يعاودني الحنين إلى تلك الشجرة، فأقطع مسافات شاسعة كي أصل إليها. هذه الشجرة مثلنا نبتت من التراب وارتفعت برأسها إلى الله فعلمتنا كيف نحب الله والتراب.
إنها تشمخ في أعالي تل العزيزيات، جبارة، عاتية، منتصبة دائماً، صامتة لا تنطق، ولكنها تختلج أحياناً اختلاجات معبرة عندما تصفر الرياح من حولها وتدور من خلال أغصانها العارية ثم تنفلت هاربة إلى الشرق. فلا تخشخش فيها ورقة واحدة. في يوم ما تساقطت أوراقها، ورقة ورقة، كالدموع عندما شوهت الحرب قوامها، فثقب الرصاص صدرها وشقق لحاءها، أما جذورها فبقيت متشبثة بالأرض تريد أن تحتفظ بالتراب الذي تحيا منه وتعيش فيه، والشيء الوحيد الذي يحزنها أنها لا تستطيع أن تظلله وكان لا يزال يوجد في أعلى قمتها بضع وريقات.. مثقوبة تطير حولها العصافير، ثم تغادرها خائبة إلى شجرة أخرى لتبني عشها الأخضر.. يمر الجنود من حولها كل صباح يخبون بأحذيتهم الثقيلة وبأيديهم قصعات الطعام وينظرون إليها نظرات عابرة، ثم يتابعون سيرهم. يعتبرها بعضهم محارباً عظيماً خاض معارك طويلة خرج منها رافع الرأس، ونقشت على صدره أوسمة النصر وبعضهم الآخر يتخيلها أماً عجوزاً فقدت أطفالها فرفعت أذرعها اليابسة إلى السماء.. هنالك جنود حفروا أسماءهم على قشرها ثم عادوا يقرأون ذكرياتهم بأكمام فارغة..
واتكأ عليها آخرون بأرجلهم ثم رجعوا يزورونها على عكاز. بدأت الحرب وتوقفت، واستشهد جنود ورجع الباقون بأوسمتهم، وظلت هذه الشجرة تحرس الحدود عالية راسخة، تدس أنفها بين النجوم، تهزأ بالأرزاء التي لم تستطع أن تخدش جذورها وقد أقسمت أن تحافظ على الأرض التي نبتت فيها وعاشت لها.. ويتتابع الليل والنهار والفصول الأربعة وشجرة البطم حيةٌ خالدة لا يؤنس وحشتها غير ذكريات قريبة وشبان صغار يقرعون أرضها كل يوم بأحذيتهم المسلحة بالمسامير..
منذ أربع سنوات، وإلى يمين هذه الشجرة – قبل أن تشيخ – اصطفت مفرزة الدفاع على تل العزيزيات.. كنت أقف شارداً مستنداً إلى الشجرة عندما سمعت أحدهم يقول لرفيقه وكأنه يعني حديثاً آخر:
- الهواء حار خانق سينشط الناموس هذه الليلة.
وكان آخرون يتحدثون بأصوات خافتة. والرقباء يطوفون برشيشاتهم حول حضائرهم يجرون التفقد.. وطرق سمعي اسم جندي وفد جديداً إلى المفرزة ينادى مرتين فلا يجيب، وهزني اسمه وجعلني أصغي وتمنيت لو أبحث عنه.. كانت المفرزة تضم جنوداً من جميع الأعمار ولكن هذا الجندي بالذات كان يشعرني أنني لا أزال طفلاً صغيراً. ماذا أقول لهم الآن؟ لن أقول شيئاً، سأحدثهم عن أنفسهم أثناء التفتيش فحسب.. ولكن عن أي شيء أفتش؟ أعن زر مقطوع أم عن حذاء وسخ؟.. إن الاشياء لا تهمنا هذه الليلة ما دامت جيوب الرصاص منتفخة والصدور تتوقد حماسة وشجرة البطم وراءنا والعلم العربي يرفرف صاعداً، تمد شجرة البطم أجنحتها إليه.. سأقول لهم:
اسمعوا أيها الأصدقاء، سنحارب معاً في صف واحد، رئيساً ومرؤوساً، نسكن هذه البيوت الطويلة التي حفرناها في أرضنا، إن سعادتكم جميعاً هي سعادتي ما دمتم أنتم سواعدي وحواسي، وهذه شجرة البطم من ورائنا جميعاً تمدنا بالثبات والرسوخ في الأرض التي نبتنا فيها..
ولكن لا.. أريد أن أتحدث عن شيء جديد.. ماذا أقول؟ كانت بنادقهم مضمومة إلى جوانبهم كقطع من أكبادهم وعيونهم تومض بالأفكار التي يضمرونها.. ووقفت أمام العريف حسين وكانت السنون قد منحته رتبته على جبينه وخديه قبل أن يعلق رتبته على ساعده.. فيم تفكر أيها العريف؟
- لا شيء يا سيدي.
وقال لي الوكيل من الخلف:
- لقد صار أباً يا سيدي.
- صحیح.. ما اسمه؟ سمه شبلاً
- .. لا أدري بعد يا سيدي إن كان ذكراً أم أنثى.. فقد دعيت إلى الصف قبل أن أتم قراءة الرسالة..
لا بأس، هناك وليد ينام في سريره لا يحلم بشيء وهنا أبوه يحلم به ويتساءل عن لون عينيه، وقد يعود يوماً هذا الأب ليضم ابنه إلى صدره وقد لا يعود، فينشأ الطفل ويصير رجلاً يتحدث عن أبيه.. جميل أن يكون للإنسان ابن على كل حال لقد قالت لي أمي ذات يوم: يجب أن تتزوج يا ولدي.. اقتصد قليلاً. وسألبي رغبتها لو تحققت ثلاثة شروط صغيرة: الموافقة والمال وأخيراً الزوجة.. وعلى كل إن لهذا الجندي الذي يقف في الخلف رأياً في ذلك وتقدمت إليه.
- أين كنت يا؟..
أجاب الوكيل من الخلف:
- لقد تأخر عن الاجتماع..
لا أدري أكانت مصادفة عجيبة أم خطة مدبرة أن يجتمع ابن ضابط وأب جندي في مفرزة واحدة. الأفضل ألا أفكر في ذلك، يجب أن أكلمه كرئيس وعليه أن يطيع. وبعـد ذلك سأخلو إلى نفسي وسأحاسبها سواء أكنت مخطئاً أم مصيباً.
نظرت إلى عينيه وأنا أحبس في حنجرتي تأنيباً شديد اللهجة:
- عليك أن تحضر لمواجهة آمر السرية.
لم أستطع أن أقول غير ذلك سوى أن أنفلت من الصف متجها نحو العريشة، هائماً على وجهي كمهان راح يثأر.. وفيما كان رأسي يصطدم بالسقف الواطئ سمعت صوت الوكيل يعطي إيعاز إملاء السلاح.. إنها تجربة قاسية كلما رفعت رأسي أمامه شعرت بالانحناء، وكلما علا صوتي فوق صوته أحسست ببحة، كان يأمرني أن أذهب في الليل لألبي له طلباً، والآن آمره أن يواجه آمر المفرزة، ولكن ما يعزيني هو أننا نحارب معاً – الأب والابن – وفي صف واحد. من العسير علي أن أنسى هذه الابتسامة التي كانت تعلو شفتيه. كنت أعرفه كجندي.. كأب أما كمرؤوس. لا بأس. ودفعت رأسي بين كفي.. ومن خلال أصابعي لمحت شبحاً يحني هامته ثم يدخل وعلى قيد ست خطوات وقف والدي أمامي وقفة استعداد.
- ينبغي أن يعلم الجميع أنني أنا ابنك وأنك أنت والدي..
- تمهل يا ولدي.. إنها فكرة لم تنضج بعد.
- لا.. بل يجب أن يعرفوا جميعاً.. لا تضحك هكذا، من المستحيل أن تدرك مشاعري.. إنني أتعذب.
- أكاد أشك في أنك الشاب نفسه الذي كنت أعرفه. ألم تمر بك ظروف قاسية بعد؟ لم إذن هذه الثورة..؟ ترى ألا تدرك كم أنا فخور بك؟ أيجب علي أن أفسر لك ذلك، سوف تدرك كل شيء غداً. وما الفائدة من أن يعلم الجميع أنك ولدي..
- يمكنني على الأقل أن أتخلص من هذه المشاعر التي تخنق صدري.
- اسمع يا ولدي يا رسلان.. يا سيدي الملازم.. إنني جندي وأنت ضابط، هل تدرك ما سيحدث لو علم الآخرون غير ذلك؟ سيقولون إنني أبو الملازم رسلان وسيقولون إنك ابن الجندي فلان، وسيصهروننا في بوتقة واحدة..
وصمت والدي ووقفت أتطلع من كوة العريشة إلى الجنود وهم يزحفون إلى كمائنهم متفرقين في حضائر طويلة متسترين ينبضون كشرايين الدماء التي تنبع في صدر الحياة.. لا أدري فيم كنت أفكر، حسبي أن أخفي وجهي عن عيني والدي الحادتين اللتين تكادان تخترقان رأسي لتعلما ما يجول فيه، وسمعت صوت أحد الجنود يقول لرفيقه:
- ترى هل لها عينان زرقاوان؟
- ولكن عيني سوداوان.. وعرفت أنهما يتكلمان عن الوليد.
- ألم تقل أن لأمها عيناً من زجاج؟
وعرفت أنها يتكلمان عن الوليد ورن فوق الجميع صوت خشن مألوف:
- هس، بلا لغو خمس خطوات مسافة دون قرقعة..
ودلف الرئيس (نضال) إلى العريشة بقامته الممشوقة وقال بخشونة:
- ماذا يفعل هذا الجندي هنا؟ يمكنك أن تأمره بالانصراف.
والتفت إلى والدي فلم أجده..
- اسمع يا رسلان.. إن رفاقنا اخترقوا الجبهة من قطاعين وهم يتقدمون باستمرار وفئات اليهود تتحطم على صخورنا اليابسة وتذوب فقاعاتها. وهم ككل جسم إذا ما ضغط أحد أطرافه اندفع الطرف الآخر منه. أريد أن تكون هذه الليلة حاضر البديهة صافي الذهن..
ثم اقترب قليلاً وتفرس في وجهي:
- ما بك هل يؤلمك رأسك؟ إنني لا أحب العيون الحمر.
وتمنطقت بمسدسي وهممت بالخروج فسألني:
- هل عينت راصداً أمامياً؟
- رصاد الأمس أنفسهم
- نبئت أن هذا الجندي الكهل يحب السهر، فعينه حتى منتصف الليل.
وكان يشير إلى والدي.
ووقفت فوق صخرة عالية أبحث عن ذرة هواء.. وزحف الصمت مع الليل وجثما على التلال المجاورة وغطيا السهول والأودية.. وترجرج الشفق الأحمر قليلاً فوق جبال الجليل ثم حجبته غيوم بيضاء وأصبح البصر مهما امتد لا يرى إلى أبعد من خمس خطوات دون أن يميز الحجر من الخوذة بل يخال إن الحجارة تتحرك..
في هذه اللحظات يتنحنح المرء ليسمع صوت نفسه، ويظل صدى حنجرته يدوي طويلاً حتى يسمع أنين ناموسة جائعة فيتسلى بأنغامها الكئيبة حتى تهبط فوق وجهه فيرفع يده بقوة ثم يسحقها وسواء أأحس بدمائها اللزجة تلوث وجهه أم لم يحس فهو لا بد سامع صوتها من جديد تئز فوق رأسه. وأخذ الوقت يزحف بطيئاً ثقيلاً يجر وراءه حلك الظلام والصمت.
ورجعت إلى العريشة فوجدت الرئيس يمزق بعض الأوراق وسألني:
- كم تحمل من الخرطوش؟
- خمسين طلقة.
- خذ خمسين أخرى، تفقد خطوط الهاتف سأتصل بك في الكمين الأيمن. ابق هنا ريثما تأتيك أوامر جديدة. أنزل جنديين إلى الوادي وزودهما بفشك الاشارة.
- سأفعل ذلك يا سيدي.
لصقت كميَّ ببعضها ورفعت يدي ثم استدرت ففاجأني:
- من هذا الجندي الذي كان هنا؟
ورن جرس الهاتف فتلقفه بسرعة ووضعه على أذنه: ألو.. ألو.. نعم.. من؟ ألو.. وصمت قليلاً ثم هز السماعة ونفخ فيها وقد اربدت سحنته وهزها مرة ثانية وصاح ألو.. ثم ألقى بها إلى الأرض مهمهماً:
- لقد قطع الخط..
وتقدم خطوتين ثم رجع وجال بنظره وسط العريشة وأطفأ الشمعة. واتكأت جانب الرئيس إلى الشجرة، وقال لي بسهوم:
- هل أحدثت بنفسك هذه الشجرة أثراً؟
- أراك يا سيدي تشاركني التفكير فيها. قال: نعم إنها جندي عظيم (وحاول أن يعانقها ويهزها..)
- إنها راسخة كالطود حبذا لو سلمناها مدفعاً و..
... الهاتف مرة ثانية. وعاد الرئيس بسرعة وسمعته يصيح: انتظروا لا تطلقوا النار.
إن من مبادئ احتقار العدو والاستهتار به أن تدعه يتقدم إليك وأنت مكتوف اليدين ثم على بعد خطوة واحدة تعالجه بلطمة شديدة فإن لم يمت من اللطمة مات من الخوف.
كانت رشاشاتنا مسلطة على الوادي الأيمن والسهل المنبسط أمام التل. وكانت نيرانها متشابكة لدرجة يصعب فيها تسرب نملة ضائعة. شيء واحد يجعل أزندة الأسلحة تنحني إلى الخلف فتلهب الأرض وتحصد ما عليها. هذا الشيء هو طلقة من الراصد أو صيحة إنذار. وكنت في كميني عينين ثاقبتين وأذنين تستنطقان الحجارة الصماء. واقتربت من الرامي هامساً:
- كيف حال رشيشك؟
- لقد نفد صبره وصبري منذ عشر دقائق وأنا أسمع ارتطام رؤوسهم بالأحجار.. إني أخشى..
- ماذا؟
- أخشى أن يكون الراصد.
وفجأة نطق الراصد.. إذ انطلقت بندقيته خمس مرات متعاقبة وتلا ذلك انفجار نيران بندقية رشاشة بعثت رصاصاتها المتساقطة حولنا نوافير صغيرة من التراب وقطع الحجارة. وأزَّ الرصاص وصفر، وراحت القذائف تمزق الأرض غضباً وتصرخ في انطلاقها صراخاً يبدد سكينة الليل والسماء.. وكأنما فوجئ العدو بالشياطين تنبع من بين أقدامه فأخذ يتراكض ويدور حول نفسه بهياج شديد. وارتفعت أصوات صادرة آمرة، مملوءة (بالشينات والميمات والخاءات) ونكص اليهود مهرولين متلفتين كل ناحية مقوقين كالإوز، وانطرحوا متشبثين بالأحجار والرصاص يتواثب من حولهم كنفوسهم التي تتطاير شعاعاً، وارتجفت الأرض وانطلقت قذيفة عدوة تصلي التل ناراً محشرجة، وحبست رشيشاتنا أصواتها تستعد لصيحة جديدة. وكمن يخبط خبط عشواء أخذت قذائف المدفعية العدوة تتساقط من ورائنا محدثة أصواتاً مجنونة وانقلب الليل إلى جحيم. وفي هذه اللحظات لا يقاس الوقت بالدقائق بل بمقدار المفاجآت والحوادث.
- ما هذا الصياح؟..
- إنه الراصد ما زال في الأمام ويأبى أن يتراجع.
- كيف، هل جن؟..
- كلا ولكنه ج.. جرح.
وتحت شجرة البطم كان أبي يستلقي في نقالة خشبية، وقذائف العدو تتساقط باستمرار تظهر في نورها الأزرق خوذ الجنود راسخة كالأبراج براقة كسنان الرماح ثم تنفجر كصيحة جريح يائس فتهتز شجرة البطم وتسقط منها بضع أوراق جافة..
ونهض أبي من النقالة يريد أن يلقي بنفسه من أعلى التل..
- لماذا؟ لماذا أتيت إلى هنا.. ألأحمل كالأطفال؟..
- مهلاً يا أبي. انتظر قليلاً سنرجع الآن معاً.
- أراد الكلاب أن يفاجئوني.. ارفعوا أيديكم عن صدري لست جريحاً أريد ماء فقط..
وأخذ يزدرد ريقه كما تزدرد ورقة نشاف الماء.
- افتحوا الباب.. أخرجوني من هذه الغرفة المظلمة.. وسبح وجهه في عرق بارد..
- أعطني المطرة، إنها هنا (وتحسس جنبه) آه.. أين هي؟ سرقتها.. سرقوها؟..
ووضعت فوهة المطرة بين شفتيه وأخذت أسكب الماء.. ففتح عينيه وأخذ يبتسم:
- والآن ماذا تريد مني؟ لماذا لا تتركني أذهب في طريقي؟ اتركني أمت على السلاح.. أين بندقيتي؟ أراني أحنث باليمين..
وأغمض عينيه وأخذ يغمغم..
لقد أقسمت في يوم ما ألا اموت إلا على السلاح، وألا أهجر رفيقي في المعركة وأن أناضل حتى الرمق الاخير.. وأن.. أين البندقية؟
- ها هي خذ.
- دعها الآن كيما أستريح.. هل تظنني جرحت؟ (واستأنف صلاته) وأقسمت أن أحترم دين أجدادي أين جدي؟ لقد شنقه الأتراك وأين جدك؟ أعدمه الفرنسيون.. لقد ماتوا دون أن يتركوا لنا سوى الأمل، آمالهم جميعاً.. أين المطرة؟
وسكبت فوق وجهه الماء، فتنهد وأطبق شفتيه.. وأخذ ينظر إلي..
لقد مات جدك دون أن يطلب مني أن أبني له قبراً من رخام، كان يريدني فقط أن أتم الرسالة التي بدأها. هأنذا لم أمت.. ولن أموت ما دمت أنت ولدي، ستسلك الطريق نفسها.
ورفع يده وتحسس وجهي..
دعني أسترح ولا تجعل لموتي ضجة. إننا نفقد شرف التضحية عندما نعول فوق رؤوس شهدائنا دعنا نمت بصمت فذلك عمل خالد.
ورفع رأسه ومد يده إلى الأرض وغرس ساعده في التراب.
- انظر إلى هذا التراب، كنت أسكن فيه فسمعته يناديني بصمت إنني ظامئ. اسقني قليلاً من دمك لأنبت لك شجرة الحرية..
وضم قبضته إلى صدره وأطبق جفنيه وغمغم: أيتها الشجرة ضميني إليك أنت التي لن تنامي يوماً على نقالة.
لا تزال شجرة البطم منتصبة صامتة، وتل العزيزيات لم يفقد سوى قبضه من تراب أطبق عليها والدي بأصابعه وظل يضمها إلى صدره الدامي وروحه تصعد الى السماء.
إنها تشمخ في أعالي تل العزيزيات، جبارة، عاتية، منتصبة دائماً، صامتة لا تنطق، ولكنها تختلج أحياناً اختلاجات معبرة عندما تصفر الرياح من حولها وتدور من خلال أغصانها العارية ثم تنفلت هاربة إلى الشرق. فلا تخشخش فيها ورقة واحدة. في يوم ما تساقطت أوراقها، ورقة ورقة، كالدموع عندما شوهت الحرب قوامها، فثقب الرصاص صدرها وشقق لحاءها، أما جذورها فبقيت متشبثة بالأرض تريد أن تحتفظ بالتراب الذي تحيا منه وتعيش فيه، والشيء الوحيد الذي يحزنها أنها لا تستطيع أن تظلله وكان لا يزال يوجد في أعلى قمتها بضع وريقات.. مثقوبة تطير حولها العصافير، ثم تغادرها خائبة إلى شجرة أخرى لتبني عشها الأخضر.. يمر الجنود من حولها كل صباح يخبون بأحذيتهم الثقيلة وبأيديهم قصعات الطعام وينظرون إليها نظرات عابرة، ثم يتابعون سيرهم. يعتبرها بعضهم محارباً عظيماً خاض معارك طويلة خرج منها رافع الرأس، ونقشت على صدره أوسمة النصر وبعضهم الآخر يتخيلها أماً عجوزاً فقدت أطفالها فرفعت أذرعها اليابسة إلى السماء.. هنالك جنود حفروا أسماءهم على قشرها ثم عادوا يقرأون ذكرياتهم بأكمام فارغة..
واتكأ عليها آخرون بأرجلهم ثم رجعوا يزورونها على عكاز. بدأت الحرب وتوقفت، واستشهد جنود ورجع الباقون بأوسمتهم، وظلت هذه الشجرة تحرس الحدود عالية راسخة، تدس أنفها بين النجوم، تهزأ بالأرزاء التي لم تستطع أن تخدش جذورها وقد أقسمت أن تحافظ على الأرض التي نبتت فيها وعاشت لها.. ويتتابع الليل والنهار والفصول الأربعة وشجرة البطم حيةٌ خالدة لا يؤنس وحشتها غير ذكريات قريبة وشبان صغار يقرعون أرضها كل يوم بأحذيتهم المسلحة بالمسامير..
منذ أربع سنوات، وإلى يمين هذه الشجرة – قبل أن تشيخ – اصطفت مفرزة الدفاع على تل العزيزيات.. كنت أقف شارداً مستنداً إلى الشجرة عندما سمعت أحدهم يقول لرفيقه وكأنه يعني حديثاً آخر:
- الهواء حار خانق سينشط الناموس هذه الليلة.
وكان آخرون يتحدثون بأصوات خافتة. والرقباء يطوفون برشيشاتهم حول حضائرهم يجرون التفقد.. وطرق سمعي اسم جندي وفد جديداً إلى المفرزة ينادى مرتين فلا يجيب، وهزني اسمه وجعلني أصغي وتمنيت لو أبحث عنه.. كانت المفرزة تضم جنوداً من جميع الأعمار ولكن هذا الجندي بالذات كان يشعرني أنني لا أزال طفلاً صغيراً. ماذا أقول لهم الآن؟ لن أقول شيئاً، سأحدثهم عن أنفسهم أثناء التفتيش فحسب.. ولكن عن أي شيء أفتش؟ أعن زر مقطوع أم عن حذاء وسخ؟.. إن الاشياء لا تهمنا هذه الليلة ما دامت جيوب الرصاص منتفخة والصدور تتوقد حماسة وشجرة البطم وراءنا والعلم العربي يرفرف صاعداً، تمد شجرة البطم أجنحتها إليه.. سأقول لهم:
اسمعوا أيها الأصدقاء، سنحارب معاً في صف واحد، رئيساً ومرؤوساً، نسكن هذه البيوت الطويلة التي حفرناها في أرضنا، إن سعادتكم جميعاً هي سعادتي ما دمتم أنتم سواعدي وحواسي، وهذه شجرة البطم من ورائنا جميعاً تمدنا بالثبات والرسوخ في الأرض التي نبتنا فيها..
ولكن لا.. أريد أن أتحدث عن شيء جديد.. ماذا أقول؟ كانت بنادقهم مضمومة إلى جوانبهم كقطع من أكبادهم وعيونهم تومض بالأفكار التي يضمرونها.. ووقفت أمام العريف حسين وكانت السنون قد منحته رتبته على جبينه وخديه قبل أن يعلق رتبته على ساعده.. فيم تفكر أيها العريف؟
- لا شيء يا سيدي.
وقال لي الوكيل من الخلف:
- لقد صار أباً يا سيدي.
- صحیح.. ما اسمه؟ سمه شبلاً
- .. لا أدري بعد يا سيدي إن كان ذكراً أم أنثى.. فقد دعيت إلى الصف قبل أن أتم قراءة الرسالة..
لا بأس، هناك وليد ينام في سريره لا يحلم بشيء وهنا أبوه يحلم به ويتساءل عن لون عينيه، وقد يعود يوماً هذا الأب ليضم ابنه إلى صدره وقد لا يعود، فينشأ الطفل ويصير رجلاً يتحدث عن أبيه.. جميل أن يكون للإنسان ابن على كل حال لقد قالت لي أمي ذات يوم: يجب أن تتزوج يا ولدي.. اقتصد قليلاً. وسألبي رغبتها لو تحققت ثلاثة شروط صغيرة: الموافقة والمال وأخيراً الزوجة.. وعلى كل إن لهذا الجندي الذي يقف في الخلف رأياً في ذلك وتقدمت إليه.
- أين كنت يا؟..
أجاب الوكيل من الخلف:
- لقد تأخر عن الاجتماع..
لا أدري أكانت مصادفة عجيبة أم خطة مدبرة أن يجتمع ابن ضابط وأب جندي في مفرزة واحدة. الأفضل ألا أفكر في ذلك، يجب أن أكلمه كرئيس وعليه أن يطيع. وبعـد ذلك سأخلو إلى نفسي وسأحاسبها سواء أكنت مخطئاً أم مصيباً.
نظرت إلى عينيه وأنا أحبس في حنجرتي تأنيباً شديد اللهجة:
- عليك أن تحضر لمواجهة آمر السرية.
لم أستطع أن أقول غير ذلك سوى أن أنفلت من الصف متجها نحو العريشة، هائماً على وجهي كمهان راح يثأر.. وفيما كان رأسي يصطدم بالسقف الواطئ سمعت صوت الوكيل يعطي إيعاز إملاء السلاح.. إنها تجربة قاسية كلما رفعت رأسي أمامه شعرت بالانحناء، وكلما علا صوتي فوق صوته أحسست ببحة، كان يأمرني أن أذهب في الليل لألبي له طلباً، والآن آمره أن يواجه آمر المفرزة، ولكن ما يعزيني هو أننا نحارب معاً – الأب والابن – وفي صف واحد. من العسير علي أن أنسى هذه الابتسامة التي كانت تعلو شفتيه. كنت أعرفه كجندي.. كأب أما كمرؤوس. لا بأس. ودفعت رأسي بين كفي.. ومن خلال أصابعي لمحت شبحاً يحني هامته ثم يدخل وعلى قيد ست خطوات وقف والدي أمامي وقفة استعداد.
- ينبغي أن يعلم الجميع أنني أنا ابنك وأنك أنت والدي..
- تمهل يا ولدي.. إنها فكرة لم تنضج بعد.
- لا.. بل يجب أن يعرفوا جميعاً.. لا تضحك هكذا، من المستحيل أن تدرك مشاعري.. إنني أتعذب.
- أكاد أشك في أنك الشاب نفسه الذي كنت أعرفه. ألم تمر بك ظروف قاسية بعد؟ لم إذن هذه الثورة..؟ ترى ألا تدرك كم أنا فخور بك؟ أيجب علي أن أفسر لك ذلك، سوف تدرك كل شيء غداً. وما الفائدة من أن يعلم الجميع أنك ولدي..
- يمكنني على الأقل أن أتخلص من هذه المشاعر التي تخنق صدري.
- اسمع يا ولدي يا رسلان.. يا سيدي الملازم.. إنني جندي وأنت ضابط، هل تدرك ما سيحدث لو علم الآخرون غير ذلك؟ سيقولون إنني أبو الملازم رسلان وسيقولون إنك ابن الجندي فلان، وسيصهروننا في بوتقة واحدة..
وصمت والدي ووقفت أتطلع من كوة العريشة إلى الجنود وهم يزحفون إلى كمائنهم متفرقين في حضائر طويلة متسترين ينبضون كشرايين الدماء التي تنبع في صدر الحياة.. لا أدري فيم كنت أفكر، حسبي أن أخفي وجهي عن عيني والدي الحادتين اللتين تكادان تخترقان رأسي لتعلما ما يجول فيه، وسمعت صوت أحد الجنود يقول لرفيقه:
- ترى هل لها عينان زرقاوان؟
- ولكن عيني سوداوان.. وعرفت أنهما يتكلمان عن الوليد.
- ألم تقل أن لأمها عيناً من زجاج؟
وعرفت أنها يتكلمان عن الوليد ورن فوق الجميع صوت خشن مألوف:
- هس، بلا لغو خمس خطوات مسافة دون قرقعة..
ودلف الرئيس (نضال) إلى العريشة بقامته الممشوقة وقال بخشونة:
- ماذا يفعل هذا الجندي هنا؟ يمكنك أن تأمره بالانصراف.
والتفت إلى والدي فلم أجده..
- اسمع يا رسلان.. إن رفاقنا اخترقوا الجبهة من قطاعين وهم يتقدمون باستمرار وفئات اليهود تتحطم على صخورنا اليابسة وتذوب فقاعاتها. وهم ككل جسم إذا ما ضغط أحد أطرافه اندفع الطرف الآخر منه. أريد أن تكون هذه الليلة حاضر البديهة صافي الذهن..
ثم اقترب قليلاً وتفرس في وجهي:
- ما بك هل يؤلمك رأسك؟ إنني لا أحب العيون الحمر.
وتمنطقت بمسدسي وهممت بالخروج فسألني:
- هل عينت راصداً أمامياً؟
- رصاد الأمس أنفسهم
- نبئت أن هذا الجندي الكهل يحب السهر، فعينه حتى منتصف الليل.
وكان يشير إلى والدي.
ووقفت فوق صخرة عالية أبحث عن ذرة هواء.. وزحف الصمت مع الليل وجثما على التلال المجاورة وغطيا السهول والأودية.. وترجرج الشفق الأحمر قليلاً فوق جبال الجليل ثم حجبته غيوم بيضاء وأصبح البصر مهما امتد لا يرى إلى أبعد من خمس خطوات دون أن يميز الحجر من الخوذة بل يخال إن الحجارة تتحرك..
في هذه اللحظات يتنحنح المرء ليسمع صوت نفسه، ويظل صدى حنجرته يدوي طويلاً حتى يسمع أنين ناموسة جائعة فيتسلى بأنغامها الكئيبة حتى تهبط فوق وجهه فيرفع يده بقوة ثم يسحقها وسواء أأحس بدمائها اللزجة تلوث وجهه أم لم يحس فهو لا بد سامع صوتها من جديد تئز فوق رأسه. وأخذ الوقت يزحف بطيئاً ثقيلاً يجر وراءه حلك الظلام والصمت.
ورجعت إلى العريشة فوجدت الرئيس يمزق بعض الأوراق وسألني:
- كم تحمل من الخرطوش؟
- خمسين طلقة.
- خذ خمسين أخرى، تفقد خطوط الهاتف سأتصل بك في الكمين الأيمن. ابق هنا ريثما تأتيك أوامر جديدة. أنزل جنديين إلى الوادي وزودهما بفشك الاشارة.
- سأفعل ذلك يا سيدي.
لصقت كميَّ ببعضها ورفعت يدي ثم استدرت ففاجأني:
- من هذا الجندي الذي كان هنا؟
ورن جرس الهاتف فتلقفه بسرعة ووضعه على أذنه: ألو.. ألو.. نعم.. من؟ ألو.. وصمت قليلاً ثم هز السماعة ونفخ فيها وقد اربدت سحنته وهزها مرة ثانية وصاح ألو.. ثم ألقى بها إلى الأرض مهمهماً:
- لقد قطع الخط..
وتقدم خطوتين ثم رجع وجال بنظره وسط العريشة وأطفأ الشمعة. واتكأت جانب الرئيس إلى الشجرة، وقال لي بسهوم:
- هل أحدثت بنفسك هذه الشجرة أثراً؟
- أراك يا سيدي تشاركني التفكير فيها. قال: نعم إنها جندي عظيم (وحاول أن يعانقها ويهزها..)
- إنها راسخة كالطود حبذا لو سلمناها مدفعاً و..
... الهاتف مرة ثانية. وعاد الرئيس بسرعة وسمعته يصيح: انتظروا لا تطلقوا النار.
إن من مبادئ احتقار العدو والاستهتار به أن تدعه يتقدم إليك وأنت مكتوف اليدين ثم على بعد خطوة واحدة تعالجه بلطمة شديدة فإن لم يمت من اللطمة مات من الخوف.
كانت رشاشاتنا مسلطة على الوادي الأيمن والسهل المنبسط أمام التل. وكانت نيرانها متشابكة لدرجة يصعب فيها تسرب نملة ضائعة. شيء واحد يجعل أزندة الأسلحة تنحني إلى الخلف فتلهب الأرض وتحصد ما عليها. هذا الشيء هو طلقة من الراصد أو صيحة إنذار. وكنت في كميني عينين ثاقبتين وأذنين تستنطقان الحجارة الصماء. واقتربت من الرامي هامساً:
- كيف حال رشيشك؟
- لقد نفد صبره وصبري منذ عشر دقائق وأنا أسمع ارتطام رؤوسهم بالأحجار.. إني أخشى..
- ماذا؟
- أخشى أن يكون الراصد.
وفجأة نطق الراصد.. إذ انطلقت بندقيته خمس مرات متعاقبة وتلا ذلك انفجار نيران بندقية رشاشة بعثت رصاصاتها المتساقطة حولنا نوافير صغيرة من التراب وقطع الحجارة. وأزَّ الرصاص وصفر، وراحت القذائف تمزق الأرض غضباً وتصرخ في انطلاقها صراخاً يبدد سكينة الليل والسماء.. وكأنما فوجئ العدو بالشياطين تنبع من بين أقدامه فأخذ يتراكض ويدور حول نفسه بهياج شديد. وارتفعت أصوات صادرة آمرة، مملوءة (بالشينات والميمات والخاءات) ونكص اليهود مهرولين متلفتين كل ناحية مقوقين كالإوز، وانطرحوا متشبثين بالأحجار والرصاص يتواثب من حولهم كنفوسهم التي تتطاير شعاعاً، وارتجفت الأرض وانطلقت قذيفة عدوة تصلي التل ناراً محشرجة، وحبست رشيشاتنا أصواتها تستعد لصيحة جديدة. وكمن يخبط خبط عشواء أخذت قذائف المدفعية العدوة تتساقط من ورائنا محدثة أصواتاً مجنونة وانقلب الليل إلى جحيم. وفي هذه اللحظات لا يقاس الوقت بالدقائق بل بمقدار المفاجآت والحوادث.
- ما هذا الصياح؟..
- إنه الراصد ما زال في الأمام ويأبى أن يتراجع.
- كيف، هل جن؟..
- كلا ولكنه ج.. جرح.
وتحت شجرة البطم كان أبي يستلقي في نقالة خشبية، وقذائف العدو تتساقط باستمرار تظهر في نورها الأزرق خوذ الجنود راسخة كالأبراج براقة كسنان الرماح ثم تنفجر كصيحة جريح يائس فتهتز شجرة البطم وتسقط منها بضع أوراق جافة..
ونهض أبي من النقالة يريد أن يلقي بنفسه من أعلى التل..
- لماذا؟ لماذا أتيت إلى هنا.. ألأحمل كالأطفال؟..
- مهلاً يا أبي. انتظر قليلاً سنرجع الآن معاً.
- أراد الكلاب أن يفاجئوني.. ارفعوا أيديكم عن صدري لست جريحاً أريد ماء فقط..
وأخذ يزدرد ريقه كما تزدرد ورقة نشاف الماء.
- افتحوا الباب.. أخرجوني من هذه الغرفة المظلمة.. وسبح وجهه في عرق بارد..
- أعطني المطرة، إنها هنا (وتحسس جنبه) آه.. أين هي؟ سرقتها.. سرقوها؟..
ووضعت فوهة المطرة بين شفتيه وأخذت أسكب الماء.. ففتح عينيه وأخذ يبتسم:
- والآن ماذا تريد مني؟ لماذا لا تتركني أذهب في طريقي؟ اتركني أمت على السلاح.. أين بندقيتي؟ أراني أحنث باليمين..
وأغمض عينيه وأخذ يغمغم..
لقد أقسمت في يوم ما ألا اموت إلا على السلاح، وألا أهجر رفيقي في المعركة وأن أناضل حتى الرمق الاخير.. وأن.. أين البندقية؟
- ها هي خذ.
- دعها الآن كيما أستريح.. هل تظنني جرحت؟ (واستأنف صلاته) وأقسمت أن أحترم دين أجدادي أين جدي؟ لقد شنقه الأتراك وأين جدك؟ أعدمه الفرنسيون.. لقد ماتوا دون أن يتركوا لنا سوى الأمل، آمالهم جميعاً.. أين المطرة؟
وسكبت فوق وجهه الماء، فتنهد وأطبق شفتيه.. وأخذ ينظر إلي..
لقد مات جدك دون أن يطلب مني أن أبني له قبراً من رخام، كان يريدني فقط أن أتم الرسالة التي بدأها. هأنذا لم أمت.. ولن أموت ما دمت أنت ولدي، ستسلك الطريق نفسها.
ورفع يده وتحسس وجهي..
دعني أسترح ولا تجعل لموتي ضجة. إننا نفقد شرف التضحية عندما نعول فوق رؤوس شهدائنا دعنا نمت بصمت فذلك عمل خالد.
ورفع رأسه ومد يده إلى الأرض وغرس ساعده في التراب.
- انظر إلى هذا التراب، كنت أسكن فيه فسمعته يناديني بصمت إنني ظامئ. اسقني قليلاً من دمك لأنبت لك شجرة الحرية..
وضم قبضته إلى صدره وأطبق جفنيه وغمغم: أيتها الشجرة ضميني إليك أنت التي لن تنامي يوماً على نقالة.
لا تزال شجرة البطم منتصبة صامتة، وتل العزيزيات لم يفقد سوى قبضه من تراب أطبق عليها والدي بأصابعه وظل يضمها إلى صدره الدامي وروحه تصعد الى السماء.