أمل الكردفاني - الأدب كفن واختلافه عن العلم

الأدب القوي هو ما يكتشف الوجود ، والاقل قوة هو ما يؤول الوجود والاضعف هو الذي يحكي الوجود وشديد البؤس هو ما يسطح الوجود.

الأدب كنوع من الفن يعمل نفس ما يفعله العلم وهو اكتشاف الوجود ، غير انه وككل الفن ينقل لنا اكتشافاته عبر المجاز ، خلافا للعلم الذي يعطينا ما يبدو من حقيقة الوجود مفتضحة ومباشرة ، واذا كانت رحلة الانسان الحياتية هي رحلة تسعى الى الاكتشاف ، سواء للذات او لما يحيط بالذات ، فإن الانسان اذن يمارس الفن بشكل مستمر ، غير أن الفنان هو ما ينقل اكتشافه عبر الفن للانسانية جمعاء .
مالذي يكشفه لنا الادب ، ان الأدب في الواقع يعمل من داخل معطيات مدركة وتبدوا شديدة المحدودية ، ومع ذلك يقوم الادب بتكثيف ادراكنا لما كان أمام أعيننا ، او يمنحنا نظرة جديدة من زاوية مختلفة لما لم نكن نره من قبل ، فلنتابع اغلب الأطر التي تدور حولها الرواية على سبيل المثال ، انها في الواقع تنطلق من مشاهد حلمية ، او كابوسية ، بحسب روح الكاتب ، ومع ذلك قد تبدو لنا هذه الاطر مكررة او مستهلكة ، علاقات حب فاشلة ، ثوار مهزومون ، عدالة غائبة ، الخ ، لكنها في الواقع ليست كذلك ، ان الرواية هنا لا تعكس الواقع بل تعمل على تفكيك حقيقته ، وتقدمه كوجبة جاهزة لمن لم يكن لديه معرفة بعمق ازمته . وفي بعض الاحيان ومن خلال الروايات ذات الثقل ، يفاجأ القارئ بانقلاب حاد في تلك القيم المستقرة واليقين الاعمى الذي كان يقود به حياته. وهذه الروايات ذات الثقل قد تتعرض لقمع سلطوي سياسي او قانوني او مجتمعي او ديني ، لأن هناك من اصحاب المصالح من لا يرغبون في كشف الحقيقة. وخاصة عندما تؤدي الرواية الى كسر المطلق وتهشيمه لتؤكد على النسبية ، والنسبية هي عدوة السلطة دائما وأبدا . لكن ايضا ليس ذلك يعني ان الرواية تعني الخير او الفضيلة ، انها ايضا قد تطرح النسبية لتحطم هذه الفضيلة ، لأن الفضيلة في حد ذاتها تطرح كمطلق ، وهناك الكثير من الناس يتعاملون معها على هذا الأساس ، فيتعرضون لخسائر مستمرة ، ان الروايةقد تستعين بفكر تموت فيه الفضيلة في مقابل ارادة القوة ، وتعزز هذه الرغبة التصارعية والتي لا نعتبرها انانية بقدر ما هي حقيقة منطلق التفاعل الانساني بل والتشارك والهدنة المؤقتة بين البشر. قد تقوض الرواية استقرار الفضيلة داخل الانسان ، تلك التي كانت كامنة كملطف لحقيقة تقاسمنا للحياة ، كما فعل نيتشة على وجه التحديد . ورغم ذلك فإن الرواية حين تفعل ذلك انما تختفي خلف حجاب رمزيتها ، تختفي وراء حبكتها المعقدة ، وتبدو لنا وكأنها تحكي لنا مجرد قصة . ان رواية اولاد حارتنا ليست اكثر من قصة عادية بحبكة مملة جدا ، وبنهاية غامضة ، مع ذلك فهذا هو الانطباع لدى القارئ البسيط ، والذي يتعامل مع السطور المكتوبة كدوال ذات تسلسل منطقي. مالذي يمكن ان نفهمه من محاكمة كافكا سوى قصة كابوسية لشخص يتعرض لمحاكمة سرية ، وينتهي به الحال الى الحكم بموته؟ هذه هي القراءة لظاهر النص ، ولكنها ليست كذلك في الواقع .
وقد تتشابه الرواية مع الموسيقى عندما تتحول بمجملها الى رموز صعبة التأويل ولكنها تمس شغاف اعماقنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى