في ليلة من ليالي الشتا العاصفة، اشتعلت النيران في قلوب العالمين، لكنها التهمت أكثر من مجرد الأخشاب والبشر؛ التهمت مفاهيمنا وأسقطت الأقنعة عن وجه الإنسانية الحائر. على ضفتي عالم متشابك، نشبت كارثتان، تختلفان في جغرافيتهما، لكنهما تشتركان في عنفوان الرياح ومرارة الخسائر.
في الغرب الأمريكي، كاليفورنيا تحديدًا، اشتعلت الغابات، وغدت السماء رمادية مثقلة بالدخان. لم تكن الرياح هناك رحيمة، بل ساعدت في تفاقم الكارثة، حيث حملت ألسنة اللهب من شجرة إلى أخرى، كأنها تلاحق حلمًا بالدمار. ورغم الخسائر البشرية التي بلغت 28 ضحية حتى اللحظة، إلا أن البنية التحتية الهائلة وآليات التدخل السريع التي وضعتها الولايات المتحدة، حدّت بشكل كبير من حجم الكارثة المحتملة.
وفي الشرق، في قلب منتجع كارتالكايا التركي، اندلع حريق في فندق “جراند كارتال”. لم تُمهل النيران زواره، فسقط 76 ضحية، وامتلأت المشافي بالمصابين. كانت الرياح، التي يُفترض أن تحمل البرد وتُنعش المتزلجين، ذاتها التي أعاقت السيطرة على النيران. لكن هنا، بدا المشهد أكثر حزنًا، ليس فقط بسبب عدد الضحايا، بل بسبب هشاشة الاستعدادات وغياب التدابير الوقائية التي كان يمكن أن تُنقذ الأرواح.
ما الذي يجعل هذه الفجوة الهائلة بين الكارثتين؟ هل الأمر مجرد اختلاف في الإمكانيات؟ أم أن هناك جذورًا أعمق في طريقة التفكير والتعامل مع الأزمات؟
في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يُلاحظ تناقض لافت في قراءة المآسي. ففي حين يفسر البعض الكوارث التي تضرب دولًا غير مسلمة، مثل حرائق كاليفورنيا، على أنها “غضب إلهي” أو “عقاب رباني”، لا يحملون النظرة ذاتها تجاه كوارث تضرب دولًا مسلمة. عندما تندلع حرائق في الغرب، يتسابق البعض إلى تفسيرها بأنها نتيجة “غضب الله”، متغافلين عن الضحايا كأفراد لهم حقوق في التعاطف والمواساة. في المقابل، حين تكون الكارثة في دولة مسلمة، يتحول الخطاب إلى الإقرار بأنها “ابتلاء من الله”، وأن على الضحايا الصبر والتضرع.
هذا التناقض يعكس أزمة في التكوين الفكري والإنساني للعقل العربي والمسلم. فالتشفي من الآخر لا يعبر عن قوة إيمان، بل عن ضعف في استيعاب مفهوم الإنسانية، الذي يجعلنا نرى الإنسان أولًا، بغض النظر عن هويته أو دينه.
في المقابل، نجد العالم الغربي يتعامل مع الكوارث بروح إنسانية شاملة. فحين اندلع حريق تركيا، لم نسمع أصواتًا غربية تتحدث عن “عقاب إلهي”، بل رأينا تعاطفًا واسعًا. هذا الفرق الجوهري في رد الفعل يعكس عمق الأزمة الفكرية التي نعيشها، وضرورة إعادة تشكيل رؤيتنا للأحداث.
ليس حريق كاليفورنيا وحريق تركيا وحدهما ما يعكسان هذه الفجوة في التفكير، بل هناك حوادث أخرى تبرز هذا التباين. حرائق أستراليا 2019-2020، على سبيل المثال، أظهرت تعاملًا احترافيًا مع الكارثة، بينما تركزت ردود الأفعال الإنسانية على التضامن مع الضحايا. حريق نوتردام في باريس 2019 أثار تعاطفًا عالميًا تجاوز الخلفيات الدينية. زلزال هايتي 2010 أظهر تفاوتًا في التعامل مع الكوارث، بين دعم البعض وتفسيرات الآخرين الغيبية.
كل هذه الحوادث تقدم لنا درسًا مشتركًا حول كيف أن العقل الجمعي يتفاعل بشكل مختلف بناءً على الثقافة والدين والجغرافيا، وكيف أن التفسير الغيبي لا يقدم حلولًا عملية أو إنسانية.
إن الأزمات تتطلب فهم الأسباب العملية لها، بدلًا من الغرق في التفسيرات الغيبية. حرائق كاليفورنيا وحريق تركيا ليسا مجرد كوارث طبيعية، بل هما مرآة تعكس حالة العقلين. ففي حين يركز العقل الغربي على استخلاص الدروس والعمل على تحسين المستقبل، يظل العقل العربي والإسلامي محاصرًا بين أسئلة القدر ومشاعر التشفي.
لا يمكن للعقل الجمعي أن ينهض إلا إذا تخلص من ازدواجيته، وبدأ في النظر إلى الكوارث باعتبارها مسؤولية جماعية. المطلوب ليس التخلي عن الإيمان، بل الموازنة بين الإيمان والعمل، والتعلم من الأزمات كيف نحولها إلى فرص للتغيير والتحسين.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن مستعدون لترك التشفي والانغلاق الفكري، والانتقال إلى عقل جديد يؤمن بأن الإنسانية هي ما يجمعنا جميعًا في مواجهة الكوارث والتحديات؟
في الغرب الأمريكي، كاليفورنيا تحديدًا، اشتعلت الغابات، وغدت السماء رمادية مثقلة بالدخان. لم تكن الرياح هناك رحيمة، بل ساعدت في تفاقم الكارثة، حيث حملت ألسنة اللهب من شجرة إلى أخرى، كأنها تلاحق حلمًا بالدمار. ورغم الخسائر البشرية التي بلغت 28 ضحية حتى اللحظة، إلا أن البنية التحتية الهائلة وآليات التدخل السريع التي وضعتها الولايات المتحدة، حدّت بشكل كبير من حجم الكارثة المحتملة.
وفي الشرق، في قلب منتجع كارتالكايا التركي، اندلع حريق في فندق “جراند كارتال”. لم تُمهل النيران زواره، فسقط 76 ضحية، وامتلأت المشافي بالمصابين. كانت الرياح، التي يُفترض أن تحمل البرد وتُنعش المتزلجين، ذاتها التي أعاقت السيطرة على النيران. لكن هنا، بدا المشهد أكثر حزنًا، ليس فقط بسبب عدد الضحايا، بل بسبب هشاشة الاستعدادات وغياب التدابير الوقائية التي كان يمكن أن تُنقذ الأرواح.
ما الذي يجعل هذه الفجوة الهائلة بين الكارثتين؟ هل الأمر مجرد اختلاف في الإمكانيات؟ أم أن هناك جذورًا أعمق في طريقة التفكير والتعامل مع الأزمات؟
في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يُلاحظ تناقض لافت في قراءة المآسي. ففي حين يفسر البعض الكوارث التي تضرب دولًا غير مسلمة، مثل حرائق كاليفورنيا، على أنها “غضب إلهي” أو “عقاب رباني”، لا يحملون النظرة ذاتها تجاه كوارث تضرب دولًا مسلمة. عندما تندلع حرائق في الغرب، يتسابق البعض إلى تفسيرها بأنها نتيجة “غضب الله”، متغافلين عن الضحايا كأفراد لهم حقوق في التعاطف والمواساة. في المقابل، حين تكون الكارثة في دولة مسلمة، يتحول الخطاب إلى الإقرار بأنها “ابتلاء من الله”، وأن على الضحايا الصبر والتضرع.
هذا التناقض يعكس أزمة في التكوين الفكري والإنساني للعقل العربي والمسلم. فالتشفي من الآخر لا يعبر عن قوة إيمان، بل عن ضعف في استيعاب مفهوم الإنسانية، الذي يجعلنا نرى الإنسان أولًا، بغض النظر عن هويته أو دينه.
في المقابل، نجد العالم الغربي يتعامل مع الكوارث بروح إنسانية شاملة. فحين اندلع حريق تركيا، لم نسمع أصواتًا غربية تتحدث عن “عقاب إلهي”، بل رأينا تعاطفًا واسعًا. هذا الفرق الجوهري في رد الفعل يعكس عمق الأزمة الفكرية التي نعيشها، وضرورة إعادة تشكيل رؤيتنا للأحداث.
ليس حريق كاليفورنيا وحريق تركيا وحدهما ما يعكسان هذه الفجوة في التفكير، بل هناك حوادث أخرى تبرز هذا التباين. حرائق أستراليا 2019-2020، على سبيل المثال، أظهرت تعاملًا احترافيًا مع الكارثة، بينما تركزت ردود الأفعال الإنسانية على التضامن مع الضحايا. حريق نوتردام في باريس 2019 أثار تعاطفًا عالميًا تجاوز الخلفيات الدينية. زلزال هايتي 2010 أظهر تفاوتًا في التعامل مع الكوارث، بين دعم البعض وتفسيرات الآخرين الغيبية.
كل هذه الحوادث تقدم لنا درسًا مشتركًا حول كيف أن العقل الجمعي يتفاعل بشكل مختلف بناءً على الثقافة والدين والجغرافيا، وكيف أن التفسير الغيبي لا يقدم حلولًا عملية أو إنسانية.
إن الأزمات تتطلب فهم الأسباب العملية لها، بدلًا من الغرق في التفسيرات الغيبية. حرائق كاليفورنيا وحريق تركيا ليسا مجرد كوارث طبيعية، بل هما مرآة تعكس حالة العقلين. ففي حين يركز العقل الغربي على استخلاص الدروس والعمل على تحسين المستقبل، يظل العقل العربي والإسلامي محاصرًا بين أسئلة القدر ومشاعر التشفي.
لا يمكن للعقل الجمعي أن ينهض إلا إذا تخلص من ازدواجيته، وبدأ في النظر إلى الكوارث باعتبارها مسؤولية جماعية. المطلوب ليس التخلي عن الإيمان، بل الموازنة بين الإيمان والعمل، والتعلم من الأزمات كيف نحولها إلى فرص للتغيير والتحسين.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن مستعدون لترك التشفي والانغلاق الفكري، والانتقال إلى عقل جديد يؤمن بأن الإنسانية هي ما يجمعنا جميعًا في مواجهة الكوارث والتحديات؟