محمد نوري جواد - النحو والصوت..

سألني أحد الزملاء عن إعراب قوله تعالى ( وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) , وقد أشار إلى الفعل (يؤتِ) , وقد علمت ما الذي يريده , فالفعل المضارع الذي ينتهي بحرف العلة في قواعد اللغة العربية التي ندرسها لا يحذف إلا لعلة وهي غير متوافرة في هذه الكلمة , فالفعل أصله (يُؤتي) ولم يتقدم على الفعل أداة جزم لكي تحذف ياؤه أو يحذف من الفعل مصوت قصير , وتنص كتب القواعد أن هذه الأفعال تكون كذلك مثل : لم يراعِ , وأصلها يراعي , ولم يرمِ , وأصلها يرمي ... وإن حرف التنفيس (سوف) في الآية لا يعمل عمل أدوات الجزم ؛ لذا كان ينبغي أن يكتب (يُؤتي) بالياء .
الجواب عن هذا السؤال يدخلنا في خصوصية رسم القرآن الكريم فهو يختلف عن الرسم الكتابي المتبع , وليس الوجه عند النحويين حذف الياء المديّة فيها , ومثل ذلك قوله تعالى ( يَومَ يُنَادِ المُنَادِ ) , فالياء من (يناد) حذفت خطا ، وكذلك ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) , وقوله ( يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ) فالواوات حذفت ههنا , وهذا ما تحدث عنه سيبويه في باب ( ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها ساكن ) أي : علة الحذف هي التخلص من التقاء الساكنين , وخلاصة ذلك أعزائي أن الفعل (يؤتِ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة رسما لالتقاء الساكنين عند القدامى , والمحدثون يرون أن الياء تساوي كسرتين فحذفت كسرة وبقيت كسرة , فيكون الإعراب : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء الذي حذف منها مصوت قصير . ولاحظت أن بعض معربي القرآن الكريم المحدثين يعربونه (فعل مضارع) وكفى من دون إيضاح كالدعاس ومحيي الدين درويش .
وإذا نظرنا إلى اللفظ أدركنا بكل وضوح أن قراءة (يؤتِ الله) , وقراءتك (يؤتي الله) سيان في اللفظ , وأن ما ورد في الآيات الكريمة سابقا هو توافق الخط مع اللفظ , وقراءتك (يؤتي الله) لم يتوافق فيها اللفظ مع الصوت ؛ لأنك ستقرأ (يؤتِ الله) ؛ لأن الياء المديّة تلفظ كسرة أي : مصوت قصير في حالة الوصل ؛ لأنك إذا لفظتها ياء ستشعر بالثقل في المقطع الصوتي , وصفوة القول : هذا وجه ليس عند النحويين , ووجه عند الأصواتيين , ولكي تكتمل الفائدة هناك آيات قرآنية كتبت بالياء في مثل هذا الموضع أي : مجيء حرف ساكن بعدها نحو قوله تعالى ( وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ ) , فلم يتوافق الخط مع اللفظ فيها فالأصواتيون يلفظونها ( وما تغنِ الآيات ) ؛ للعلة السابقة وهي ثقل لفظ الياء أي : لفظها كسرتان , وهذا وجه يرتضيه النحويون , أي : على العكس مما سبق , وقد جاءت الياء المديّة على شكل كسرة (مصوت قصير) خطا ونطقا ولم يأت بعدها حرف ساكن كقوله تعالى ( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وإعرابه ما ذكرناه في (يؤتِ) .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى