ينطلق هذا العمل من فكرة الربط بين الشعر والسرد والتآزر بينهما لإنتاج نص شعري يأخذ من السرد خلاصة فحواه ويبدأ من حيث ينتهي هذا السرد خبراً ونصا ًليكون النص الشعري القادم ليس سردياً و لا خبرياً فقد أدّى النص النثري قبله هذه الوظيفة ولكن النص الشعري سيتسلم جمرة المعنى من السرد وينطلق بها الى آفاق الشعر الجمالية والفلسفية والماورائية أي ما وراء الخبر وما وراء السرد وما وراء التاريخ لا سيما إن النص السردي الممهد للنص الشعري في هذا العمل هو نص مستل من التاريخ بطريقة إنتقائية تجعل من التاريخ نفسه نصاً صادماً وخاصة عندما تضاف على تاريخية النص أو على نصية التاريخ لمسة درامية تفيد الجانبين السرد والشعر وتعمق الجدلية الفنية بينهما وبهذا يكشف العمل عن هويته الدرامية تلك الدراما التي تحاكي التاريخ وتثير غبار الأسئلة حوله .. والشعر أبو الأسئلة وخالقها ومطلقها في فضاء التلقي حيث تكون الأجوبة حدائق تأويلية لأسئلته لا علامات إستفهام ولا صيغ سؤالية ولكن الشاعر وحده القادر على حفر بئر الأسئلة في صحراء التاريخ .. كنت دائما أقول أن على الشاعر أن يحلق فوق التاريخ ولا يقع فيه فيصبح مؤرخاً أو مؤرشفاً فيسرقه التاريخ ويذوب في الخبر فتنطفئ جمرة الدهشة في خطابه .. على الشاعر أن يتسلم الخلاصة وينطلق بها وبهذا يبدأ من حيث ينتهي الآخرون ثمة مناطق في التاريخ لم يستطع النثر الوصول اليها بل حتى التاريخ نفسه لم يصلها لكنه أوصلنا اليها وأشار الى حدودها الخبرية وتركنا هناك في عراء السؤال فالباقي إذن ( يؤسسه الشعراء ) فأبطالي في هذا العمل - أصحاب الحسين - مرَّ بهم التاريخ مروراً سريعاً او ربما عابراً .. لماذا ؟ لأنهم ذابوا - تاريخياً - في الخبر الحسيني العام .. الثورة ومآلاتها وخلاصتها في يوم كربلاء ... ولكن أين التفاصيل ..؟ أين ملحمة هؤلاء الأبطال الخاصة بهم وصولا الى الملحمة الجامعة - كربلاء - ؟ لقد استشهد بعضهم قبل كربلاء فرسم المشهد مبكراً بدمه مثل سليمان بن رزين في البصرة وهانئ بن عروة وقيس بن مسهر الصيداوي في الكوفة فمدّوا الزمن الكربلائي الى الما قبل وبعضهم أُستشهد بعد كربلاء أو بعد لحظتها الفاجعة مثل الهفهاف الراسبي البصري أو عبد الله بن عفيف فمدّوا الزمن الكربلائي الى المابعد وبهذا أصبح يوم كربلاء دهراً او سرمداً فضلاً عن سرمدية لحظته الفاجعة في حينها .. حتى الذين استشهدوا في كربلاء فقد اقتفيت أثرهم التاريخي ـ على شحته - حتى أوصلتهم أو بالأحرى أوصلوني الى يوم كربلاء عبر مشاهد نثرية فرّخت مشاهد شعرية لكني وجدت في هذه الشحة التاريخية وفرة من الأحاسيس التي سميتها هواجس ووقفت في تلك المنطقة الفاصلة بين النثر أو السرد وبين الشعر ، وبين التاريخ وبين ما أهمله ، فأي نثر يستطيع وصف مشاعر قيس بن مسهر وهو يـُرمى من فوق قصر الإمارة ؟ ومن يصف مشاعر هانئ بن عروة وهو يُسحل في السوق بين أهله وعشيرته وهو زعيمها ؟ وأي نثر يستطيع وصف مشاعر أبي ثمامة وهو يجمع الأسلحة للثورة ويخفيها في بيت معزول في طرف المدينة خشية من عيون ابن زياد وهو يتأمل هذه الأسلحة وينام معها ليلاً ويحاورها بهواجسه .. ؟ ومن يصف مشاعر برير بن خضير حين طعنه أحد تلامذته الذين درسهم القرآن ، في ظهره ؟ ومن سار مع سيرة النوار بنت جابر أخت قاتل برير حين قالت له ( لقد قتلت شيخ القراء وأعنت على الحسين اذهب لن أكلمك بعد اليوم كلمة من رأسي أبدا ) ؟ لقد تركها التاريخ عند تلك الجملة ونُسيت تلك المرأة في رمادها العائلي .. كل هذه المشاعر وغيرها لم يغامر النثر او السرد في الوصول اليها وسبر أغوارها وتركها لمارد أدبي اقوى منه هو الشعر .. وبهذا يقول الشعر ما لم يقله التاريخ .. وهذه طريقتي نفسها في كتابي السابق ( لزوميات خمسميل - قصائد وحكايات ) أبدأ من حيث ينتهي التاريخ ، ولكني أتسلم من رماده الجمرة المخبوءة ،
علي الامارة 2011
- مقدمة كتاب (هواجس اصحاب الحسين) الصادر عام 2011 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد
علي الامارة 2011
- مقدمة كتاب (هواجس اصحاب الحسين) الصادر عام 2011 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد