تُرى هل يسامحني سميح.. أقصد الشاعر الفلسطيني الكبير «سميح القاسم» الذي صادف رحيله الرهيب عطلتي، في شهر غشت 2014؟؛ تُراه يسامحني لأني ما أوليت لموته حياة في الكتابة، علما أنه ترك بزخمه الشعري، أكثر من روح لا تفنى أو تُحد بجسد؟
أذكر آخر مرة سطع سميح كوكبا في مرآي، في مساء شعري بمسرح محمد الخامس بالرباط، وتحديدا يوم الإثنين 22 مارس من عام 2004؛ كان ينوء بثقل المرض مما أجبره على المشي برجلين وعكاز؛ كذلك كتبت ما يشبه التغطية بكفن، عن ذلكم المساء الشعري، وتساءلت؛ تُراها دواوينه الراسخة كجلمود، والتي ناهزت الثلاثين ديوانا، ما جعل كاهله ينوء لكن بشموخ؛ أم أن الزمن (ليس زمن السنين)، بل الزمن الرمزي للقضية الفلسطينية بكل انتفاضاتها، حجارتها، بيّاراتها المقصوفة، أحلامها، شهدائها، وبكل تاريخها الأثقل بدم الأبرياء، ما أحنى ظهره العليل قليلا، دون أن يصمت في قلبه الغناء الجريح الذي سيبقى لحنا منتصب القامة، يطير.. يطير مدى الإنسانية، وليس يمشي فقط..!
كنت غاضبا وأنا أكتب التغطية بكفن، وآلمني أن أرى سميحا ينخره الداء وئيداً، رغم أنه كان بالشحوب أسطع من قمر؛ لكن آلمني أكثر تلكم الشعارات التي ارتجت بين جدران مسرح محمد الخامس من حنجرات جمهور غفير؛ حتى كدت أصرخ: صمتا فالشاعر مريض..!
أجل، ما زالت نفس الشعارات ترتج في أنفسنا إلى اليوم دون جدوى، وستبقى، كما أسلفت في تغطيتي التي بكفن، حبيسة الحيطان والتسويفات الوهمية لدونكيشوتات السلام، أشبه بالصابون في علب التلفزيون التي ما أكثر صُنّاع رغوتها الذين يتلاعبون بالعقول..!
أوقف سميح الشعارات في المسرح بحركة من فراشة يده الواهنة، وأنا موقن أنه كان يتمنى في قرارة شعره، لو تحول العكاز إلى بندقية ليقصف كل الكلمات الزائدة عن ما تطيقه القصيدة؛ كلمات لا تقول أو تغير شيئا؛ ثم مال إلى جهة الضوء وأنشد:
يا جبهة السفاح
لا تتشامخي
نعل الشهيد
أعزّ منك وأكرمُ
أما أنا، فقد مضيت مع القصيدة أدراج حلم طويل، ولم أستيقظ إلا حين رشقتني وكالات الأنباء بالحبر البارد لخبر رحيل الشاعر؛ حاولت أن أكتب نعيا، فلم أستطع حين تراءى لي أن هذا النعي، قد يتحول في مستقبل الكتابة شعرا؛
ترى هل يسامحني سميح..؟!
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" 2014/10/2)
أذكر آخر مرة سطع سميح كوكبا في مرآي، في مساء شعري بمسرح محمد الخامس بالرباط، وتحديدا يوم الإثنين 22 مارس من عام 2004؛ كان ينوء بثقل المرض مما أجبره على المشي برجلين وعكاز؛ كذلك كتبت ما يشبه التغطية بكفن، عن ذلكم المساء الشعري، وتساءلت؛ تُراها دواوينه الراسخة كجلمود، والتي ناهزت الثلاثين ديوانا، ما جعل كاهله ينوء لكن بشموخ؛ أم أن الزمن (ليس زمن السنين)، بل الزمن الرمزي للقضية الفلسطينية بكل انتفاضاتها، حجارتها، بيّاراتها المقصوفة، أحلامها، شهدائها، وبكل تاريخها الأثقل بدم الأبرياء، ما أحنى ظهره العليل قليلا، دون أن يصمت في قلبه الغناء الجريح الذي سيبقى لحنا منتصب القامة، يطير.. يطير مدى الإنسانية، وليس يمشي فقط..!
كنت غاضبا وأنا أكتب التغطية بكفن، وآلمني أن أرى سميحا ينخره الداء وئيداً، رغم أنه كان بالشحوب أسطع من قمر؛ لكن آلمني أكثر تلكم الشعارات التي ارتجت بين جدران مسرح محمد الخامس من حنجرات جمهور غفير؛ حتى كدت أصرخ: صمتا فالشاعر مريض..!
أجل، ما زالت نفس الشعارات ترتج في أنفسنا إلى اليوم دون جدوى، وستبقى، كما أسلفت في تغطيتي التي بكفن، حبيسة الحيطان والتسويفات الوهمية لدونكيشوتات السلام، أشبه بالصابون في علب التلفزيون التي ما أكثر صُنّاع رغوتها الذين يتلاعبون بالعقول..!
أوقف سميح الشعارات في المسرح بحركة من فراشة يده الواهنة، وأنا موقن أنه كان يتمنى في قرارة شعره، لو تحول العكاز إلى بندقية ليقصف كل الكلمات الزائدة عن ما تطيقه القصيدة؛ كلمات لا تقول أو تغير شيئا؛ ثم مال إلى جهة الضوء وأنشد:
يا جبهة السفاح
لا تتشامخي
نعل الشهيد
أعزّ منك وأكرمُ
أما أنا، فقد مضيت مع القصيدة أدراج حلم طويل، ولم أستيقظ إلا حين رشقتني وكالات الأنباء بالحبر البارد لخبر رحيل الشاعر؛ حاولت أن أكتب نعيا، فلم أستطع حين تراءى لي أن هذا النعي، قد يتحول في مستقبل الكتابة شعرا؛
ترى هل يسامحني سميح..؟!
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" 2014/10/2)