في صباح كل يوم كانت أم احمد تستيقظ من نومها وتنفض عن وجهها النعاس وكأنه ريش يتطاير في أرجاء غرفتها الصغيرة، وبخطوات متمايلة تضع جسدها النحيل على الأرض لتذهب وتبدأ يومها وعملها منذ طلوع الشمس حتى غروبها، كانت كل ما تريد أن تحمل شيء تنظر إليه بنظرات كئيبة نظرات يملأها الحزن والأسى على ما فاتها من عمرها وهي الآن تبلغ الستين وهي قد تحملت الكثير من التعب، كانت كل ما تستيقظ تفتح نافذتها المطلة على بيوت الزقاق لتدخل الشمس إلى غرفتها وتغمرها بالنشاط والحيوية، بدأت أم احمد عملها المعتاد لبست عباءتها السوداء وذهبت لتجلب الحطب وتشعل به التنور المركون في زاوية سطح المنزل الصغير الذي تسكن فيه فرجعت وهي تحمل على ظهرها أكوام من صغيرة من جذوع الأشجار المقطعة فصعدت إلى سطح المنزل ووضعته بالقرب من ذلك التنور، ثم نزلت وهي تدندن مع نفسها مقاطع من الأغاني الشعبية التي كانت تسمعها في شبابها، راحت أم احمد تحضر عجينة الخبز في مطبخها المتواضع، الذي لا يحتوي إلا على منضدة صغيرة وكرسي وأكياس من الحنطة المتراكمة وهناك في الجانب الآخر من ذلك المطبخ يوجد رف خشبي تضع عليه فانوساً يضيء لها أركان المكان، أكملت عملها بتحضير عجينة الخبز ثم صعدت إلى السطح لتقوم بخبزه وهناك تصاعدت رائحة الخبز وانتشرت فوق سطوح تلك المنازل في ذلك الحي القديم، أنهت أم احمد عملها ونزلت لتضع الخبز الحار على ملاءة بيضاء ليبرد وتقوم ببيعه لسكان الحي، ثم أخذت قسطاً من الراحة وجلست بالقرب من حديقتها الصغيرة في باحة المنزل وهي تنظر إلى أشجارها المخضرة لتبعث في نفسها الأمل بالحياة من جديد بعد ما إصابتها حالة من اليأس والتعب من ظروف الحياة الصعبة، اعتادوا عليها سكان الحي وهم يعرفون إنها امرأة قست عليها الأيام والسنين من يوم وفاة زوجها، وتركها هي وابنها تعيش حياتها و بعد أن تزوج ابنها الوحيد وذهب مع زوجته ليسكن في منزل مجاور من منزلهما، اعتادت أم احمد بأن تعيش يومها وهي منهمكة في أعمال المنزل وتربية بعض الحيوانات الأليفة التي تملأ عليها وحدتها وتنسيها التعب، وفي احد الأيام ذهبت أم احمد إلى السوق لتجلب بعض الخضار وأدوات الحياكة إذ إنها تحب عمل وحياكة السجاد في بعض الأوقات.
في إحدى أيام الشتاء البارد ذهبت متجهتاً إلى بيت ابنها احمد وطرقت الباب ثم فتحت لها كنتها مريم وضحكت بوجهها ثم قالت لها أهلاً بعمتي تفضلي لم أنت واقفة على عتبة الباب ، فنظرت ام احمد إليها بنظرة استغراب وقالت لها ما بالك يا عزيزتي أنت غريبة الطباع اليوم هل حدث شيء، فأجابتها كلا لم يحدث شيء فهذا طبعي ولا تستغربي مني، ضحكت عمتها ثم دخلت وجلست على الأريكة الموجدة في باحة المنزل ذهبت مريم لتجلب لها قدح الشاي المعتادة على تقديمه لها كل ما قامت بزيارتها..
شربت الشاي ثم بدأ الحديث يدور بينهما وسألتها على أحوالها وأحوال زوجها الذي يعمل نجاراً في إحدى محلات الزقاق خاصة وهي تعرف انه يعاني منذ طفولته من مرض الربو، كانت دائماً مشغولة البال عليه وكثيرة التفكير به وكانت بين الحين والآخر تأتي لتطمئن عليه وعلى صحته، هنا أجابتها كنتها مريم:” إنه بخير يا عمتي ولا تقلقي بشأنه فهو يعرف كيف يتفادى المرض”، بعد أن انهيا حديثهما عن أمور كثيرة تخصهم وتخص الحي الذي يسكنون فيه، استعدت أم احمد للرجوع إلى منزلها تاركة وراءها مواضيع اختصرت الحديث بها وكانت على عجلة من أمرها بأن تعود إلى غرفتها لتكمل صناعة السجادة التي بدأت بحياكتها منذ شهر. وعندما انتهت من حياكة السجادة، ذهبت لتأخذ قسطاً من الراحة في غرفتها لعلها تنسى تعب اليوم الذي مرّ عليها وهي تفكر في ابنها وتقوم بأعمال المنزل. وفي هذه الأحيان وهي جالسة على سريرها استغرقت في نوم عميق حيث رأت في منامها طفلاً صغيراً يحمل بيديه قطعة من القماش ناصعة البياض ومطرزة بالقليل من الخرز الملون وهو متجه نحوها ثم قام بإعطائها إياها ثم ذهب يمشي مسرعاً على طريق طويل يوجد في نهايته أشجار يتخلل أغصانها خيوط من الشمس المشرقة.
وبعد ذلك استيقظت من نومها وقد طلع الصباح وبلغت الشمس ذروتها واعتلت الغيوم، اتجهت نحو نافذة الغرفة كعادتها وفتحت النافذة ليدخل ضوء الشمس إلى الغرفة.هناك تذكرت ما رأته في منامها ثم ذهبت إلى بيت ابنها لتروي ما رأته في منامها فأخبرتها بأن الطفل كان المستقبل وقطعة القماش كانت الحياة السعيدة والشمس كانت الأمل، فملأ الفرح قلبها وكان قد زال عنها الحزن، فرجعت إلى بيتها وهي تقول في نفسها:” الآن قد أدركت إن الصبر مفتاح الفرج”.
إسراء محمود – بغداد
* عن الزمان
في إحدى أيام الشتاء البارد ذهبت متجهتاً إلى بيت ابنها احمد وطرقت الباب ثم فتحت لها كنتها مريم وضحكت بوجهها ثم قالت لها أهلاً بعمتي تفضلي لم أنت واقفة على عتبة الباب ، فنظرت ام احمد إليها بنظرة استغراب وقالت لها ما بالك يا عزيزتي أنت غريبة الطباع اليوم هل حدث شيء، فأجابتها كلا لم يحدث شيء فهذا طبعي ولا تستغربي مني، ضحكت عمتها ثم دخلت وجلست على الأريكة الموجدة في باحة المنزل ذهبت مريم لتجلب لها قدح الشاي المعتادة على تقديمه لها كل ما قامت بزيارتها..
شربت الشاي ثم بدأ الحديث يدور بينهما وسألتها على أحوالها وأحوال زوجها الذي يعمل نجاراً في إحدى محلات الزقاق خاصة وهي تعرف انه يعاني منذ طفولته من مرض الربو، كانت دائماً مشغولة البال عليه وكثيرة التفكير به وكانت بين الحين والآخر تأتي لتطمئن عليه وعلى صحته، هنا أجابتها كنتها مريم:” إنه بخير يا عمتي ولا تقلقي بشأنه فهو يعرف كيف يتفادى المرض”، بعد أن انهيا حديثهما عن أمور كثيرة تخصهم وتخص الحي الذي يسكنون فيه، استعدت أم احمد للرجوع إلى منزلها تاركة وراءها مواضيع اختصرت الحديث بها وكانت على عجلة من أمرها بأن تعود إلى غرفتها لتكمل صناعة السجادة التي بدأت بحياكتها منذ شهر. وعندما انتهت من حياكة السجادة، ذهبت لتأخذ قسطاً من الراحة في غرفتها لعلها تنسى تعب اليوم الذي مرّ عليها وهي تفكر في ابنها وتقوم بأعمال المنزل. وفي هذه الأحيان وهي جالسة على سريرها استغرقت في نوم عميق حيث رأت في منامها طفلاً صغيراً يحمل بيديه قطعة من القماش ناصعة البياض ومطرزة بالقليل من الخرز الملون وهو متجه نحوها ثم قام بإعطائها إياها ثم ذهب يمشي مسرعاً على طريق طويل يوجد في نهايته أشجار يتخلل أغصانها خيوط من الشمس المشرقة.
وبعد ذلك استيقظت من نومها وقد طلع الصباح وبلغت الشمس ذروتها واعتلت الغيوم، اتجهت نحو نافذة الغرفة كعادتها وفتحت النافذة ليدخل ضوء الشمس إلى الغرفة.هناك تذكرت ما رأته في منامها ثم ذهبت إلى بيت ابنها لتروي ما رأته في منامها فأخبرتها بأن الطفل كان المستقبل وقطعة القماش كانت الحياة السعيدة والشمس كانت الأمل، فملأ الفرح قلبها وكان قد زال عنها الحزن، فرجعت إلى بيتها وهي تقول في نفسها:” الآن قد أدركت إن الصبر مفتاح الفرج”.
إسراء محمود – بغداد
* عن الزمان