محمد بشكار - شجاعةُ الجُبناء..!

ما أن تنتهي مُدة صلاحية وزير أو مدير أو رئيس في أي قطاع ضَعْ يدكَ على ما يعجبك في القطيع كما لو كنتَ تُسَمِّنُ خروفا، حتى يصبح فاسدا في الأفواه التي تترك ألسنتها سائبة بدون فرامل، مما يُخلِّف الكثير من المعطوبين ضحايا حوادث الشر، و يجعل الجميع يتهرَّب من عبء المسؤولية خوفا من تبعات كرسي قد يصيب الجالس عليه بداء الجرَب أو الكَلَب فيصبح في نظر الجميع محكوكا مسعورا، ولكن بأي المزاليج كانت هذه الأفواه السليطة اليوم مسدودة طيلة امتلائها بأموال الوزير المنتهية مدة صلاحيته، كانوا في عهده الزاهر لا يمشون إلى جانبه إلا منحنين مطأطئي الرؤوس بعيون مقلوبة الكؤوس من شدة الذلة و المسكنة، و تُفضِّل أعينهم العمى على أن ترتفع على الحاجب، لا لشيء إلا ليغنموا من فتات موائده الدسمة دعوةً لتسيير لقاء في هذه الندوة أو يُحشرون عميانا في بصائرهم دون كفاءة أو مؤهلات تخولهم إصدار أحكام القيمة في إحدى لجان القراءة أو السينما أو المسرح، أو يظفرون بتذكرة سفر للمشاركة في أحد المهرجانات خارج البلد ليجربوا ركوب الطائرة هم الذين لم يركبوا في حياتهم جناح بعوضة..!

كانوا يطبِّلون و يزغردون و ليس بعيدا على سلوكهم الذي ليس في النحل و لا النمل، أن يفيضوا بتسونامي الأرداف رقصا للوزير خُذْ أي وزير في القطيع الذي يعجبك أو لا يعجبك لأنه ليس من مشجعي الريال من فضة أو حديد ، تجده طيلة مدة صلاحيته صالحا و فجأة حين ينتقل إلى التقاعد الأعلى يُتَّهم بالفساد و يمكن سحب رجليه إلى السجن بطبخ بعض الملفات على نار كائدة..!
لا يُهمني أن يكون الوزير أو المدير أو الرئيس مِمَّن عاثوا جرادا في المال العام أو كان من التُّقاة الذين هم لأماناتهم راعون، فأنا لست مصلحا اجتماعيا أو ممن يعزفون على القانون، ما يهمِّني في أي جُحْر كانت أفاعي هذه الألسنة تكظم سمها و تموت به نفاقا في كل يوم خوفا من زوال نعمتها، و ماذا تريد من اتهاماتها سواء كانت حَقَّانية أو باطلة؟
لقد انتشرت في السنوات الأخيرة ثقافة مسمومة مفادها أن أفتح فمي بالتخوين و كيْل الاتهامات و السب و القذف، لا لشيء إلا لأفتح فمي و لو على سبيل التثاؤب، لأبدو في نظر المصفِّقين ممن يشوون (الكبال) أيْ الذرة لتأجيج النار، مُتَّصِفاً بالجرأة و الشجاعة في رأيي الذي يعري ما ستر الله، و تسريب أوراق سرية تخسف بكشفها من كان بالأمس وليَّ نعمتي، و يساهمُ في اندلاع ثقافة التخوين بعض الوسائل الإعلامية من مرتزقة الفضيحة أو وسائط التسول الاجتماعي الأشبه في حريتها غير المنضبطة لقوانين تكبح جرائم بعض مُنعدمِي الضمير بالمال السائب الذي يُعلِّم السرقة..!
يقينا لست ضد فضح الفساد أينما و كيفما عاث بالجراد في العباد، و لكن كي أحُكَّ على (الدَّبْرَة) أعمق أكرر السؤال لماذا يختار بعض الحواريين الذين لا يبرحون مائدة تقطر بالإدام، كي يكشفوا عن سيئات أحد المسؤولين ما ظهر منها و ما بطن، التوقيت الذي يظهر فيه من سيخلُفه في الوزارة أو الإدارة أو الرئاسة، الحق أقول يريدون فقط أن يبيِّضوا صحيفتهم بتسويد صحيفة من كان كريما أو لئيما معهم سيَّان، لا لشيء إلا ليظهروا في عيني الوزير الجديد الذي لا يعيرهم بصرا، هم النزهاء و الأمناء الذين لا يفرزون و لو دخلوا حمَّاما بلديا وسخا من ظهورهم المشهود لمطيتها بحسن السيرة ..!
لا أدافع عن أحد تربطني به من حيث السُّرة قرابة أسرية و من حيث الجيب قرابة فُلوسية، و لكن أما من صالح واحد بيننا في البلد و لو صارت ثمودا، إننا بثقافة التخوين التي تجعل كل من حولنا فاسدا، لا نفقد الثقة فقط في غيرنا بل نفقدها حتى في أنفسنا، لماذا أيها الرعديدون لا تُكشِّرون عن جرأتكم التي من كرطون بالقول لأحد المسؤولين إن رائحة فمك كريهة و هو لا يزال في عرين منصبه أسدا، يا لشجاعة الجُبناء..!
أيها الوزير
أو المدير
أو الرئيس
أو الزعيم السياسي
أو النقابي
أو أيا ما تكون..
أقول لك إن بعض البشر خائبٌ، وإن كنت كريما ابن كريم قل لهم و لو جعلوك بألسنتهم من السجناء، ما قاله الحديث القدسي: اذهبوا فأنتم الطلقاء..!
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" لعدد يومه الخميس 1 يونيو 2017)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى