سعيد گنيش - "الامن القومي العربي" المفترى عليه

" الأمن القومي العربي" مقولة أصبحت مبتذلة يروج لها اليوم الاعلام العربي الرسمي والمتصهين للخداع فقط، وذلك بعد حديث ترامب عن اقتلاع الشعب الفلسطيني من قطاع غزة واحتلالها.
فالمقصود لدى هذا الاعلام هو النظام الرسمي، يهدف إلى حفظ السلطة في كل قطر واكتناز ما يتساقط من الثروة المهدورة، بهدف توريتهما للخلف بكل اطمئنان. ما عدا ذلك من أمن وطني واستقلال القرار وسيادة سياسية وأمن غدائي وتنمية اقتصادية ومعرفة علمية وتكنولوجية ومؤسسات ديمقراطية فهي أمور معدة للهباء.
الترويج الإعلامي هو موجه للاستهلاك المحلي، بعد حديث ترامب الموجه لذيوله في مصر والأردن ولعرابهما السعودي وباقي أنظمة طابور الخدمة. فقد وضعهم في مرتبة أدنى من الصفر؛ لذلك هم مرعوبين أمام شعوبهم بين القبول العلني بالخيانة أو الاستعداد للهاوية مهما طال الزمن.
لذلك يبرز مثقفو الطابور السادس العرب الذين يقدمون كخبراء، لنشر افتراءاتهم في شتى وسائل الاعلام عن" الأمن القومي العربي" وضرورة حمايته.
لقد بدأ تشكل مسلسل التفكيك الواعي والمقصود "للأمن القومي العربي" كمشروع طبقي يعبر عن طموح الشعوب العربية، مرتبط بالتحرر الوطني والوحدة؛ منذ العدوان على مصر الناصرية في يونيو 1967.
أولا، من خلال التفكيك القسري لطريق التنمية الذي كانت تسير فيه الاقطار العربية (مصر، العراق، سوريا، الجزائر، ليبيا)، حيث شكلت نماذج متطورة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي تستهدف توجيه تخطيط الاقتصاد.
تانيا، بالحصار والعقوبات وتخريب القطاع العام وسياسات الانفتاح وتحرير الأسواق المحلية المملاة من الخارج.. إلخ. مما يؤكد بأن هذه البلدان قد تعرضت بالاستهداف إلى تقويض تنميتها، وهي التي كانت تنهج مسارا تنمويا حقيقيا، وإن لم تصل إلى فك الارتباط بالأسواق الرأسمالية العالمية حسب د. سمير امين، وإلى التنمية بالحماية الشعبية وفق أطروحة د. عادل سمارة.
ثالثا، بواسطة الحروب العدوانية والاحتلال من طرف الصهيو أمريكي ومشاركة الأنظمة المحلية المتصهينة في الحرب السوداء العشرية على الجزائر، والصومال، واحتلال العراق ولبنان وليبيا واليمن وسوريا، إلى الحرب المفتعلة والمستمرة في السودان.
لقد شهدت المنطقة العربية أعلى وثيرة للحروب العدوانية في العالم منذ منتصف القرن العشرين، ارتباطا باحتلال فلسطين تحت قيادة أمريكا؛ حيث قادت هذه الحروب إلى انكسارات وهزائم أمام جبروت قوة وتسليح القوى الامبريالية الغربية بما فيها الكيان الصهيوني. لتحجب أية أفاق للتنمية في البلدان العربية، وسلبتها سيادتها واستقلالها. فالحروب أصبحت لدى الامبريالية في منطقتنا العربية رافدا للتراكم الرأسمالي.
أما بقية البلدان العربية التي ولدت وشبت في براثن الحاضنة الاستعمارية، فقد ولدت مجسدة التبعية لرأس المال الدولي بقيادة أمريكا في مستويات حادة، حيث لم تقم سوى بإنتاج اقتصاد ريعي واستهلاكي لهدر الثروات.
الحصيلة العامة: أصبحت مجتمعاتنا العربية مكشوفة أمنيا لأعدائها على جميع الاصعدة. حيث تتجلى مظاهر الفساد، وقمع الحريات السياسية، وضعف الامن الوطني الذي يلغي السيادة السياسية.
رابعا، جميع الأقطار العربية الحديثة (حتى اليوم 22 دويلة) فقد صممت من طرف القوى الاستعمارية حتى تكون قابلة للتحلل، كما يلاحظ د. على القادري: "لا يمكن لأي كيان اجتماعي متماسك ممثلا بدولة ما ، أن يتسامح مع استنزاف موارده وثروته في ظل النيوليبرالية عبر سنوات متعددة، إلا إذا كان في حالة استسلام". والحال هذه فهل يمكن الحديث عن تطوير أي علاقات بينية اقتصادية بين هذه الأقطار؟
إن الأمن القومي العربي هو كل متداخل من التنمية المعرفة بأنها "عملية النمو الاقتصادي مع توسع الإنتاج الصناعي والتشغيل والتقدم التكنولوجي والعلمي، والتحول المؤسسي الذي يحسن باطراد رفاهية الطبقة العاملة وعموم الكادحين من فلاحين فقراء وحرفيين وصناع" (التنمية الممنوعة لعلي القادري ص: 9).
إن تقويض التنمية يجرد الطبقات الشعبية العربية العاملة (الشعوب العربية) من حقها في امتلاك مواردها والسيطرة عليها واستخدامها لمصلحتها، فتصبح بلدانها مكشوفة أمنيا للعدو تاركة مواردها لقمة سائغة للنهب الامبريالي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى