علي لفته سعيد - رحلة الجزائر (1-)

الحلقة الأولى:
ما قبل السفر إلى الجزائر

لم يكن السفر إلى الجزائر سهلاً، هكذا كان الأمر. لكنه لم يكن صعبًا كما يتوقع الكثيرون ممن يضعون المسببات والأسباب التي، في حقيقتها المجردة، ليست عقبات حقيقية. لذا، كانت الخطوات الأولى، التي يمكن أن تُعد المفتاح الأول للحصول على تأشيرة الدخول، قد بدأت قبل أربعة أشهر من السفر وربما أكثر.
راسلتُ عددًا من دور النشر الجزائرية بهدف طبع بعض نتاجي الأدبي تحت ما يُطلق عليه التوزيع الداخلي. كانت سعادتي كبيرة حين وجدتُ أن اسمي سبقني إلى هذه الدور، من خلال اطلاعهم على صفحتي وما أنشره فيها من مقالات وتقارير صحفية، فضلاً عن مقالات تخص الأدباء الجزائريين. إضافةً إلى ما كتبه النقاد في الجزائر عن نتاجي الروائي والشعري، ومنهم الناقد الجزائري حمام محمد الذي أصدر كتابًا عن روايتي (اللذة والألم في الرواية العربية: رواية البدلة البيضاء للسيد الرئيس أنموذجًا)، والذي طبعته دار العوسجي.
لكنني لم أبدأ بمراسلة هذه الدار أولاً، بل راسلت دار إيلياء للنشر، وكانت البداية الحقيقية التي ساهمت في توسيع دائرة الحلم بزيارة الجزائر. بدأ الحديث مع إدارة موقع الدار، ولم أكن أعرف مع من أتحدث، لكنني وجدتُ استجابة حقيقية. وصلتُ إلى مدير الدار، الدكتور عدالة، ثم إلى الدكتور بغداد. ومن هنا، بدأت الخطوة الأولى. وافقوا على طباعة ثلاثة كتب لي: (باب الدروازة- فهم اللعبة- الأدب الغاضب). تفاجأتُ بإرسالهم عقود الطباعة للتوقيع، وبدأ العمل على تصميم الأغلفة. أخبروني أن الكتب ستكون حاضرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب، الذي يطلقون عليه اسم صالون الكتاب.
حينها، قدحت في ذهني فكرة: أن أكون حاضرًا في المعرض، ونقيم حفل توقيع. تفاجأتُ بأن الوعد تحقق فعلاً. قلت لهم إنه تحقيق حلم. أرسلوا لي الدعوة خلال ثلاثة أيام فقط، على ما أتذكر. طلبتُ منهم أن يكون معي الصديق الناقد حيدر جمعة العابدي، فوافقوا بشرط أن يتم طباعة كتاب له حتى تتوفر شروط الدعوة. أرسلنا لهم كتابًا للعابدي، وبدأت رحلة الذهاب إلى السفارة والحصول على الموافقات.
كانت السفارة واحدة من مفاتيح السفر. وبالرغم من كثرة سفري، لم أجد سفارة تستقبل المواطنين بهذه الروح المرحبة والوجوه المبتسمة. وضعوا أمامنا الأوراق المطلوبة، وطلبوا تعبئتها، بما في ذلك الدعوة ورقم هوية صاحب الدار، التي أرسلها لنا الدكتور عدالة مشكورًا لتأكيد أن الدعوة مقدمة من شخصية معنوية معروفة، لها رقم بطاقة وطني.
الأمر المهم في الحصول على التأشيرة كان أن رسوم التأشيرة تُدفع فقط بعد الحصول عليها، خلافًا لبعض السفارات التي تستحصل المبلغ مع تقديم الطلب، ولا تُعيده سواء حصلت على التأشيرة أم لم تحصل.
ومما زاد الأمر تسهيلًا، كان تدخل صديق عراقي-جزائري بطلب مقابلة مع السفير الجزائري في بغداد. كان السفير مرحبًا، واستمر اللقاء لأكثر من ساعة ونصف، تحدثنا خلالها عن عمق العلاقات بين العراق والجزائر وأوجه التشابه بينهما (سيحين الحديث عن المتشابهات لاحقًا).
خلال هذا اللقاء، انفتحت البوابة الثانية. ربما كانت المرة الأولى التي أقابل فيها سفيرًا داخل سفارته، خارج إطار عملي الصحفي الذي كنت ألتقي خلاله بالسفراء عند زيارتهم إلى كربلاء. في تلك المقابلة، أُبلغت بضرورة إيصال الدعوة إلى وزارة الثقافة الجزائرية لتسهيل عملية التحري والقبول، وهو ما حصل. واصل الدكتور بغداد، بناءً على طلب الدكتور عدالة، العمل على تسهيل المهمة.
لم أكن أعرف ملامح أيٍّ منهما، ولم يكن بيننا سوى رسائل عبر الماسنجر والواتساب، لكن القلوب تفتحت على أزهار من المحبة، يفوح عطرها بالتواصل.
في تلك الأثناء، وقبل الحصول على الموافقة، تم الاتفاق مع دار أدليس. كانت المراسلة عبر الفيسبوك، حيث عرضتُ لهم نتاجي وأخبرتهم بنيتي زيارة الجزائر وحضور المعرض. وافقوا على طباعة أربع روايات.( حب عتيق- قلق عتيق- السقشخي- ستاريكس)
عند زيارتي لجناحهم في المعرض، تفاجأتُ بأن صاحب الدار شاب طموح، كثير الحركة، يعرف ماذا يفعل. وكان الأمر ذاته مع دار العوسجي، التي طبعت لي ثلاثة كتب (البدلة البيضاء للسيد الرئيس- الصورة الثالثة - الفكرة وفاعلية الحكاية) صاحبة الدار كانت أكثر ترحيبًا بالأمر. وقد ارسلت الكتب الى الفندق الذي سكنت فيه في العاصمة الجزائر.
كما راسلتُ صاحبة دار العوض، وهي شاعرة لم أكن أعلم أنها صاحبة دار نشر، وتدعى الصديقة سوسن محمود. عندما علمت بالأمر، وافقت على طباعة روايتي (تاريخ المرايا).
كان كل شيء يسير بهدوء الجمال الجزائري، حتى شعرت بالخجل من الرد على هذا الكم من الجمال الذي حظيت به من قبل الدور الأربعة. ربما كنت أكثر أديبٍ عرضت كتبه في المعرض، حيث أُضيف إلى ذلك عرض بعض الدور العربية لما طُبع لي من كتب وشاركت في المعرض. ومنها دار الامير في فرنسا التي شاركت في رواية ( سفينة اسماعيل)
يتبع...

***



==============
1- ما قبل السفر إلى الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى