والتّعبير عن لذة الكأس بالقول :
تبارك الله على مولاَي السّاقي !
مع انتشاء صَانع الشاي ومهيّئه أو الطّبايْلي بالردّ :
هَاهو كمّا جَا من الوَاد كمّا باقي !
كدَليل على صَفاء المَنبع وأصَالته ..
كما أصبح الشّاي جزءً من الثقافة الغذائية المغربية الشعبية ، بعد أن كان ممارسة بروتوكولية للقياد والمخزن فقط في القرن التاسع عشر ، بل تبارى كبار القياد والأرستقراطيين خاصةً بعبدة بإحراق أوراق الفلوس لطبخ الشاي ، وتباهيهم بفرق الشّيخات الجميلاَت والسّمينات ، كدَليل على الأصَالة ورفعة المكانة الاجتماعية مع أداء أغاني العيطة العريقة والرّاقية :
الحَصبة ولّافة وتكبّت الخيل على الخيل ، وحَاجتي في ݣريني ، ومّالفة نعاسَكْ آقايْدي ..
ومن الكؤوس الشّعبية التي اشتهرَت منذ بداية القرن العشرين ، فضلاً كؤوس البلّار الخاصّة بالمراكز العليا ، والتباهي بها أمام مستعمرين فرنسيين ، كانوا في بلادهم مجرد ناس عاديين ، أوغاد أو صَعَاليك ..لكنهم في بلادنا أصبحوا ݣوَرّ ووُجهاء وكبار مُلّاك ونْصَارىٰ ..ناهبين لثرَوات الوطن ، كما أصبحت لهم أسماء متميزة :
الازرَݣ ومنيويل وولد كارنو ولد سَامار saint marc وولد جودَام وولد السّيمّو تاع لحضَر وبونخَيْلة ومدام زابال ومدام بَبّوش ومدام فيفي viviane مَرت pernoud ..
كيسان العنبة وكيسان حياتي وكيسان سَاسبو chassepot ..
في وقت كان الآباء الفقراء يأرون أبناءهم الكثر بعنف بالقول الصّارم :
تناوْب مع خوكْ !
وعند العݣبية عند العودة من أعمال الحقول ، وقد جنحت الشمس نحو الغرب ، تصاب أمي ببعض آلام الرأس ، تتخذها ذريعة يومية لإعداد كأس شاي أدمنت على شربه بعد الزوال :
جاتني العنجة نوضُوا عمّروا لينا شي كاس تاع أتاي..
بينما كانت المرحومة يَامنة بنت بللّيدي تحترف النسيج في الخيام ، وتعشق الشاي بقوة ، وعندما يقدم لها الكأس الساخن خلال زوالاَت الشتاء الباردة ، تستقبله باحترام وتقديس ، فتبدأ بتمريره على جبهتا بلذة واشتياق واستمتاع.. وهي تردد اللّه اللّه..
بينما كان يسمع ولد بن الظاهر المدمن على شرب الشاي انطلاقا من دوار الصّديݣات وهو على هضبة الطالوع يهتف كل يوم بعد الظهر ملء حنجرته :
ها هو طلع ! هاهو طلع !
أما عبدي آخر من الحصبة مبلي ومدمن بدوره.. ومغرم بالأتاي.. كان لما يطلع براد الشاي عند التشحار يطلق عمارة البارود يومياً انتشاء ونزوَة .. وهو ينادي :
الحَبة والبارُود من دَار القايد..

حسَن الرّحيبي..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى