د. أحمد الحطاب - فشلُ الحكومة الحالية أم فشلُ كل الحكومات؟

عنوان هذه المقالة، كما هو مُصاغٌ يجعلنا نتساءل هل، فقط، الحكومة الحالية هي التي فشلت في تدبير الشأن العام أم كل الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، على الأقل منذ بداية السِّتينيات، هي التي فشلت في أداءِ مهامها.

المنطق يقول، بكل حِيادٍ، كي نتأكَّد من هذا الفشل، يكفي أن نضعَ قائمةً للمشكلات التي عانى منها المجتمع المغربي ولا يزال يعاني منها، رغم ما تمَُ بَذلُه من جهود لا من طرف الحكومة الحالية ولا من طرف الحكومات التي سبقتها في تدبير الشأن العام.

والمشكلات التي لم تستطع لا الحكومة الحالية ولا الحكومات التي سبقتها، إيجادَ حلول لها، سألخِّصها في ستة نِقاطٍ وهي: الفساد، الفقر، الأمية، كرامة المواطنين، التوزيع العادل والمنصِف للثروة التي تُنتِجها البلاد، الرفع من جودة الخدمات التي تقدمهما المنظومتان، التربوية والصحية les systèmes éducatif et de santé للمواطنين.

كل هذه المشكلات، الفساد، الفقر، الأمية، كرامة المواطنين، توزيع الثروة، جودة المنظومتبن، التربوية والصحية، لا تزال قائمةً إلى يومنا هذا، علماً أن البلادَ نالت استقلالَها، رسمِباً، سنة 1956، أي مرَّ على نيلِ الاستقلال هذا، ما يُقارب 70 سنة. ألم تكن هذه المدة كافيةً لإيجاد حلول للقضاء على هذه المشكلات، أو على الأقل، التخفيف من حدتِها؟

هذه المدَّة كافية وزيادة لأن بلداناً كثيرةً كانت فقيرةً ومُتخلِّفةً، استطاعت، في ظرف وجيز، أن تخرج من الفقر والتَّخلُّف le sous-développement، وأصبح لها وجودٌ مُدوِّي في عوالِم الاقتصاد والتصنِيع والتنمية…

كوريا الجنوبية la Corée du Sud كانت، في بداية الستينيات، وبالضبط، كانت سنةَ 1960 من أكبر البلدان فقراً وتخلًّفاً. وفي ظرف 30 سنة، فقط، أصبحت من البلدان المُتقدِّمة صناعياً وتكنولوجياً. سنغافورة، نفس الشيء، تطلَّب خروجها من الجهل والفقر والتَّخلف أقل من 60 سنة. بل إن سنغافورة أصبحت، في السِّنين الأخيرة، تتوفَّر على أحسن منظومة تربوية في العالم، بل إن هذه المنظومة تحتلُّ المراتب الأولى في التَّصنيفات العالمية. أندونيسيا لم تقوي اقتصادها إلا انطلاقا من سنة 1998، حيث كان ناتِجُها الداخلي الخام son PIB سنة 1967 يُساوي ما يفوق 5 ملايير دولار بينما في سنة 2024، وصل هذا الناتج إلى رقمٍ قياسي فاق 1396 مليار دولار. فماذا يُستنتج من هذه الأمثلة الثلاثة؟

ما يُستَنتَج من هذه الأمثلة الثلاثة، هو أن تقدُّمَ البلدان لا تُمطره السماء، بمعنى أن مواطني بلادٍ معيَّمة، استيقظوا من نومٍهم ذات صباح، فوجدوا أن هذه البلاد، بقدرة قادر، أصبحت بلداً متقدِّما. لا ثم لا ولا شيءَ غير لا! التَّقدُّمُ يُبنى خطوة بخطوة، أي بالتَّدريج progressivement، والعقول البشرية هي التي تكون وراءه، أي هي التي تبنيه! والعقول البشرية تحتاج إلى ظروف مُعيَّنة تسمح لها بالمُضيِّ في البناء. ومن بين هذه الظروف، يأتي على رأس القائمة، استقرار البلاد سياسياً وأمنِباً.

في هذا البلد السعيد، الاستقرار والأمن مُتوفِّران. لكن المشكلات الأساسية، المشار إليها أعلاه، لا تزال قائمة وتُسيء للبلاد ولكرامة عيش المواطنين. إذن، هناك خللٌ يحول دون انشغال العقول بتقدُّم البلاد وبازدهارها وتنميتِِها. فما هو هذا الخلل؟

الخلل هو أن الأحزاب السياسية التي تصل إلى كراسي السلطة، عبر الانتخابات، ليست لها إرادة سياسية قوية تٌجبرها على القيام بما يلزم لبناء تقدُّم البلاد وازدِهارِها. بمعنى أن عقولَ السياسيين، عِوض أن تنشغِلَ بهذا البناء، فهي مُنشَغِلةٌ بأمور أخرى لا علاقة لها بمصلحة البلاد ولا بتقدُّمها وازدهارِها. منشغِلة بالإستِفادة بأكبر قدرٍ ممكن من المرور بكراسي السلطة.

والدليل على ذلك، أننا، في هذا البلد السعيد، لا نزال نعاني من مشكلات مزمنة des problèmes chroniques قضت عليها بلدانٌ أخرى في ظرف وجيز، أي أقل من المدة التي مضت على نيلِ المغرب استقلالَه والتي تساوي بالضبط 69 سنة.

والآن، تصوروا معي كيف كان سيكون المغرب لو كانت عقليات السياسيين المغاربة مشابِهة، أخلاقياً وإنسانياً، بعقليات السياسيين الكوريين الجنوبيين والسنغافوريين والأندنوسيين. علماً أنه وراء هذه العقليات المغربية والعقليات الثلاثة الأخرى. نفسُ العقول من حيث التركيب المُرفولوجي والبيولوجي. الفرق يا سادة هو أن هناك عقولاً تُملي على حامِلِها كل ما فيه خيرٌ للبلاد والعباد، وعقولاً تُملي على حامِلِها كل ما فيه خيرٌ للأشخاص والجماعات واللوبيات والأقليات النافذة les oligarchies puissantes.

بعد هذه التوضيحات، يتَّضح جلياً أنه لا الحكومة الحالية ولا الحكومات التي سبقتها فشلت في تدبير الشأن العام. لماذا؟ لأن المشكلَ مشكِلُ عقلياتٍ. وكل السياسات العمومية الصادرة عن هذه الحكومات مآلُها الفشل لأن وراءها عقلياتٌ فاسِدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى