كنتُ أتجول في شوارع القاهرة المحروسة، حين أخذتني قدمي إلى أحد الطرقات، فوجدت فيها مقعدًا شاغرًا. كان التجوال قد أنهكني، فأحببتُ أن آخذَ قسطًا من الراحة قبل أن أكملَ نزهتي. أفكر في أمرٍ يشغلني منذ عدة أيام، بأن أهب كل أموالي لزوجتي في حياتي، حتى لا تجد من يقاسمها في الميراث بعد وفاتي، فتستطيع أن تنفق على نفسها وعلى أبنائنا منه، فيؤمن ذلك لهم حياة رغدة دون الحاجة لأحد من الناس أو الأقارب.
نظرتُ إلى المارة، وأنا أفكر في القصص التي يمكن أن تكون خلف كل إنسان يسير في تلك اللحظة. رجل يسير وهو يرتدي بدلةً أنيقةً، ويحمل حقيبةً، ويبدو أنه اقترض ثمنها من أجل مقابلة للعمل، وخاصةً وهو يحمل ملفًا بلاستيكيًا رخيصًا يحوي بعض الأوراق، فالأغنياء لا يسيرون في الطرقات، بل هم يجلسون خلف مقود السيارة، حتى يصلوا إلى وجهاتهم... هناك أيضًا ذلك العجوز الذي يمسك بجريدةٍ ورقيةٍ مما يدلُّ أنها عادةٌ قديمةٌ لديه، ولا سيما وأن لا أحد يمسك بها الآن؛ بعد أن انتشرت الهواتف الجوالة وأصبحت مصدرًا للأخبار والمعرفة... نظرتُ فوجدتُ امرأةً تحملُ رضيعًا، وتمسكُ بطفلين آخرين يتشبثان بساقيها. تمر بجانبي وهي تصرخ في أطفالها، حتى يكف كل منهم عن الصراخ. يفاجئني من حين لآخر أحد المتسولين الذين يتخذون من التسول حرفة، بطلب المساعدة مع دعوات مكررة بطول العمر والصحة. فإذا فقد الأمل في أن أعطيه شيئًا، يغادر ليجد شخصًا آخر، ومنهم من يقص عليك قصة، بأنه فقد ماله ويريد السفر إلى بلدته ولا يجد ثمن التذكرة. فإذا عرضت عليه شراءها له، يتركك دون أن يلوي على شيء.
استغرقني التفكير في كل تلك المشاهد، ووجدت أن تلك هي الحياة وهذا هو حال الناس. أما أكثر مشهد أثر في نفسي، فهو مشهد المشردين الذين يتخذون من الطرقات مأوى لهم، بملابسهم المتسخة وشعرهم المشعث وأطنان القاذورات على أجسادهم. شعرت بالشفقة تجاههم ورثيت لحالهم، وتابعت سيري حتى أحسست فجأة بالجوع.
توجهت إلى الناصية حيث بائع الكبدة. كانت رائحتها الشهية تعبق المكان، فزاد إحساسي بالجوع. توقفت عنده وحاولت أن أطلب رغيفين، ولكن الكلمات أبت أن تخرج من فمي. صرت أتلعثم، فأشرت إلى أرغفة الكبدة المتراصة على درج العربة وبجانبها حبات الطماطم والفلفل والبهارات. نظر البائع ناحيتي، ثم لوح بالكبشة في يده وهو يصرخ في وجهي لأغرب عنه. أصبح الوضع مريبًا، فأنا لا أدري ماذا حدث له. هل هو يعامل كل الزبائن بتلك الطريقة؟ بدا هذا البائع مجنونًا في نظري. فجأةً، ينشق الطريق عن رجلٍ يبدو على محياه الطيبة والخلق الكريم. يشتري رغيفًا ويعطيه لي وهو يربت على كتفي. أمسكت بالرغيف والتهمته مرة واحدة. وجدت زاوية في الشارع فجلست بها على الأرض.
داهمتني الأفكار والصور، مثل قطار سريع يمضي دون توقف، حتى أنها كانت ملتبسة ومبهمة بشكل كبير. دلفت داخله، فوجدت نفسي داخل نادي رياضي معروف. اعتادت زوجتي أن تمضي المساء مع ابنتي هنا في هذا النادي العريق. ظللت أبحث عنهم. رأيت زوجتي تقف مع رجل غريب يضع يده حول خصرها، وكأنهما خطيبان يمضيان الوقت معًا. في ركن آخر، وجدت ابنتي المراهقة ذات الثامنة عشر عامًا تداعب شعر زميل لها في النادي. يبدو جليًا أن هناك اتفاقًا بينهم على تمضية الوقت بالطريقة التي تناسب كلاً منهما. صرخت في وجههما، فوجدت نفسي خارج المنزل بعد أن أصبح ملكًا لهم. لقد أردت حمايتهم من أخوتي، فإذا بهم يلقون بي على قارعة الطريق.
توقف القطار، فعدت للطريق مرة أخرى. أنظر إلى كل المشردين حولي، فأفكر فيما عسى أن يكون السبب خلف وجودهم المذري هذا على جنبات الشوارع.
نظرتُ إلى المارة، وأنا أفكر في القصص التي يمكن أن تكون خلف كل إنسان يسير في تلك اللحظة. رجل يسير وهو يرتدي بدلةً أنيقةً، ويحمل حقيبةً، ويبدو أنه اقترض ثمنها من أجل مقابلة للعمل، وخاصةً وهو يحمل ملفًا بلاستيكيًا رخيصًا يحوي بعض الأوراق، فالأغنياء لا يسيرون في الطرقات، بل هم يجلسون خلف مقود السيارة، حتى يصلوا إلى وجهاتهم... هناك أيضًا ذلك العجوز الذي يمسك بجريدةٍ ورقيةٍ مما يدلُّ أنها عادةٌ قديمةٌ لديه، ولا سيما وأن لا أحد يمسك بها الآن؛ بعد أن انتشرت الهواتف الجوالة وأصبحت مصدرًا للأخبار والمعرفة... نظرتُ فوجدتُ امرأةً تحملُ رضيعًا، وتمسكُ بطفلين آخرين يتشبثان بساقيها. تمر بجانبي وهي تصرخ في أطفالها، حتى يكف كل منهم عن الصراخ. يفاجئني من حين لآخر أحد المتسولين الذين يتخذون من التسول حرفة، بطلب المساعدة مع دعوات مكررة بطول العمر والصحة. فإذا فقد الأمل في أن أعطيه شيئًا، يغادر ليجد شخصًا آخر، ومنهم من يقص عليك قصة، بأنه فقد ماله ويريد السفر إلى بلدته ولا يجد ثمن التذكرة. فإذا عرضت عليه شراءها له، يتركك دون أن يلوي على شيء.
استغرقني التفكير في كل تلك المشاهد، ووجدت أن تلك هي الحياة وهذا هو حال الناس. أما أكثر مشهد أثر في نفسي، فهو مشهد المشردين الذين يتخذون من الطرقات مأوى لهم، بملابسهم المتسخة وشعرهم المشعث وأطنان القاذورات على أجسادهم. شعرت بالشفقة تجاههم ورثيت لحالهم، وتابعت سيري حتى أحسست فجأة بالجوع.
توجهت إلى الناصية حيث بائع الكبدة. كانت رائحتها الشهية تعبق المكان، فزاد إحساسي بالجوع. توقفت عنده وحاولت أن أطلب رغيفين، ولكن الكلمات أبت أن تخرج من فمي. صرت أتلعثم، فأشرت إلى أرغفة الكبدة المتراصة على درج العربة وبجانبها حبات الطماطم والفلفل والبهارات. نظر البائع ناحيتي، ثم لوح بالكبشة في يده وهو يصرخ في وجهي لأغرب عنه. أصبح الوضع مريبًا، فأنا لا أدري ماذا حدث له. هل هو يعامل كل الزبائن بتلك الطريقة؟ بدا هذا البائع مجنونًا في نظري. فجأةً، ينشق الطريق عن رجلٍ يبدو على محياه الطيبة والخلق الكريم. يشتري رغيفًا ويعطيه لي وهو يربت على كتفي. أمسكت بالرغيف والتهمته مرة واحدة. وجدت زاوية في الشارع فجلست بها على الأرض.
داهمتني الأفكار والصور، مثل قطار سريع يمضي دون توقف، حتى أنها كانت ملتبسة ومبهمة بشكل كبير. دلفت داخله، فوجدت نفسي داخل نادي رياضي معروف. اعتادت زوجتي أن تمضي المساء مع ابنتي هنا في هذا النادي العريق. ظللت أبحث عنهم. رأيت زوجتي تقف مع رجل غريب يضع يده حول خصرها، وكأنهما خطيبان يمضيان الوقت معًا. في ركن آخر، وجدت ابنتي المراهقة ذات الثامنة عشر عامًا تداعب شعر زميل لها في النادي. يبدو جليًا أن هناك اتفاقًا بينهم على تمضية الوقت بالطريقة التي تناسب كلاً منهما. صرخت في وجههما، فوجدت نفسي خارج المنزل بعد أن أصبح ملكًا لهم. لقد أردت حمايتهم من أخوتي، فإذا بهم يلقون بي على قارعة الطريق.
توقف القطار، فعدت للطريق مرة أخرى. أنظر إلى كل المشردين حولي، فأفكر فيما عسى أن يكون السبب خلف وجودهم المذري هذا على جنبات الشوارع.