تتقلص المسافة التي تفصلني عن الهدف يوما بعد يوم، أصبح قاب قوسين أو أدنى من قبضتي.
رائحة الغربة التي يشتكون منها تثير شهيتي، تدغدغ كل مشاعري، توقظ الرغبة والحماس والخوف، تبدو كندا قريبة للغاية لا يفصلني عنها الآن إلا هذا الحاجز الزجاجي. هذا الجدار الشفاف الذي يحول بين هذا الليل الدامس في هذه الأرض الطيبة الحارة، والنهار المشرق كل يوم على مدينة موريال، بين هذه الجنة التي أتوق أن أسبح في أنهارها، وأن أتفيأ تحت ظلال أشجارها الزاهية الألوان. بإختصار شديد فكرت أن أحلق في جنة الكفار هذه، أن أطأ أرضها الحقيقية لا كما خبرتها عبر الوسائل الإخبارية والبرامج الوثائقية وعبر الصور…
تبدو على مرمى عيناي سيدة شقراء، حورية من الحواري تسبح خارج محيطها، جاء بها الزمن الى هذه العتمة لتفرز الغت من السمين،كناقد متخصص في فرز الجيد من الردئ. جاءت في هذه اللحظة لأجلي، ربما لأجلي، لا يفصلنا عن بعضنا البعض إلا هذا البرزخ الذي يمتد كالصراط المستقيم.
بلغني نداء الشقراء من مكبر الصوت:
” العربي بن حماد“
وقفت أمام الجدار الفاصل، تسللت يدي خارج هذا الصهد الذي أنا فيه، تمددت جهة الشقراء، محلقة في فضاء حر بجواز أخضر يطير بلا أجنحة، تقتنصه ”زرقاء اليمامة“، تضعه أمامها، تتساقط أوراقه البيضاء في بحر عينيها قبل حلول الخريف، تمعن النظر الى هذه الذات المنكسرة، تركز كما لو أنها تقرأ طالعه، تطالعني من وراء حجاب، أطالع نفسي بنفس متقطعة منهكة مترقبة. هذه المروضة تحمل قدري بين يديها وتلاعبه كقرد، ينزلق من بين أناملها الى سطح المكتب تلتقطه، تذهب به.يتحرك في داخلي بركان أحمر. تعود به، تقلب صفحاته كما لو أنها تبحت عن أخطاء إملائية، نحوية تركيبية. نظرت بتمعن الى وجهي المبتسم، أمعنت النظر كما لو أنها تعرف أن في هذه الإبتسامة ”إن“ وأن لكل “إنة“ أخواتها. تعود بغتة الى الصورة تبحت في تراكيب ملامحي، تنقب عن لغز ما في آعماقي المبهمة، عن هذه الخالة التي حولت إحدى العينين غينا، غاصت في الأخطاء حتى طفوت على السطح كغريق، ورغم كل ذلك كانت الإبتسامة لاتزال مرتسمة على وجهي، مشدودة الى ملامحي بخيط رفيع، لا يستطيع الجن الأزرق أن يزيلها ما دام هذا الوصل النادر ما بيني وبين الشقراء قائما. تتمعنني من جديد، بدت لي من وراء الزجاج السميك، أنها ليست هي.
سألتني ببلاهة العارف عن لحيتي الكتة: أين هي؟
أجبتها بنباهة الجاهل: ”هي؟!!“
مددت يدي الى دقني، تلمست وجنتاي بشمالي، و رسمت بسبابتي وإبهامي نصف دائرة ،إمتدت من جوانب منخري حتى سقطت تحت شفتي السفلى، وزعت أصابعي لتشمل دقني وبعضا من جوانب لحيتي التي حرصت على ازالتها قبل قدومي. يداي ترتجفان، قدمي اليسرى تدوس مقدمة قدمي اليمنى التي خطوت بها عند دخولي، وقلت: ”بسم الله“.
إنقطعت أنفاسي للحظات وأنا أردد فاتحة الكتاب، بسملت في خاطري مرة أخرى، وبدأت أتمعن في السؤال ، أحنت راسها كما لو اننى أجبتها على سؤالها الملغوم، وانشغلت برسم خطوط يبدو مدادها الأسود كقلب أبي لهب .
أحنت كتفيها وصوبت عينيها الرصاصتين صوب صورتي في الجواز، ودون أن تنتظر أي رد هوت بالخاتم الإداري بكل قوتها، شعرت كما لو أنها عطلت شيئا ما في فمي، لعله اللسان أو الأسنان أو كلاهما. مدت يدها إلي به، مددت يدي اليسري المرتعشة إليه. تراجعت الي الوراء، توقفت على بعد خطوتين من الجدار الفاصل. فتحت الجواز، كانت ورقة شجرة القيقب الحمراء فوق الجبين الأسمر مباشرة.
رائحة الغربة التي يشتكون منها تثير شهيتي، تدغدغ كل مشاعري، توقظ الرغبة والحماس والخوف، تبدو كندا قريبة للغاية لا يفصلني عنها الآن إلا هذا الحاجز الزجاجي. هذا الجدار الشفاف الذي يحول بين هذا الليل الدامس في هذه الأرض الطيبة الحارة، والنهار المشرق كل يوم على مدينة موريال، بين هذه الجنة التي أتوق أن أسبح في أنهارها، وأن أتفيأ تحت ظلال أشجارها الزاهية الألوان. بإختصار شديد فكرت أن أحلق في جنة الكفار هذه، أن أطأ أرضها الحقيقية لا كما خبرتها عبر الوسائل الإخبارية والبرامج الوثائقية وعبر الصور…
تبدو على مرمى عيناي سيدة شقراء، حورية من الحواري تسبح خارج محيطها، جاء بها الزمن الى هذه العتمة لتفرز الغت من السمين،كناقد متخصص في فرز الجيد من الردئ. جاءت في هذه اللحظة لأجلي، ربما لأجلي، لا يفصلنا عن بعضنا البعض إلا هذا البرزخ الذي يمتد كالصراط المستقيم.
بلغني نداء الشقراء من مكبر الصوت:
” العربي بن حماد“
وقفت أمام الجدار الفاصل، تسللت يدي خارج هذا الصهد الذي أنا فيه، تمددت جهة الشقراء، محلقة في فضاء حر بجواز أخضر يطير بلا أجنحة، تقتنصه ”زرقاء اليمامة“، تضعه أمامها، تتساقط أوراقه البيضاء في بحر عينيها قبل حلول الخريف، تمعن النظر الى هذه الذات المنكسرة، تركز كما لو أنها تقرأ طالعه، تطالعني من وراء حجاب، أطالع نفسي بنفس متقطعة منهكة مترقبة. هذه المروضة تحمل قدري بين يديها وتلاعبه كقرد، ينزلق من بين أناملها الى سطح المكتب تلتقطه، تذهب به.يتحرك في داخلي بركان أحمر. تعود به، تقلب صفحاته كما لو أنها تبحت عن أخطاء إملائية، نحوية تركيبية. نظرت بتمعن الى وجهي المبتسم، أمعنت النظر كما لو أنها تعرف أن في هذه الإبتسامة ”إن“ وأن لكل “إنة“ أخواتها. تعود بغتة الى الصورة تبحت في تراكيب ملامحي، تنقب عن لغز ما في آعماقي المبهمة، عن هذه الخالة التي حولت إحدى العينين غينا، غاصت في الأخطاء حتى طفوت على السطح كغريق، ورغم كل ذلك كانت الإبتسامة لاتزال مرتسمة على وجهي، مشدودة الى ملامحي بخيط رفيع، لا يستطيع الجن الأزرق أن يزيلها ما دام هذا الوصل النادر ما بيني وبين الشقراء قائما. تتمعنني من جديد، بدت لي من وراء الزجاج السميك، أنها ليست هي.
سألتني ببلاهة العارف عن لحيتي الكتة: أين هي؟
أجبتها بنباهة الجاهل: ”هي؟!!“
مددت يدي الى دقني، تلمست وجنتاي بشمالي، و رسمت بسبابتي وإبهامي نصف دائرة ،إمتدت من جوانب منخري حتى سقطت تحت شفتي السفلى، وزعت أصابعي لتشمل دقني وبعضا من جوانب لحيتي التي حرصت على ازالتها قبل قدومي. يداي ترتجفان، قدمي اليسرى تدوس مقدمة قدمي اليمنى التي خطوت بها عند دخولي، وقلت: ”بسم الله“.
إنقطعت أنفاسي للحظات وأنا أردد فاتحة الكتاب، بسملت في خاطري مرة أخرى، وبدأت أتمعن في السؤال ، أحنت راسها كما لو اننى أجبتها على سؤالها الملغوم، وانشغلت برسم خطوط يبدو مدادها الأسود كقلب أبي لهب .
أحنت كتفيها وصوبت عينيها الرصاصتين صوب صورتي في الجواز، ودون أن تنتظر أي رد هوت بالخاتم الإداري بكل قوتها، شعرت كما لو أنها عطلت شيئا ما في فمي، لعله اللسان أو الأسنان أو كلاهما. مدت يدها إلي به، مددت يدي اليسري المرتعشة إليه. تراجعت الي الوراء، توقفت على بعد خطوتين من الجدار الفاصل. فتحت الجواز، كانت ورقة شجرة القيقب الحمراء فوق الجبين الأسمر مباشرة.