إن كان المقصود من الأدب العربي الحديث، هو ذلك النتاج الأدبي الذي شهد ميلاده في عصر النهضة العربية، الذي صادف بدء الثلث الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وامتد إلى يومنا هذا، فإن لنا وقفة في هذا المقام نحاول من خلالها مستوى التجاوب، الذي عرفه مغرب ومشرق العقد الثالث من القرن العشرين الميلادي، وذلك على الصعيد الأدبي بوجه خاص.
ولا يخفى على المهتمين بالموضوع ما يكتسيه هذا المنعطف التاريخي من أهمية بالغة بالنسبة لذاكرة الثقافة المغربية، كما أن الجميع يدرك ضرورة الإلتفات بالدرس، والتحليل، والتأريخ إلى جذور وبوادر الأدب المغربي الأولى، مع موازاتها بأختها المشرقية، لأن في القيام بهذا العمل وبذل هذا الجهد خدمة علمية قيمة، بإمكان الباحثين والدارسين المبادرين إليها أن يعرفوا ويوضحوا الهوية الحقيقية للثقافة المغربية، مع العلم أن الخوض في هذا الشأن يستحق جهدا متواصلا في ما يستقبل من الزمان، لأن مسألة الأدب المغربي في حد ذاتها لا يحاط بها دون عناء ونصب.
ثم لا يخفى على القارئ أن الأدب العربي في المغرب خاصة وفي شمال أفريقية بوجه عام قد لقي كثيرا من الإهمال والتهميش في العالم العربي، وعلى العكس تماما فتمة كثيرين كتبوا عن الأدب المشرقي منذ طوره الجاهلي وإلى زمنه الحديث في مصر، والشام، والعراق، وإذا كانت أصداء أدب المشرق قد استطاعت أن تصل المغرب وتتردد فيه، فإن أصداء الأدب المغربي لم تتمكن من نيل ذات الحظ في بلوغ المشرق والتردد فيه.
ويرجع عبد الله كنون السبب في ما لقيه الأدب المغربي من إهمال وتهميش إلى الأدباء المغاربة، الذين لم يحفلوا بماضيهم وضيعوا حاضرهم، وفي هذا السياق يقول الأديب المغربي عبد الله كنون:(...وقد كثر عتب الأدباء في المغرب على إخوانهم في المشرق لتجاهلهم إياهم، وإنكار كثير منهم لكثير من مزاياهم، ولكن أعظم اللوم في هذا مردود على أولئك الذين ضيعوا أنفسهم، وأهملوا ماضيهم وحاضرهم، حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم...)*
في حين يرى زكي مبارك أمرا آخر، وينفي عن الأدباء المغاربة ما لامهم عليه عبد الله كنون، إذ يقول:(...وكما خلا العقد الفريد من أدب الأندلس، خلا زهر الآداب من أدب أهل المغرب، أيكون معنى هذا أن الأندلسيين والمغاربة يستخفون بآثارهم الأدبية؟.. ولكن معناه أنهم كانوا يرون المثل الأعلى عند أهل المشرق، فكانوا يجدون في نقل ما أثر عن أهل المشرق من القصائد، والرسائل، والحكم، والأمثال، وكذلك كان زهر الآداب المرجع الأول، الذي اعتمدت عليه في أكثر الشواهد المشرقية، مع أنه لرجل تونسي من أهل القيروان)**
هكذا نستخلص من رأي عبد الله كنون أن ذاكرة الثقافة المغربية في حاجة إلى إحياء ماضيها الأدبي والفكري، وذلك للحفاظ عليها وتزكية لحاضرها كذلك، أما زكي مبارك فيخبرنا باتخاذ أهل المغرب إخوانهم في المشرق العربي مثلا أعلى، ثم إن المؤرخ الادبي يستطيع أن يلاحظ الجديد، الذي حمله أدب النهضة الحديثة في البلاد العربية الإسلامية، والمتمثل في نزوعه إلى مجاراة جديد النهضة الأدبية في الروح والأسلوب، بحيث ظهرت وساهمت طائفة من الاعلام العربية في الأدب والتاريخ في تطوير فنون الشعر والنثر، كاحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وزكي مبارك وغيرهم كثير من أدباء المشرق العربي.
ثم لقد بزغ أدباء مغاربة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن العباس القباج، وعبد الله كنون، ومحمد المختار السوسي، وعلال الفاسي، فكانت هناك موضوعات غير قليلة طرقها كل هؤلاء الأدباء العرب، كموضوع الوحدة العربية، والنقد الأدبي والإجتماعي، والتراث والإجتماع، والفكر وغيرها من المواضيع، التي كانت ولا تزال تطرح بحدة.
-------------------
*كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي، الجزء الأول، مكتبة المدرسة ودار الكتب اللبناني للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، الصفحة: 31.
**النثر الفني في القرن الرابع الهجري، الجزء الأول، المكتبة التجارية، الطبعة الثانية، الصفحة: 11.
د. العيد جلولي
ولا يخفى على المهتمين بالموضوع ما يكتسيه هذا المنعطف التاريخي من أهمية بالغة بالنسبة لذاكرة الثقافة المغربية، كما أن الجميع يدرك ضرورة الإلتفات بالدرس، والتحليل، والتأريخ إلى جذور وبوادر الأدب المغربي الأولى، مع موازاتها بأختها المشرقية، لأن في القيام بهذا العمل وبذل هذا الجهد خدمة علمية قيمة، بإمكان الباحثين والدارسين المبادرين إليها أن يعرفوا ويوضحوا الهوية الحقيقية للثقافة المغربية، مع العلم أن الخوض في هذا الشأن يستحق جهدا متواصلا في ما يستقبل من الزمان، لأن مسألة الأدب المغربي في حد ذاتها لا يحاط بها دون عناء ونصب.
ثم لا يخفى على القارئ أن الأدب العربي في المغرب خاصة وفي شمال أفريقية بوجه عام قد لقي كثيرا من الإهمال والتهميش في العالم العربي، وعلى العكس تماما فتمة كثيرين كتبوا عن الأدب المشرقي منذ طوره الجاهلي وإلى زمنه الحديث في مصر، والشام، والعراق، وإذا كانت أصداء أدب المشرق قد استطاعت أن تصل المغرب وتتردد فيه، فإن أصداء الأدب المغربي لم تتمكن من نيل ذات الحظ في بلوغ المشرق والتردد فيه.
ويرجع عبد الله كنون السبب في ما لقيه الأدب المغربي من إهمال وتهميش إلى الأدباء المغاربة، الذين لم يحفلوا بماضيهم وضيعوا حاضرهم، وفي هذا السياق يقول الأديب المغربي عبد الله كنون:(...وقد كثر عتب الأدباء في المغرب على إخوانهم في المشرق لتجاهلهم إياهم، وإنكار كثير منهم لكثير من مزاياهم، ولكن أعظم اللوم في هذا مردود على أولئك الذين ضيعوا أنفسهم، وأهملوا ماضيهم وحاضرهم، حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم...)*
في حين يرى زكي مبارك أمرا آخر، وينفي عن الأدباء المغاربة ما لامهم عليه عبد الله كنون، إذ يقول:(...وكما خلا العقد الفريد من أدب الأندلس، خلا زهر الآداب من أدب أهل المغرب، أيكون معنى هذا أن الأندلسيين والمغاربة يستخفون بآثارهم الأدبية؟.. ولكن معناه أنهم كانوا يرون المثل الأعلى عند أهل المشرق، فكانوا يجدون في نقل ما أثر عن أهل المشرق من القصائد، والرسائل، والحكم، والأمثال، وكذلك كان زهر الآداب المرجع الأول، الذي اعتمدت عليه في أكثر الشواهد المشرقية، مع أنه لرجل تونسي من أهل القيروان)**
هكذا نستخلص من رأي عبد الله كنون أن ذاكرة الثقافة المغربية في حاجة إلى إحياء ماضيها الأدبي والفكري، وذلك للحفاظ عليها وتزكية لحاضرها كذلك، أما زكي مبارك فيخبرنا باتخاذ أهل المغرب إخوانهم في المشرق العربي مثلا أعلى، ثم إن المؤرخ الادبي يستطيع أن يلاحظ الجديد، الذي حمله أدب النهضة الحديثة في البلاد العربية الإسلامية، والمتمثل في نزوعه إلى مجاراة جديد النهضة الأدبية في الروح والأسلوب، بحيث ظهرت وساهمت طائفة من الاعلام العربية في الأدب والتاريخ في تطوير فنون الشعر والنثر، كاحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وزكي مبارك وغيرهم كثير من أدباء المشرق العربي.
ثم لقد بزغ أدباء مغاربة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن العباس القباج، وعبد الله كنون، ومحمد المختار السوسي، وعلال الفاسي، فكانت هناك موضوعات غير قليلة طرقها كل هؤلاء الأدباء العرب، كموضوع الوحدة العربية، والنقد الأدبي والإجتماعي، والتراث والإجتماع، والفكر وغيرها من المواضيع، التي كانت ولا تزال تطرح بحدة.
-------------------
*كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي، الجزء الأول، مكتبة المدرسة ودار الكتب اللبناني للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، الصفحة: 31.
**النثر الفني في القرن الرابع الهجري، الجزء الأول، المكتبة التجارية، الطبعة الثانية، الصفحة: 11.
د. العيد جلولي