بكر صدقي - فتى اسطنبول المشاكس أورهان ولي وتيار "الغريب" في الشعر التركي الحديث

في أواخر عقد الثلاثينات من القرن العشرين بدأ أورهان ولي وصديقاه مليح جودت وأوكتاي رفعت بنشر قصائدهم في المجلات الأدبية. تلك القصائد التي شكلت انقلاباً تاماً على معايير الشعر المكرسة في زمانهم شكلاً وموضوعاً. وفي العام 1941 جمع الأصدقاء الثلاثة قصائدهم في مجموعة شعرية مشتركة حملت عنوان "الغريب" تصدرتها مقدمة لأورهان ولي كانت بمثابة البيان الشعري لهذا التيار الذي عرف في تاريخ الأدب التركي أيضاً بتيار التجديد الأول.
في الشكل تخلص أورهان ولي ورفيقاه من الوزن والقافية بوصفهماً "تقييداً للإبداع الشعري"، وألقوا جانباً بالمجاز والتورية وما إلى ذلك من "فنون البديع"، ونزعوا باللغة نحو البساطة بعيداً عن اللغة الإنشائية والشعرية، فاستخدموا مفردات وتعابير اللغة العادية التي يفهمها كل الناس.
وفي المضمون تحرروا من موضوعات الشعر التقليدية، فابتعدوا عن الاشتغال على القضايا الكبرى والمعاني المجردة، وأدار خطابهم الشعري ظهره للنخبة المتعلمة متوجهاً إلى عامة الشعب، فكتبوا عن الحياة اليومية للناس وهمومهم. برز مفهوم الحياة في شعرهم كقيمة عليا، في حين غيّروا النظرة التقليدية إلى الحب والطبيعة. ابتعدوا عن الحماسية والنبرة المرتفعة. بعبارة مختصرة، قضوا على شعرية الشعر بالمقاييس السائدة في عصرهم. لم يخف أورهان ولي تأثره بالحركة السوريالية، لكنه لم يكن مجرد مطبق لمبادئ تلك الحركة، بل قدم ما هو أصيل وجديد.
اتهمهم التقليديون بإفساد الذائقة الشعرية والحط من قيمة الشعر، واتهمهم الماركسيون بالفردانية المتضخمة البورجوازية الصغيرة والابتعاد عن الوظيفة التثويرية للشعر.
بساطة لغتهم وابتعادهم عن فنون القول أغرتا الكثير من الشعراء الجدد بالسير على خطهم إلى حد أنه بات التيار الشائع في الشعر. دفع ذلك أورهان ولي إلى مراجعة مفهومه التجديدي، فعاد في تجاربه المتأخرة للأخذ بما كان تمرد عليه، فاستخدم الوزن والقافية أحياناً، ونزع إلى بعض الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي. وكان سبق لرفيقي دربه أن انفصلا عنه، فبقي الممثل الوحيد المخلص لتيار الغريب.
ولد أورهان ولي في العام 1914 في اسطنبول التي ظهرت في قصائده بحيوية لوحات بالألوان المائية، درس الفلسفة في جامعة اسطنبول، عمل موظفاً في البريد ثم في وزارة التربية التي فصل منها في العام 1947. وظل بلا عمل إلى حين وفاته المبكرة في 1950.
*

إلى الصباح

هذه القصائد أسوأ حتى من العشيقات
أي عذاب تسومني!
بأي حق أُمضي ليلةً كاملة
في خلوة مع بيت شعر وحيد؟
اسمع إذن، هل تسمع
أغنية السطح والمداخن
أو دبيب النمل ينقل الحنطة
إلى وكره؟

أعليّ أن أنتظر شروق الشمس
لأرسل القوافي المستهلكة
مع الزبالين الذين سيصلون إلى الباب،
إلى شاطئ البحر؟

يوسوس لي إبليس قائلاً:
افتح النافذة واصرخ
واصرخ واصرخ إلى الصباح.
*

حلم

رأيت أمي في الحلم وقد ماتت
ذكّرني استيقاظي باكياً
بصباح يوم عيد
بكيت فيه وأنا أرى بالونتي
تبتعد تائهة في السماء.
*

شجرتي

لو أن في حارتي
شجرة أخرى غيرك
لما أحببتك كل هذا الحب
لكني كنتُ أحببتك أكثر
لو أنك تجيدين لعب التزلج
فتلعبين معنا.

شجرتي الجميلة
حين تجف أغصانك
آمل أن نكون
انتقلنا إلى حارة أخرى.
*

أعجز عن التعبير

هل تسمعون صوتي، إذا بكيتُ،
في أبيات شعري؟
هل بوسعكم لمس دموعي
بأيديكم؟

لم أعرف أن الأغنيات بهذا الجمال
وأن الكلمات عاجزة إلى هذا الحد
قبل ابتلائي بهذا المرض.

ثمة مكان أعرفه،
يمكن فيه قول كل شيء
أشعر أنني على مقربة منه
أعجز عن التعبير.
*

بالمجان

نحن نعيش مجاناً
الهواء بالمجان والغيمة بالمجان
الوادي والجبل بالمجان
المطر والوحل بالمجان
السيارات من الخارج
أبواب السينمات
الواجهات الزجاجية بالمجان
الخبز والجبن، لا..
لكن الماء المرّ بالمجان
الحرية بسعر الجمجمة
الأسر بالمجان
نحن نعيش بالمجان.
*

دمرني الجو الجميل

دمرني هذا الجو الجميل
في جو كهذا قدمت استقالتي
من وظيفتي في الأوقاف
أدمنت التبغ في جو كهذا
وقعت في الغرام في جو كهذا
نسيتُ أخذ الخبز والملح إلى البيت
في جو كهذا
مرضي بكتابة الشعر
انتكس دائماً في جو كهذا
دمرني هذا الجو الجميل.
*

وراء الأكمة ما وراءها

هل البحر بهذا الجمال كل يوم؟
هل تبدو السماء على هذه الصورة دائماً؟
أهما دائماً بهذا الجمال،
هذا الأثاث، هذه النافذة؟
لا، ليست كذلك
والله لا
وراء الأكمة ما وراءها.
*
الولد السيئ

تهرب من المدرسة
تصطاد العصافير
تقصد شاطئ البحر
لتتحدث مع رفاق السوء
تشخط على الجدران صوراً بذيئة
لا بأس بكل هذا، لكنك
سوف تحرفني أنا أيضاً عن سواء السبيل
يا لك من ولد سيئ.
*

الحمامات

منذ بعض الوقت
وأنا لا أسمع في النافذة
أصوات الحمام واليمام
ترى أهو السفر انبثق مجدداً في قلبي؟
ما رائحة الطحالب هذه؟
وصخب النوارس في الهواء؟
ما الأمر؟
لا بد أنه السفر
هو السفر.
*

في غاية التعقيد

قلبي مخترقٌ بسهم
على صندوق عامل الطلاء.
حمامتي فوق ورق تغليف الحلوى.
حبيبتي على طرف القارب،
نصفها سمكة
ونصفها امرأة.
هل أنا من الإنس
أم من الجن؟
ما أنا؟
*
السوق المسقوف

تعرف كيف تفوح الثياب غير المستعملة
في العلّيّة.
دكانك يفوح بالرائحة نفسها.
أنت لا تعرف أختي الكبرى
لو عاشت لأصبحت عروساً في يوم الحرية
هذه الغلالات لها
تاج العروس هذا تاجها.
وماذا عن هؤلاء النسوة في الواجهة الزجاجية؟
يرتدين أثواباً زرقاء
وخضراء..
هل يبقين منتصبات على أقدامهن في الليل أيضاً؟
وماذا عن هذا القميص الوردي؟
أليست له حكايته أيضاً؟
لا تستخف بالسوق المسقوف
السوق المسقوف
الصندوق المغلق.
*

أصغي إلى اسطنبول

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين
تهب أولاً نسمة خفيفة
تهتز مهلاً
أوراق الأشجار.
في البعيد، في الأقاصي،
أجراس السقّائين لا تتوقف عن الرنين.
أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.
الطيور تمضي في الأعالي
رفوفاً بصخب.
شبكات الصيد تسحب من الماء.
قدما امرأة تلامسان الماء.
أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.
برودة السوق المسقوف
ازدحام سوق محمود باشا
الباحات مزدحمة بالحمام
أصوات المطارق تسمع من أحواض بناء السفن
روائح التعرق في ريح الربيع الحلوة
أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.
في رأسي نشوة العوالم القديمة
شاليه بمرفأ زوارق معتم
هدأ هدير الرياح فيه
أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.
تمر إحدى الحسناوات على الرصيف
شتائم وأغنيات وقصائد ومعاكسات.
يقع من يدها شيء على الأرض
لا بد أنه وردة
أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين.

أصغي إلى اسطنبول مغمض العينين
عصفور يرفرف على طرف ثوبها
أعرف إن كان جبينك محموماً أم لا
أعرف إن كانت شفتاك رطبتين أم لا
قمر أبيض يبزغ من خلف أشجار الفستق
أعرف ذلك من وجيب قلبك
أصغي إلى اسطنبول.
*

أغنية اسطنبول

في اسطنبول في مضيق البوسفور
فقير أنا يدعى أورهان ولي
ابن إلي
غارقاً في هموم لا توصف.
جالساً على أطلال قلعة روملي
أترنم بأغنية:

"حجارة اسطنبول من الرخام
على رأسي تحط، يا ويلي، طيور النورس
تذرف عيناي دموع الفراق
يا مغناجتي
أنت سبب حالي.
في وسط اسطنبول سينما
لا تخبروا أمي بحالتي المزرية
الناس يتحدثون ويتبادلون الحب، وما شأني؟
محبوبتي
في عنقك وزري!"

في اسطنبول، على مضيق البوسفور
فقير يدعى أورهان ولي
ابن إلي
غارقٌ في هموم لا توصف.
*

من أجل اسطنبول

نيسان

تستحيل كتابة الشعر
إن كنتَ عاشقاً
ويستحيل الامتناع عن كتابته
إن كان الشهر نيسان.

الرغبات والذكريات

الرغبات غير الذكريات.
قل لي كيف يمكن العيش
في مدينة لا تعرف الشمس؟

الحشرات

لا تفكر
ارغب وحسب!
ألا ترى الحشرات تفعل الشيء نفسه؟

دعوة

أنتظرك
تعالي في طقس
يستحيل فيه الرجوع.
*

الناس

أريد أن أراك دائماً
ولكن بالأخص
حين أدرك أنك لا تحبينني
كالناس الذين شاهدتهم في طفولتي
من حضن أمي..
*
تجدد

تخلصت من عشق قديم
باتت جميع النساء جميلات
قميصي جديد
اغتسلتُ
حلقتُ لحيتي
انتهت الحرب
حل الربيع
أشرقت الشمس
خرجت إلى الشارع، الناس مرتاحون
وأنا أيضاً.
*
إلى الحرية

قبل شروق الشمس
والبحر ناصع البياض،
عليك أن تبدأ الرحلة.
في راحتيك شهوة الإمساك بالمجاذيف
وفي قلبك بهجة العمل
سوف ترحل
سوف ترحل على ارتجاجات قوارب الصيد.
ستصادف أسماكاً في طريقك في استقبالك
سوف تفرح
كلما نفضتَ شبكات الصيد
جاءك البحر أسماكاً تلمع
حين تغرق أرواح النوارس في الصمت
في قبورها فوق الصخور
سيندلع فجأة
صخب في الأفق
أهي حوريات البحر، ستتساءل
أم الطيور
أهي أعياد أو احتفالات
غناء وطبول؟
مواكب عرس، أثواب زفاف وغلالات
أم أساطيل؟
هييه!
لم واقف أنت، ألق بنفسك في البحر
لا تأبه إن كان ثمة من ينتظرك
ألا ترى الحرية في كل مكان؟
كن شراعاً كن مجذافاً كن دفةً كن سمكة كن ماء البحر
اذهب أقصى ما تستطيع الذهاب..
*
فراق

1
كان المرفأ يظهر
من نافذته المطلة على أسطح البيوت
وأجراس الكنائس
تقرع بلا توقف، طوال اليوم.
من سريره كان يُسمع صوت القطار
من حين لآخر
في الليل.
وكان في أول حبه لفتاة
في البناء المقابل.
برغم هذا
غادر المدينة
وانتقل إلى مدينة أخرى.
2
تظهر الآن أشجار الحور
في نافذته
على طول القنال.
يهطل المطر في النهار
ويبزغ القمر في الليل
وتقام السوق في الساحة المقابلة.
أما هو، فلديه دائماً ما يفكر فيه
الطريق أو النقود أو الرسائل..
*

الذاهب إلى الحرب

أيها الفتى ذا الشعر الأشقر الذاهب إلى الحرب!
عد جميلاً كما أنت
على شفتيك رائحة البحر
والملح على رموشك.
أيها الفتى ذا الشعر الأشقر الذاهب إلى الحرب!
*

سيأتي يوم

سيأتي يوم فأرحل
في روائح شبكات الصيد الخارجة لتوها من البحر.
أتنقل من جزيرة إلى أخرى
خلف طيور جلم الماء.
ثمة عوالم لا يمكن تصورها
حيث الأزهار تتفتح بصخب
حيث البخار يتصاعد من الأرض بصخب
والنوارس، آه من النوارس
في كل ريشة من أجنحتها اضطراب مختلف!
سيأتي يوم، أكون أزرقاً فيه حتى رأسي
سيأتي يوم، أغرق في الشمس إلى رأسي
سيأتي يوم، كالجنون..
*
عيناي

عيناي
أين عيناي؟

أخذهما الشيطان
ثم أعادهما لأنه
فشل في بيعهما.

عيناي
أين عيناي؟
*
ظلي

ضقت ذرعاً من جره ورائي
على طرف قدميّ طوال سنوات
لنعش قليلاً في هذا العالم
أنا وحدي
وهو وحده.
*

أبتسم

حين أمشي في الشارع وحدي
وأنتبه إلى أنني أبتسم
أفكر بأن الناس سيظنون بي الجنون
فأبتسم..
*

سفني

على صفحات كتاب القراءة
سفني، سفني الشراعية
تسافر إلى بلاد آكلي لحوم البشر
تسافر سفني مائلة على جوانبها
بقلم الرصاص رسمت سفني
ترفع أعلاماً حمراء سفني.
على صفحات كتاب القراءة
"برج البنات"
وسفني.
*

البحر

أعرف، وأنا في غرفتي المجاورة للبحر
من غير أن أنظر من النافذة
أن القوارب التي تعبر
محملة بالبطيخ.

يحب البحر، شأني قديماً،
أن يحرّك مرآته
على سقف غرفتي
ليغيظني.

رائحة الطحالب
وأعمدة قوارب الصيد الراسية على الشاطئ
لا تعني شيئاً
للأولاد المقيمين على الشاطئ.
*

همي مختلف

لا يذهب بك الظن إلى أني مهموم بسبب الشمس
ماذا لو جاء الربيع؟
ماذا لو تفتحت أزهار اللوز؟
فهو لن ينتهي بالموت على أي حال
حتى لو..
هل سأخشى الموت القادم مع الشمس؟
أنا الذي أزداد شباباً مع كل نيسان
وأزداد عشقاً مع كل ربيع
فكيف أخاف؟
آه يا صديقي
همي مختلف..
*

شائعات

من قال إني وقعت في حب سهيلة؟
من رآني من
وأنا أقبّل هيلين
في زقاق يوكسك كالدرم في وضح النهار؟
وأنني اصطحبت ملاحت بعد ذلك
إلى حي علمدار؟
هكذا إذن؟
سأحكي عن ذلك لاحقاً، ولكن
ساق من يقال إني قرصتُ في الترامواي؟
يقال أيضاً إننا تسلطنا على "غلاطة"
حيث نسكر ونسكر.
دعك من كل هذا
شطّب يا صاح
أعرف ما أفعله.
وماذا عن قصة اصطحابي معلّى في القارب
وإرغامي لها على غناء "الفراق في روحي"؟
*
محمود الحالم

لا عمل لي غير هذا
أطلي السماء كل صباح
وكلكم نيام
تستيقظون فترونها زرقاء.

يتمزق البحر أحياناً
لا تعرفون من يخيطه
إنه أنا.

وأحلم أحياناً وأتخيل
هذه مهمتي
أتخيل رأساً فوق رأسي
أتخيل معدةً في معدتي
أتخيل قدماً في قدمي
فلا أعرف كيف أتصرف؟
*

ملقط الشعر

لا القنبلة الذرية تهمها
ولا مؤتمر لندن.
في يدها ملقط الشعر
وفي الأخرى مرآة.
ما همها من العالم؟
*

جسر غلاطة

أقف فوق الجسر
أراقبكم جميعاً باستمتاع
بعضكم يجذّف
بعضكم يُخرج بلح البحر من القوارب
بعضكم يمسك بالدفة على الصندل
بعضكم يشد الحبال
بعضكم طيورٌ تطير بشاعرية
بعضكم أسماك تلتمع
بعضكم بواخر، بعضكم شمندورات
بعضكم غيوم في السماء
بعضكم قوارب بمحركات تمر مسرعة
من تحت الجسر
بعضكم صفارات تصفر
بعضكم دخان يتصاعد
لكنكم جميعاً.. أنتم جميعاً
مهمومون بلقمة الخبز
أأنا وحدي من أهل المتع؟
لا يغرّنكم هذا، قد يأتي عليّ يومٌ
أكتب فيه قصيدةً عنكم
فأحصل على بضعة قروش
وأشبع جوعي مثلكم.
*

الحياة

1
أعرف أن الحياة ليست بهذه السهولة
والعشق والغناء عن الحبيب
والإسراء ليلاً في ضوء النجوم
والاستدفاء نهاراً بضوء الشمس
واقتناص فرصة لنصف نهار
للمجيء خلسةً إلى تلة تشملجة..
حيث الماء يجري في المضيق بألف لون أزرق
للتمكن من نسيان كل شيء في الزرقة.

2
أعرف أن الحياة ليست بالسهلة
ولكن هاك
ما زال سرير أحد الموتى دافئاً
وساعة أحدهم تعمل في معصمه.
ليست الحياة سهلة يا أخوتي
ولا الموت أيضاً
ليس من السهل مغادرة هذا العالم.
*

قصيدة الوحدة

لا يعرف من لم يحي وحيداً
كم يثير الصمت من خوف
كيف يحدّث المرء نفسه
كيف يركض إلى المرايا
في توق إلى كائن آخر
لا يعرفون
*

في سبيل الوطن

ما الذي لم نفعله في سبيل الوطن!
مات بعضنا
وألقى بعضنا الخطابات.
*

يدي اليسرى

وإذ سكرتُ
تذكرتكِ
يا يدي اليسرى
يدي الغرة
يدي المسكينة!
*

زوجة السائق

يا زوجة السائق ارحميني
لا تلوّحي لي هكذا من النافذة
متخلعة متبذلة
أنت تميلين إلى صهرك
أما أنا فأملك شبابي
ليس لي أن أدعه يستنفذ في السجون
لا تورديني المهالك
ارحميني.
*

من أجلكم

من أجلكم يا أخوتي البشر
كل شيء من أجلكم
الليل من أجلكم وكذا النهار
في النهار ضوء النهار، في الليل ضوء القمر
أوراق الشجر في ضوء القمر
الفضول على أوراق الشجر
العقل على أوراق الشجر
ألف أخضر وأخضر في ضوء النهار
الأصفر من أجلكم وكذا الوردي
ملمس الجسد على راحة اليد
ودفؤه
وطراوته
راحة الاضطجاع
التحيات من أجلكم
الصواري تتأرجح في الميناء من أجلكم
وأسماء الأيام
وأسماء الأشهر
وطلاء القوارب
من أجلكم قدما ساعي البريد
ويد السقّاء
العرق يسيل على الجباه
الرصاص يطلق على جبهات القتال
من أجلكم القبور وشواهدها
والسجون والأصفاد وعقوبات الإعدام
من أجلكم
من أجلكم كل شيء
*

ترى هل وقعت في الحب؟

أكان عليّ، أنا أيضاً، أن أغرق في الأفكار
أكان عليّ، أنا أيضاً، أن أحرم النوم
أكان عليّ أن أغرق في الصمت والهدوء؟
أكان عليّ ألا أتوق حتى إلى السَلَطَة
التي أحبها كثيراً؟
أكان عليّ أن أصبح هكذا؟
*

مضطجعة

تمددت بطولها ونامت
ثوبها انحسر قليلاً
رفعت ذراعها، إبطها ظاهرة
وأمسكت بيد صدرها
أعرف أنها لم تفعل بنية خبيثة
أنا أيضاً لا نوايا عندي، ولكن..
هذا غير معقول!
ليس لها أن تنام هكذا!
*

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى