كنا نحن الثلاثة - الخليل بن أحمد و أحمد بوزفور و عبد ربه- نتجول في رواق البصريين، و نتأمل الكتب الكثيرة المعروضة هناك، و منها ( أخبار النحويين البصريين) للسيرافي و ( كتاب المجاز) لأبي عبيدة و ( كتاب النوادر) لأبي زيد سعيد بن أوس و كتاب( البلاغة ) لأبي العباس المبرد، و غير ذلك من المصنفات النفيسة.
فلما حل موعد التوقيعات ، جلسَ الخليل بن أحمد في زاوية من زوايا الرواق البصْري ، و شرع في توقيع نسخ من كتاب ( العين) و تقديمها للقراء، الذين كانوا منتظمين في صف طويل أمامه. كان بوزفور جالسا عن يمين الشيخ ، في حين كنت أنا عن يساره. و بعد لحظات ، مال عليه أحمد بوزفور و قال له و هو يبتسم:
- أراك توقع باسم الفُرْهودي عوض الفراهيدي...
أجاب الخليل بن أحمد قائلا:
- يا صديقي بوزفور، كان المبرد يسميني الفراهيدي، لأنني من الفراهيد، من الأزْد... أما أبو حاتم فكان يصر على تسميتي بالفُرْهودي ، إذ كان يَذهب إلى أن الفراهيد جَمْع ، و الجمع لا يُنْسَب إليه...و أنا أفَضِّل الفراهيدي و لكنني أكتب الفُرْهودي إجلالا للشيخ أبي حاتم...
و لما انتهى الخليل من كلامه ذاك ، شرع يلتفت يمنة و يسرة و هو يتساءل بصوت خفيض:( أين محمد علي الرباوي؟ لماذا لم يأت ؟ ألا يزال يعاني من التسمم الذي أصابه بعد أن تَناول تلك المضيرة في خيمتي ؟ لقد وعدني أنه سيأتي...)
قلتُ للخليل :
- يا شيخنا، إن الرباوي يعترض على توقيعك لكتاب العين... فهو يرى أنك لم تكتب سوى جزء بسيط منه و أن الليث بن نصر بن سيار هو الذي أتمّه بعد وفاتك..
و عندئذ، نظرَ إلي الخليل نظرة ذات مغزى و لم يعقب .
و بعد أن تعبَ من توقيع النسخ، خرجنا نحن الثلاثة كي نتمشى قليلا و نتفرج على بعض الأروقة. و عنّ لبوزفور أن يضفي بعض المرح على الحديث المتبادل بيننا- و تلك طبيعة سي أحمد- فتوجه إلى الفراهيدي قائلا:
- يا شيخنا، بلغني أن شاعرا يُدعى عمارة بن عقيل قد هجاك بقوله:( لولا الإله و أنني متخوف/ ممّا أقول لَعَنْتُ قبرَ خليل) ( ألقى مسائلَ في العَروض تَغُمُّنا/ منْ فاعلنْ مستفعلنْ و فَعُول)...
فلما سمع الخليل ذلك انفجر ضاحكا، كما يقال. و قد لبث يضحك بضع دقائق، غير عابئ بنظرات الفضوليين. و لما زايلته نوبة الضحك، قال مخاطبا سي أحمد بوزفور:
- أوَ تعرف نسَبَ الرجل الذي قال هذين البيتين ؟إنه حفيدُ الشاعر جرير... فهو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير... و من كانت تَجري في في عروقه دماءُ جرير، لا يَكون إلا هجّاءً خبيث اللسان...قاتله الله ، يهجوني لأنني وضعتُ علمَ العَروض....
ثم إن الشيخ سكتَ بعض الوقت ، قبل أن يستأنف كلامه قائلا:
- يا صديقي بوزفور، لقد تعلقتُ يوما بأستار الكعبة و قلتُ:" اللهم ارزقني علْماً لم يسبقني إليه الأولون، و لا يأخذه إلا عَنّي الآخِرون.." ثم إني رجعتُ فعملتُ العَروض....
كنا قد بلغنا المقهى المقابل لرواق الكوفيين، فدعانا سي أحمد بوزفور بكرمه المعهود لتناول بعض المشروبات. و لما أخذ كل منا مكانه، قلتُ للخليل:
- يا شيخنا الفراهيدي، يزعم الرباوي في أطروحته الجامعية أنك جئتَ بأنواع من الشعر ليست من أوزان العرب... و يَقول إنك كتبتَ قصيدة على ( فَعَلُنْ فَعَلُنْ) :
سُئلوا فأبوا فلقد بخلوا = فلَبئْس لعمْرك ما فعلوا
أبَكَيتَ على طلَل طرباً = فشجاك و أحزنك الطللُ
... كما يقول إنك جئتَ بقصيدة أخرى على ( فَعْلُنْ فَعْلُنْ) :
هذا عمرو يستعفي من = زيد عند الفضل القاضي
و يقول الرباوي - يا شيخنا - إن المحدثين قد استخرجوا من هذين الوزنين وزنا واحدا سمَّوه المُخَلَّع و خلطوا فيه بين هذا و ذاك... مع أن المخلع الذي نعرف نحن هو مخلع البسيط...
و بينما نحن في حديثنا عن المخلع، إذا ببعض المصورين يتوجهون نحونا مسرعين و يشرعون في التقاط الصور للشيخ الفراهيدي و للأديب أحمد بوزفور... ثم لم يلبث أن التحق بهم ( فوج) آخر من حملة آلات التصوير، و اختلط الناس بالناس و عمت الفوضى، فمال عليّ سي أحمد و قال لي بمرحه المعتاد ( احْماضَتْ) ...
و في تلك اللحظة بالذات ، جاء محمد علي الرباوي راكضا ، و شرع يبحث بنظراته عن الخليل بن أحمد... بيد أنه لم يعثر له على أثر. فلما أبصرني، سألني قائلا:
- أين الشيخ الفرهودي؟
قلت له:
- تقصد الفراهيدي ؟ لا أدري، فقد اختفى بكيفية مفاجئة... و الظاهر أنه انسحب دون إثارة الانتباه و مضى ليستريح في غرفته، فهو عليل الجسم كما تعلم...
و سمع سي أحمد كلامي فقال معلقا:
- و كيف يكون عليل الجسم و قد كان طوال حياته يحجُّ سنة و يَغْزو سنة ؟
ثم التفتَ إلى الرباوي و خاطبه قائلا:
- يا صديقي، أنتَ لم تعترف لنا بأنك تناولتَ مضيرة في خيمة الفراهيدي...
ثم أغرقنا نحن الثلاثة في الضحك...
فلما حل موعد التوقيعات ، جلسَ الخليل بن أحمد في زاوية من زوايا الرواق البصْري ، و شرع في توقيع نسخ من كتاب ( العين) و تقديمها للقراء، الذين كانوا منتظمين في صف طويل أمامه. كان بوزفور جالسا عن يمين الشيخ ، في حين كنت أنا عن يساره. و بعد لحظات ، مال عليه أحمد بوزفور و قال له و هو يبتسم:
- أراك توقع باسم الفُرْهودي عوض الفراهيدي...
أجاب الخليل بن أحمد قائلا:
- يا صديقي بوزفور، كان المبرد يسميني الفراهيدي، لأنني من الفراهيد، من الأزْد... أما أبو حاتم فكان يصر على تسميتي بالفُرْهودي ، إذ كان يَذهب إلى أن الفراهيد جَمْع ، و الجمع لا يُنْسَب إليه...و أنا أفَضِّل الفراهيدي و لكنني أكتب الفُرْهودي إجلالا للشيخ أبي حاتم...
و لما انتهى الخليل من كلامه ذاك ، شرع يلتفت يمنة و يسرة و هو يتساءل بصوت خفيض:( أين محمد علي الرباوي؟ لماذا لم يأت ؟ ألا يزال يعاني من التسمم الذي أصابه بعد أن تَناول تلك المضيرة في خيمتي ؟ لقد وعدني أنه سيأتي...)
قلتُ للخليل :
- يا شيخنا، إن الرباوي يعترض على توقيعك لكتاب العين... فهو يرى أنك لم تكتب سوى جزء بسيط منه و أن الليث بن نصر بن سيار هو الذي أتمّه بعد وفاتك..
و عندئذ، نظرَ إلي الخليل نظرة ذات مغزى و لم يعقب .
و بعد أن تعبَ من توقيع النسخ، خرجنا نحن الثلاثة كي نتمشى قليلا و نتفرج على بعض الأروقة. و عنّ لبوزفور أن يضفي بعض المرح على الحديث المتبادل بيننا- و تلك طبيعة سي أحمد- فتوجه إلى الفراهيدي قائلا:
- يا شيخنا، بلغني أن شاعرا يُدعى عمارة بن عقيل قد هجاك بقوله:( لولا الإله و أنني متخوف/ ممّا أقول لَعَنْتُ قبرَ خليل) ( ألقى مسائلَ في العَروض تَغُمُّنا/ منْ فاعلنْ مستفعلنْ و فَعُول)...
فلما سمع الخليل ذلك انفجر ضاحكا، كما يقال. و قد لبث يضحك بضع دقائق، غير عابئ بنظرات الفضوليين. و لما زايلته نوبة الضحك، قال مخاطبا سي أحمد بوزفور:
- أوَ تعرف نسَبَ الرجل الذي قال هذين البيتين ؟إنه حفيدُ الشاعر جرير... فهو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير... و من كانت تَجري في في عروقه دماءُ جرير، لا يَكون إلا هجّاءً خبيث اللسان...قاتله الله ، يهجوني لأنني وضعتُ علمَ العَروض....
ثم إن الشيخ سكتَ بعض الوقت ، قبل أن يستأنف كلامه قائلا:
- يا صديقي بوزفور، لقد تعلقتُ يوما بأستار الكعبة و قلتُ:" اللهم ارزقني علْماً لم يسبقني إليه الأولون، و لا يأخذه إلا عَنّي الآخِرون.." ثم إني رجعتُ فعملتُ العَروض....
كنا قد بلغنا المقهى المقابل لرواق الكوفيين، فدعانا سي أحمد بوزفور بكرمه المعهود لتناول بعض المشروبات. و لما أخذ كل منا مكانه، قلتُ للخليل:
- يا شيخنا الفراهيدي، يزعم الرباوي في أطروحته الجامعية أنك جئتَ بأنواع من الشعر ليست من أوزان العرب... و يَقول إنك كتبتَ قصيدة على ( فَعَلُنْ فَعَلُنْ) :
سُئلوا فأبوا فلقد بخلوا = فلَبئْس لعمْرك ما فعلوا
أبَكَيتَ على طلَل طرباً = فشجاك و أحزنك الطللُ
... كما يقول إنك جئتَ بقصيدة أخرى على ( فَعْلُنْ فَعْلُنْ) :
هذا عمرو يستعفي من = زيد عند الفضل القاضي
و يقول الرباوي - يا شيخنا - إن المحدثين قد استخرجوا من هذين الوزنين وزنا واحدا سمَّوه المُخَلَّع و خلطوا فيه بين هذا و ذاك... مع أن المخلع الذي نعرف نحن هو مخلع البسيط...
و بينما نحن في حديثنا عن المخلع، إذا ببعض المصورين يتوجهون نحونا مسرعين و يشرعون في التقاط الصور للشيخ الفراهيدي و للأديب أحمد بوزفور... ثم لم يلبث أن التحق بهم ( فوج) آخر من حملة آلات التصوير، و اختلط الناس بالناس و عمت الفوضى، فمال عليّ سي أحمد و قال لي بمرحه المعتاد ( احْماضَتْ) ...
و في تلك اللحظة بالذات ، جاء محمد علي الرباوي راكضا ، و شرع يبحث بنظراته عن الخليل بن أحمد... بيد أنه لم يعثر له على أثر. فلما أبصرني، سألني قائلا:
- أين الشيخ الفرهودي؟
قلت له:
- تقصد الفراهيدي ؟ لا أدري، فقد اختفى بكيفية مفاجئة... و الظاهر أنه انسحب دون إثارة الانتباه و مضى ليستريح في غرفته، فهو عليل الجسم كما تعلم...
و سمع سي أحمد كلامي فقال معلقا:
- و كيف يكون عليل الجسم و قد كان طوال حياته يحجُّ سنة و يَغْزو سنة ؟
ثم التفتَ إلى الرباوي و خاطبه قائلا:
- يا صديقي، أنتَ لم تعترف لنا بأنك تناولتَ مضيرة في خيمة الفراهيدي...
ثم أغرقنا نحن الثلاثة في الضحك...