د. دينا الجميلي - شخصيات فى حياة أبي، أو أعلام فى حياة الجميلي... الدكتور أحمد شوقي عبدالسلام ضيف - تاريخ فى ذمة التاريخ

فى يوم الخميس الثالث عشر من مارس سنة 2005م عوجل إلى رحمة ربه ورضوانه، شيخ الأدباء وعميد النقاد وعمدة مؤرخى الأدب العربى فى كل عصوره الدكتور - أحمد شوقي عبد السلام ضيف - الشهير "بشوقي ضيف" عن خمس وتسعين سنة (95 سنة) إنه تاريخ حافل فى شخص، وجوهرة يتيمة فى نفس .. مؤرخ الأدب يحتاج إلى من يؤرخ إلى أدبه بسطا وتفصيلا وتحليلا، لطول باعه ورسوخ قدمه وضربه فى أعماق البحث لا ضريب له فى ذلك .
كان - رحمه الله - فريد زمانه فات أقرانه وتخطى حدود زمانه وأيَّانه، تميز عن النظراء وأربى على الأكفاء، منقطع القرين واحد الأحاد لا يشق غباره ولا تلحق أثاره.



منذ زهاء ثمانية وعشرون سنة، حرر والدى دراسة عن "شوقى ضيف" فى مجلة الأزهر عدد شعبان سنة 1417 هـ 1996م، فى سبعة صفحات، بناء على طلب أخ وصديق والدى العلامة الأديب فضيلة الأستاذ الدكتور على الخطيب، رئيس تحرير مجلة الأزهر الأسبق رحمه الله.
ودق جرس التليفون بمنزلنا، وكان المتحدث هو الدكتور شوقى ضيف، وكان أول خاطر قفز لذهن والدى أنه ربما أورد شيئا أدنى من المستوى اللائق المطلوب، أو ربما وقع خطأ غير مقصود فى التواريخ والوقائع من سياق السرد التاريخى، أو تناول بعض معلومات المقال طرفا معتبرا من أخص خصوصياته الشخصية والأدبية .. فإذا به يوجه إلى والدى الشكر الجزيل، والامتنان الوافر، والإعجاب الفائق بالدراسة، ودقة رصدها، وتحليلها، وتصويرها للواقع ..
وتعثر والدى خجلا من المفردات التى صاغها الدكتور شوقى ضيف، لأنه رأى أنه غير مستحقا إلى كل هذا، وغلب على ظن أبى أنها مجاملة رقيقة على الرغم أنه لم يكن قد التقى به قبل ذلك .. ثم يدعوا أبى وأسرتنا الصغيرة الى زيارته فى بيته.
وسارع أبى بزيارته فى مجمع اللغة العربية، وهوى على يده ليقبلها فإذا بالشيخ الذى زها وأربى عن الثمانين يصر على ألا يمد يده إلى يد والدى الممدودة إلا بعد أن يقف يسانده أحد تلاميذه من العلماء الحضور، وازداد حرج والدى من التواضع المذهل والتلقائية المفرطة والطراز النادر!!!
وأمر الدكتور شوقى ضيف على الفور المرحوم ابراهيم التارزى، أمين عام المجمع بأن يهدى إلى والدى جميع مطبوعات المجمع اللغوى منذ انشاءه بالمرسوم الملكى سنة 1932م وحتى اليوم .. وشكر له والدى ذلك، وأصر على أن يشيع والدى بنفسه حتى باب مكتبه، ثم أبدى لوالدى رغبته العارمة فى زيارة والدى إلى منزله لأنه يريد التحدث إلى والدى طويلا، وفى غضون بضعة أيام سعى والدى وأسرتنا الصغيرة إليه، وقد استقبلنا نجله الكريم الدكتور المهندس عاصم استقبالا طيبا كريما، وإذا بأستاذنا الجليل يقدم إلى والدى كل مؤلفاته هدية، فاستكثر والدى هذا السخاء الحاتمى، وطمأنه إلى أنه قرأ وأحاط بكل مؤلفاته تقريبا منذ نعومة أظفاره، واكتفى ببعض النسخ فى طبعاتها الحديثة باستثناء البعض منها، إلا أن الشيخ أصر على أن يهدى أبى كل مؤلفاته، وقد سطر فيها كلمات رائعة ممهورة بتوقيعه الكريم، وكان واجبا على والدى أن يقدم الشكر والامتنان عمليا لأستاذه وصديقه الكبيرعند طبع كتابه الفتاوى لاحقا بتصويره واهداءه إليه جزاءا لما طوق به عنق أبى وأعجز به نطقه، وامتدت الأخوة والصداقة بين العالمين الجليلين إلى أن توفى شوقى ضيف - رحمه الله - ولكن لم يمت بتراثه الجليل - فإنه التاريخ فى ذمة التاريخ - وصدق فيه قول الشاعر فى معن ابن زائدة :
أيا قبر معن كيف واريت جــوده *** وقد كان منه البر والبحر مترعا
فتى عيش فى معروفه بعد موته *** كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
من كتاب "أعلام فى حياة الجميلي" تأليفنا
رحماله أبى ورحم الله عمو الدكتور شوقى ضيف
😢

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى