عباس بيضون - البورتريه

أنظر إلى بورتريه رسمه لي صديق. أتذكر كيف انقبض قلبي حين تسلمته. ربما لأنني لا أرى صور الناس إلا في جنازاتهم، ربما لأن الصور الأمر لا أعرفه، ليست فألاً حسناً. اللوحة التي تمثلني، تمثلني، بطبيعة الحال، صامتا ثابت الملامح، صارم الملامح حتى ولو كنت مبتسما. الابتسامة عندئذ تكون معلقة على فمي، ستبقى هي نفسها مرة بعد مرة وسأنتهي إلى اعتبارها دمغة على فمي أو شبه دمغة. سأنظر إلى عيني، أنظر إلى عيني في اللوحة بعيني في الواقع، أجد عيني جامدة واقفة في محلها ولا تتحرك، أقول انني أنظر إلى صلعتي في البورتريه، حتى صلعتي أراها جامدة ساكتة. عهدي بها انها لا تتحرك في البورتريه ولا في الواقع فلماذا أشعر وأنا أطل عليها في المرآة انها هناك حية أكثر، وانها في البورتريه مصبوبة فوق وجهي. أظن ان الرسام صبها فوق وجهي. وان الشعر الذي في جانبيها، هو كل شيء إلا أن يكون شعراً.
انه لطخة أبيض وأسود، أنه لون، انتبه إلى ان كل ذلك ألوان، ان الرسام بضربة ريشة هنا صنع شعراً وبضربة ريشة هناك صنع وجها وخدين وشاربا وحاجبين لكن كل ذلك كان ألواناً، ألواناً فحسب. ان بوسع لون ان يصير حاجبا وخدين وشاربا لكنه يبقى لوناً، لوناً فقط، لقد رسمت هذه البورتريه لتكون أنا. ما حاجتي لأكون أنا في بورتريه. أرى نفسي في مرآة أقرب إلى ما هو أنا وأصحّ، لكن حتى المرآة لم أعد أنظر فيها كثيرا. لا أشتاق كثيراً إلى نفسي. في الحقيقة بدأت اتساءل لماذا ينظر الإنسان إلى صورته في بورتريه أو في مرآة. ألا يكفيه أن له هذه الصورة وهذا الوجه. لماذا يريد أن يكون اثنين أو ثلاثة، لماذا يريد أن يكون أكثر من واحد. ألا يكفيه ان يحمل هذا الوجه، وانه يأخذه معه كلما انتقل وان الناس، كثير من الناس ينظرون إليه ويرونه. ماذا يريد أكثر من ذلك، ماذا ينتفع من وجود وجه آخر له، وجه آخر لا ينطق ولا يتحرك ولا يفكر ولا ينظر ولا يحس، ماذا ينتفع من وجود حتى صوره الفوتوغرافية التي تقول له انك كنت طفلاً وفتى وصرت شاباً فكهلاً. بعض الناس يعيشون حياة ثانية حين يتصفحون صورهم. قد لا تتجاوز حياتهم هذه الصور. كنت أنظر إلى اليابانيين في هارفرد. انهم لا يفعلون سوى أن يتصوروا، كل لحظة بصورة، كنت أقول في نفسي أنهم الآن يصورون الرحلة فحسب، ولدى عودتهم سيفرشون هذه الصور أمامهم، وعندئذ، عندئذ فحسب يبدأون في عيش الرحلة. صورتي لا تقدم لي هذا الامتياز



. (السفير اللبنانية)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى