السبت
خمسة و عشرون عاما، صرمناها في الخضوع، لمبدأ الوفاء.. المتبادل. ظلت زوجتي الثرثارة، خلالها، تهذي محبتي، وتحنو عليها، رغيا متواصلا، لا ينقطع.
حان بنا المكان، الى صندوق، استأمنتها عليه، كأن اشباحا متخاطرة، استحالت الى جبس لازب، اصطف حولنا، يتأمل، بحياد غائب.. مفقود.
كان ذلك، عندما سألتني عن العظمة الميتة، التي اكتشفها الاطباء، زائدة، في جسدي.
بمحاولة.. شبه بريئة، حدت بالموقف خارج نطاق استفسارها؛ اذ رحت احدق، بها مرة، وبالصندوق اميالا من مرات. أوصيها:
– هذا صندوق لا مثيل له. في باطنه، ما لا اول لنا بعده، ولا آخر قبله. انك ان،
قاطعتني بكل عنفوان السذاجة المهيضة، في فطرتها:
– سأشطب العالم، وألقي به من على كاهلي. متفانية في الحفاظ على الصندوق. للصندوق اعداء يتربصون بك.. تربصا! لذا؛ سأكون مثال الزوجة الوفية لزوجها وقضاياه.
استلقت بعض الاشباح بيننا، ساجية بطونها على الارض، وهي تسند احناكها بأكفها. متأملة. تغرق في بركة من الحياد، الذي لا ينفعل ولا يتدخل، ولن ينفعل او يتدخل، على الاطلاق، طوال القصة.
ان ثدييها الكبيرين، يتيحان لها فرصة اوسع، في الثرثرة وهذر الكلام، دون معان محددة، وربما في الخواء.. احيانا. كالسؤال عن عظمة ميتة وزائدة، نسيها الاطباء، ترجرجهما ببلاهة، فيتهدلان.
لم يكن الصندوق مقفلا، الا انها لم تجرؤ على رفع الغطاء عنه، وفوق كل هذا، راحت تغسله بانواع المساحيق المنظفة، ومختلف المطهرات، دون ان تجرؤ على تحريكه من مكانه. ثم تعود، غب انتقاء ساعة،او بعض الساعة، الى مسحه بقطعة قماش بيضاء، منداة بماء مقطر، وتظل تمسحه، حتى تلمع الواحه التي انصقلت، جراء تخاطر الايام، المتواترة. وقد تتيم قلب زوجتي، شجى، بالصندوق.
كان الضيوف القادمون، الى زيارتنا، يتحرجون، ضائقين بالقفزات الهلعة، التي تتبعها بالذهاب، مرات ومرات، الى غرفة الصندوق، تتفقده.
وبعضهم يستحي من نفسه، او تساوره الظنون فيتعجل بالانصرف، تاركا سيدة المنزل، لمشاغلها، نائمة تهلوس بالصندوق: (اقلع رأسك، كما يقلع الاطباء، في اضغاث الاحلام، اضراسهم).
بدا على الاشباح، انها استباحت حرمة المعنى، وبدأت تفهم.
ولأن زوجتي الثرثارة، رعناء، لا تعرف كيف تدير احلامها، فقد كانت تحلم احلاما خرقاء، ترفرف، مثل وعاء آيل للعفونة ( !؟ ) تستيقظ منها مذعورة، تجس الظلام، في غرفة الصندوق.. ساهرة ليلتها، تحرسه.
آلمني التعب المجنون الذي بلغته زوجتي. الا ان رغبة خبيثة في اشغالها عن مضايقتي، لازمت تأنيب الضمير، واحتوته. فاستحال الى هزء عميق، يجيئني من اسلاف اسلافي. عن ظهر قلب.
في الدرجات القصوى من تصاعد الحلم، ارى حماقاتها متجسدة، كأن يطرق الباب علينا ديناصور غافل، نسي ان ينقرض، او يتجشأ بالقرب منا شبح حرون.
وقد نفق وجهها، مثل حيوان مغبر، يشوى فوق جمر الوفاء، لخمسة وعشرين عاما، تتململ في ضيق الدهور المتلاصقة.
تظن احيانا ان رجلا غباريا، يربض فيه.. تلا آدميا، شاهقا، حتى سمت السماء.
مرة اعتدلت، امامي، في وقفها، وقالت:
– في الصندوق عود الله.. اليس كذلك ؟
فانقلبت على جنبي الآخر، مستسلما لأغفاءة التجاوز عن الاجابة، على سؤالها،،
كثيرا ما تختلق الاسباب، للدخول في مشادة مع اية جارة، لا على التعيين، مهما كانت عليه عرى المودة من متانة ووثوق؛لاعتقادها بأن كثرة المشادات، مع الجيران، تقي الصندوق من التلف وتصونه.
منيت افعالها تلك، بالبغض والقطيعة، من قبل الجميع؛ فراح الاهالي، يحاولون الاقتصاص منها، بارسال صبي عنهم، يبلغها البصاق:
– امي تسلم عليك وتقول: (تف). ثم يمر آخر ويحيها: (- تف).
وثالث اقرع، يقول لها: (- تف)، فتكشف ياقته الجدعاء، خلال ادباره، عن عنق اغبر، تصدأ الزجاج، المائل للتشظي، عليه، ونتأت اطلال بناء مندثر، ابلى العتق فيها دهورا، ظلت تتخذ منه عارا، تذكرالاهالي به، دائما، حتى في اوقات الصلح القصيرة ونتف الوفاق الشحيح.
يعبئنن الشواجير بالرصاص، استعدادا لملاقاتها، ثم يلذن بالخيبة، امامها، حين يكتشفن الشواجير المعبأة، وحدها، بلا بنادق، في ايديهن؛ فينكفئن عائدات للبنادق التي نسينها:
– يا.. جاوين البنادق ؟
البعض من صبية الحي، مجبولين على الظمأ، فيكتفون بازدراد لعابهم، حيثما يصادفونها.
تعود من شوط البصاق، معتدة بنفسها:
– كم يسر المرء، ان يتحمل بصاق الاعداء عليه، ايمانا منه بالقضية.
الصندوق، قضيتها التي شاخت لأجلها، اقمارا من المنازل المقدرة، ربما بحكم وجود العمر، او تقدمها في الصندوق.
اختل ضرام ادراكها المشحوذ؛ بشدة الاعياء، وضراوته؛ فجفت على لسانها لغات كثيرة، لم تتعلمها من قبل، ولم تسمع بها. و ازدهرت على فراشنا، خضرة تنين بليد، شاه عن بعض اوهامها.
– ماذا قال الاطباء عن العظمة ؟
– هذا صندوق لا مثيل له، في باطنه، ما لا اول لنا بعده ولا آخر قبله ، انك ان فرطت، بعصمة هذا الصندوق تكونين قد، دخلت غرفة الصندوق، بهدوء مطبق. هشمت الاربعاء والاحد والخميس، لا على التعيين، راحت تثرثر ما تطوله يداها: الجم. عة والثلا.. ثاء والا.. ثنين. ثم استراحت في اليوم السابع، تلتقط انفاسها، فوق صومعة الايام المتراكمة.
قالوا الجمعة وقالوا السبت وقالوا الاحد، كفى تبقى بلادة الكون، هي في ان يكون.
أومأت الاشباح، لبعضها البعض، متلاكزة، بالانصراف.
بغداد
* عن الزمان
خمسة و عشرون عاما، صرمناها في الخضوع، لمبدأ الوفاء.. المتبادل. ظلت زوجتي الثرثارة، خلالها، تهذي محبتي، وتحنو عليها، رغيا متواصلا، لا ينقطع.
حان بنا المكان، الى صندوق، استأمنتها عليه، كأن اشباحا متخاطرة، استحالت الى جبس لازب، اصطف حولنا، يتأمل، بحياد غائب.. مفقود.
كان ذلك، عندما سألتني عن العظمة الميتة، التي اكتشفها الاطباء، زائدة، في جسدي.
بمحاولة.. شبه بريئة، حدت بالموقف خارج نطاق استفسارها؛ اذ رحت احدق، بها مرة، وبالصندوق اميالا من مرات. أوصيها:
– هذا صندوق لا مثيل له. في باطنه، ما لا اول لنا بعده، ولا آخر قبله. انك ان،
قاطعتني بكل عنفوان السذاجة المهيضة، في فطرتها:
– سأشطب العالم، وألقي به من على كاهلي. متفانية في الحفاظ على الصندوق. للصندوق اعداء يتربصون بك.. تربصا! لذا؛ سأكون مثال الزوجة الوفية لزوجها وقضاياه.
استلقت بعض الاشباح بيننا، ساجية بطونها على الارض، وهي تسند احناكها بأكفها. متأملة. تغرق في بركة من الحياد، الذي لا ينفعل ولا يتدخل، ولن ينفعل او يتدخل، على الاطلاق، طوال القصة.
ان ثدييها الكبيرين، يتيحان لها فرصة اوسع، في الثرثرة وهذر الكلام، دون معان محددة، وربما في الخواء.. احيانا. كالسؤال عن عظمة ميتة وزائدة، نسيها الاطباء، ترجرجهما ببلاهة، فيتهدلان.
لم يكن الصندوق مقفلا، الا انها لم تجرؤ على رفع الغطاء عنه، وفوق كل هذا، راحت تغسله بانواع المساحيق المنظفة، ومختلف المطهرات، دون ان تجرؤ على تحريكه من مكانه. ثم تعود، غب انتقاء ساعة،او بعض الساعة، الى مسحه بقطعة قماش بيضاء، منداة بماء مقطر، وتظل تمسحه، حتى تلمع الواحه التي انصقلت، جراء تخاطر الايام، المتواترة. وقد تتيم قلب زوجتي، شجى، بالصندوق.
كان الضيوف القادمون، الى زيارتنا، يتحرجون، ضائقين بالقفزات الهلعة، التي تتبعها بالذهاب، مرات ومرات، الى غرفة الصندوق، تتفقده.
وبعضهم يستحي من نفسه، او تساوره الظنون فيتعجل بالانصرف، تاركا سيدة المنزل، لمشاغلها، نائمة تهلوس بالصندوق: (اقلع رأسك، كما يقلع الاطباء، في اضغاث الاحلام، اضراسهم).
بدا على الاشباح، انها استباحت حرمة المعنى، وبدأت تفهم.
ولأن زوجتي الثرثارة، رعناء، لا تعرف كيف تدير احلامها، فقد كانت تحلم احلاما خرقاء، ترفرف، مثل وعاء آيل للعفونة ( !؟ ) تستيقظ منها مذعورة، تجس الظلام، في غرفة الصندوق.. ساهرة ليلتها، تحرسه.
آلمني التعب المجنون الذي بلغته زوجتي. الا ان رغبة خبيثة في اشغالها عن مضايقتي، لازمت تأنيب الضمير، واحتوته. فاستحال الى هزء عميق، يجيئني من اسلاف اسلافي. عن ظهر قلب.
في الدرجات القصوى من تصاعد الحلم، ارى حماقاتها متجسدة، كأن يطرق الباب علينا ديناصور غافل، نسي ان ينقرض، او يتجشأ بالقرب منا شبح حرون.
وقد نفق وجهها، مثل حيوان مغبر، يشوى فوق جمر الوفاء، لخمسة وعشرين عاما، تتململ في ضيق الدهور المتلاصقة.
تظن احيانا ان رجلا غباريا، يربض فيه.. تلا آدميا، شاهقا، حتى سمت السماء.
مرة اعتدلت، امامي، في وقفها، وقالت:
– في الصندوق عود الله.. اليس كذلك ؟
فانقلبت على جنبي الآخر، مستسلما لأغفاءة التجاوز عن الاجابة، على سؤالها،،
كثيرا ما تختلق الاسباب، للدخول في مشادة مع اية جارة، لا على التعيين، مهما كانت عليه عرى المودة من متانة ووثوق؛لاعتقادها بأن كثرة المشادات، مع الجيران، تقي الصندوق من التلف وتصونه.
منيت افعالها تلك، بالبغض والقطيعة، من قبل الجميع؛ فراح الاهالي، يحاولون الاقتصاص منها، بارسال صبي عنهم، يبلغها البصاق:
– امي تسلم عليك وتقول: (تف). ثم يمر آخر ويحيها: (- تف).
وثالث اقرع، يقول لها: (- تف)، فتكشف ياقته الجدعاء، خلال ادباره، عن عنق اغبر، تصدأ الزجاج، المائل للتشظي، عليه، ونتأت اطلال بناء مندثر، ابلى العتق فيها دهورا، ظلت تتخذ منه عارا، تذكرالاهالي به، دائما، حتى في اوقات الصلح القصيرة ونتف الوفاق الشحيح.
يعبئنن الشواجير بالرصاص، استعدادا لملاقاتها، ثم يلذن بالخيبة، امامها، حين يكتشفن الشواجير المعبأة، وحدها، بلا بنادق، في ايديهن؛ فينكفئن عائدات للبنادق التي نسينها:
– يا.. جاوين البنادق ؟
البعض من صبية الحي، مجبولين على الظمأ، فيكتفون بازدراد لعابهم، حيثما يصادفونها.
تعود من شوط البصاق، معتدة بنفسها:
– كم يسر المرء، ان يتحمل بصاق الاعداء عليه، ايمانا منه بالقضية.
الصندوق، قضيتها التي شاخت لأجلها، اقمارا من المنازل المقدرة، ربما بحكم وجود العمر، او تقدمها في الصندوق.
اختل ضرام ادراكها المشحوذ؛ بشدة الاعياء، وضراوته؛ فجفت على لسانها لغات كثيرة، لم تتعلمها من قبل، ولم تسمع بها. و ازدهرت على فراشنا، خضرة تنين بليد، شاه عن بعض اوهامها.
– ماذا قال الاطباء عن العظمة ؟
– هذا صندوق لا مثيل له، في باطنه، ما لا اول لنا بعده ولا آخر قبله ، انك ان فرطت، بعصمة هذا الصندوق تكونين قد، دخلت غرفة الصندوق، بهدوء مطبق. هشمت الاربعاء والاحد والخميس، لا على التعيين، راحت تثرثر ما تطوله يداها: الجم. عة والثلا.. ثاء والا.. ثنين. ثم استراحت في اليوم السابع، تلتقط انفاسها، فوق صومعة الايام المتراكمة.
قالوا الجمعة وقالوا السبت وقالوا الاحد، كفى تبقى بلادة الكون، هي في ان يكون.
أومأت الاشباح، لبعضها البعض، متلاكزة، بالانصراف.
بغداد
* عن الزمان