كيف يمكنك أن تحفر في الأعماق وفي الوقت نفسه تتسلق أعالي الجبال؟
كيف يمكن أن تكون في مكانين مختلفين في الوقت نفسه؟
باختصار، كيف يمكنك أن تُسقط المنطق؟
الجواب: نيتشه! كان نيتشه فيلسوفاً شاعراً والشعر مكّنه من الإستغناء عن المطلب الفلسفي الأساسي: المنطق!
لا حاجة للمنطق إذا كنت قويّاً بما يكفي. يمكنك أن تكون "هنا" و"هناك"، في مكانين مختلفين، في الوقت نفسه، بالمعنى المجازي والحرفي معاً، إذا كنت صاحب سلطان يسوّغ لك مثل هذا الكون (الكينونة) الوجود "غير المنطقي".
لا غرابة انه في كتبه اللاحقة [حينما صار يتفلسف بواسطة المطرقة] إنهال تدميراً على الجدل المنطقي القياس. المنطق هو سلاح الخندق الأخير، قال نيتشه مهاجماً سقراط هجوماً لا هوادة فيه! سلاح من لا سلاح عنده. سلاح الضعفاء والخاسرين!
فإن سألنا السؤال الذي لا مفرّ منه-
"كيف يمكن للفيلسوف الذي انطلق من أولوية الجسد، وجود الجسد، وكل ما يتعلق به بالتالي، أن يشرح لنا كيف يمكن للجسد أن يكون في مكانين مختلفين في الوقت نفسه؟"-
يأتي الرد النيتشوي: هذا سؤال باطل لمن ينطلق من أولوية الجسد! هذا سؤال يفترض بأن "المنطق" وبالتالي السؤال المنطقي، سؤال كوني موضوعي محايد. لا سؤال موضوعيا هناك ولا منطق كونياً محايداً. [من هنا تأتي حكاية أن "السلطة هي المعرفة" وليس العكس]
ومن يطرح السؤال، باعتباره سؤالاً منطقياً ومتذرعاً بكونية وموضوعية المنطق المزعومة، إنما يمارس سلطة المعرفة! السلطة هي التي تسلّم بداهة بأن "السؤال المنطقي" هو من الموضوعية بحيث لا مفرّ من الإجابة عليه اجابة مبدأية.
نيتشه الفيلسوف الشاعر تمرّد ضد هذه السلطة معتبراً أن التناقض المنطقي هو آخر ما يجب أن يثير قلق المفكّر. [والمفكر هنا بالمعنى الذي قصده هيدغر- التفكير بدلاً من الحكمة وحب الحكمة والمفكّر بدلاً من الفيلسوف. والمفكر هو الشاعر المفكّر شأن هولدرن]
هولدرن تكلّم عن "الإقامة شعرياً". و"الإقامة" و"التفكير"، على الأقل في حدود تأويل هيدغر، هو الأمر نفسه. أن تقيم شعرياً هو أن تفكّر شعرياً. ونيتشه هو الشاعر المفكر. ولكن أين نذهب من هنا بعد إهمال المنطق؟
في دراسة حديثة للفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبن بعنوان "جنون هولدرن" يجادل أغامبن بأن هولدرن، وخلافاً للزعم الراسخ، لم يكن مجنوناً خلال النصف الثاني من حياته. هولدرن "تظاهر" بالجنون. 36 عاماً من التظاهر بالجنون. هذا التظاهر بالجنون هو بمثابة "الإقامة شعرياً".
كان نيتشه طوال الأعوام العشرة الأخيرة مجنوناً فعلاً، مجنوناً جنوناً مرضيّاً. ولكن قبل ذلك، ومنذ استقالته من وظيفته الأكاديمية والتفرّغ تماماً للفلسفة من دون ضوابط أكاديمية، من دون الإلتزام بشروط المنطق، انضوى في حالة تشبه حالة هولدرن، "التظاهر بالجنون" أو "الإقامة شعرياً" أي التفكير شعريّاً.
#قراءة_نيتشه
#هوامش_على_متون_دريدا
كيف يمكن أن تكون في مكانين مختلفين في الوقت نفسه؟
باختصار، كيف يمكنك أن تُسقط المنطق؟
الجواب: نيتشه! كان نيتشه فيلسوفاً شاعراً والشعر مكّنه من الإستغناء عن المطلب الفلسفي الأساسي: المنطق!
لا حاجة للمنطق إذا كنت قويّاً بما يكفي. يمكنك أن تكون "هنا" و"هناك"، في مكانين مختلفين، في الوقت نفسه، بالمعنى المجازي والحرفي معاً، إذا كنت صاحب سلطان يسوّغ لك مثل هذا الكون (الكينونة) الوجود "غير المنطقي".
لا غرابة انه في كتبه اللاحقة [حينما صار يتفلسف بواسطة المطرقة] إنهال تدميراً على الجدل المنطقي القياس. المنطق هو سلاح الخندق الأخير، قال نيتشه مهاجماً سقراط هجوماً لا هوادة فيه! سلاح من لا سلاح عنده. سلاح الضعفاء والخاسرين!
فإن سألنا السؤال الذي لا مفرّ منه-
"كيف يمكن للفيلسوف الذي انطلق من أولوية الجسد، وجود الجسد، وكل ما يتعلق به بالتالي، أن يشرح لنا كيف يمكن للجسد أن يكون في مكانين مختلفين في الوقت نفسه؟"-
يأتي الرد النيتشوي: هذا سؤال باطل لمن ينطلق من أولوية الجسد! هذا سؤال يفترض بأن "المنطق" وبالتالي السؤال المنطقي، سؤال كوني موضوعي محايد. لا سؤال موضوعيا هناك ولا منطق كونياً محايداً. [من هنا تأتي حكاية أن "السلطة هي المعرفة" وليس العكس]
ومن يطرح السؤال، باعتباره سؤالاً منطقياً ومتذرعاً بكونية وموضوعية المنطق المزعومة، إنما يمارس سلطة المعرفة! السلطة هي التي تسلّم بداهة بأن "السؤال المنطقي" هو من الموضوعية بحيث لا مفرّ من الإجابة عليه اجابة مبدأية.
نيتشه الفيلسوف الشاعر تمرّد ضد هذه السلطة معتبراً أن التناقض المنطقي هو آخر ما يجب أن يثير قلق المفكّر. [والمفكر هنا بالمعنى الذي قصده هيدغر- التفكير بدلاً من الحكمة وحب الحكمة والمفكّر بدلاً من الفيلسوف. والمفكر هو الشاعر المفكّر شأن هولدرن]
هولدرن تكلّم عن "الإقامة شعرياً". و"الإقامة" و"التفكير"، على الأقل في حدود تأويل هيدغر، هو الأمر نفسه. أن تقيم شعرياً هو أن تفكّر شعرياً. ونيتشه هو الشاعر المفكر. ولكن أين نذهب من هنا بعد إهمال المنطق؟
في دراسة حديثة للفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبن بعنوان "جنون هولدرن" يجادل أغامبن بأن هولدرن، وخلافاً للزعم الراسخ، لم يكن مجنوناً خلال النصف الثاني من حياته. هولدرن "تظاهر" بالجنون. 36 عاماً من التظاهر بالجنون. هذا التظاهر بالجنون هو بمثابة "الإقامة شعرياً".
كان نيتشه طوال الأعوام العشرة الأخيرة مجنوناً فعلاً، مجنوناً جنوناً مرضيّاً. ولكن قبل ذلك، ومنذ استقالته من وظيفته الأكاديمية والتفرّغ تماماً للفلسفة من دون ضوابط أكاديمية، من دون الإلتزام بشروط المنطق، انضوى في حالة تشبه حالة هولدرن، "التظاهر بالجنون" أو "الإقامة شعرياً" أي التفكير شعريّاً.
#قراءة_نيتشه
#هوامش_على_متون_دريدا