جاء في النسخة المخطوطة من كتاب " إتحاف الخلان "، وهي النسخة المحفوظة بدار الكتب بنجدان:
حدثنا عيسى بن الهيثم الفزاري، عن العليل بن الحسن بن ثعلبة، عن عبدالأعلى التميمي، عن شيخنا أبي الفضل، قال:
قد ينسى المؤرخون أمورا كثيرة، يوم يكتبون تاريخ بلادنا المجيد، ولكنهم لن ينسوا أبدا خطبة َ الطاغية في شعراء المفضليات، المجتمعين بالقاعة الكبرى بوزارة الشعر، وذلك يوم العيد الوطني لنجدان. فقد صعد المستبد بالله إلى منصة الخطابة، وشرع ينظر إلى أولئك الشعراء القادمين من أزمنة وأمكنة سحيقة، بدعوة منه، ثم تنحنح كعادته وحمد الله وأثنى عليه وقال:
يا شعراء المفضليات،
مرحبا بكم في نجدان، أرض الأمجاد والجور والطغيان، واعلموا أنكم قد حللتم هنا بين إخوانكم وأهليكم، بين ناس كرام ليس من أخلاقهم عاجل الفُحْش ولا سوء الجزَع، كما قال واحد من شعرائكم الأجلاء، وهو سُوَيد بن أبي كاهل اليَشْكُري، في القصيدة العينية التي يفخر فيها بقومه بني بكر بن وائل
واسمحوا لي أن أقدم تحية خاصة إلى هذا الشاعر اليشكري، الحاضر بيننا اليوم، والذي تجشم عناء السفر رغم علو سنه، وأن أقول له: اعلم يا سُويد أني لا أنسى عينيتك المفضلية البديعة على الرمل، التي تقول في مطلعها :
بسطتْ رابعة ُ الحبلَ لنا = فوَصَلْنا الحبْلَ منها ما اتَّسَعْ
فقد كانت العرب تقدمها وتعدها من أغلى الشعر وأنفسه. وقد درستُها بيتاً بيتاً على والدي المرحوم، السلطان الجائر بأمر الله، أيام كنت وليا لعهده، وبقيتُ أحفظها حتى يومنا هذا.
وإني أرى عن يمينك، يا سُوَيد، هنا في هذه القاعة الجميلة، في هذا اليوم التاريخي، شاعرا آخر من المجيدين ، هو هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة، المعروف بالكَلْحَبَة. وقد أحببتُ شعره هو أيضاً وأنا طفل ألعب في ساحة القصر، وما زلت أحبه اليوم وأنا كهل أمارس، بمشيئة الله تعالى، ضروبا من الظلم وألوانا من الطغيان على أهالي نجدان .
ويا أخي الكَلْحَبَة، لطالما حلمتُ في صباي و شبابي بفَرَسك التي ذكرتَها في شعرك، والتي اخترتَ لها اسما عجيباً حقا، هو العَرَادة. وقد تساءلَ يوماً أعداؤك من بني جُشَم بن بكر عن لون هذه الفرس، أغَرّاء هي أم بَهيم، فأجبتَهم بميميتك المفضلية، التي تقول في مطلعها :
تُسائلُني بَنو جُشَمَ بنِ بَكْرٍ = أغَرّاءُ العرادةُ أم بَهيمُ ؟
وبيتك هذا، أيها الشاعر، حجة لأصدقائنا الكوفيين في إجازة تأنيث الفعل مع جمع المذكر السالم، وهو تأنيث منصوص عليه في دستور نجدان. كما يعجبني قولك، أيها الشاعر، في مفضلية أخرى، حين طلبتَ من ابنتك " كأس" أن تُلجم هذه الفرَس :
و قلتُ لكأسٍ ألْجميها فإنما = نزلنا الكثيبَ منْ زَرُودَ لنفزَعا
ولا أكتمك أن اسم الكثيب، الذي أطلقتُهُ على السجن الكبير بنجدان، إنما استلهمتُهُ من هذا البيت بالذات. أما اسمُ " كأس"، الذي سمَّيتَ به ابنتك، فتستحق عليه جائزة نجدان التقديرية، لأنه يدل على ذوقك الرفيع .
وأرى عن يمينك الشاعر المُجيد عبدة بن الطبيب، الذي كان لصا يصيب الطريق، ثم أسلم وشهدَ مع المثنى بن حارثة قتالَ هرمز، وكان في جيش النعمان بن مقرن، في حرب الفرس بالمدائن. وقد اشتهر هذا الشاعر الجوني ببيته العجيب، في رثاء قيس بن عاصم المنقري :
فما كان قيسٌ هلْكَُهُ هُلْك واحدٍ = و لكنه بنيان قومٍ تَهدما
وهو البيت الذي قال عنه أبو عمرو بن العلاء: " هو أرثى بيت قالته العرب." وقال عنه ابن الأعرابي : " ما لهذا البيت نظير في الجاهلية ولا في الإسلام ."
واعلم، يا أخي عبدة، أني أحفظ لاميتك المفضلية، التي مطلعها :
هلْ حبْلُ خولة َ بعدالهجر موصولُ = أم أنتَ عنها بعيد الدار مشغولُ ؟
ولطالما تمثلتُ منها بالبيت البديع الذي تقول فيه :
و المَرْءُ ساعٍ لأمرٍ ليس يُدركهُ = و العيشُ شحٌّ و إشفاقٌ و تأميلُ
وغير بعيد عنك يجلس الشاعر حُرْثان بن الحارث بن محرث، المشهور بذي الإصبع العَدْواني، صاحب النونية التي لم يأت بمثلها شاعر قبله ولا بعده، والتي يقول فيها :
ليَ ابنُ عمٍّ على ما كان منْ خُلُقٍ = مختلفان فأقْليه و يَقْليني
أزْرىٰ بنا أننا شالتْ نعامتُنا = فخالني دونه بل خلْتُهُ دوني
يا عَمْرو إنْ لا تَدَعْ شتمي و منقصتي = أضربْك حيث تقول الهامة اسْقُوني
لولا أواصرُ قربى لستَ تحفظها = و رهبة الله فيمن لا يعاديني
إذاً بريتكَ بَرْياً لا انجبارَ لهُ = إني رأيتك لا تنْفَكُّ تَبْريني
إنّ الذي يقبض الدنيا و يبسطها = إنْ كان أغناك عني سوف يُغْنيني
اللهُ يَعْلمني و الله يَعْلمكم = و الله يَجزيكمُ عني و يَجْزيني
ماذا عليَّ و إنْ كنتم ذوي رحمي = أنْ لا أحبكمُ إن لم تحبوني ؟
وكم تمنيتُ - أيها الضيوف الكرام - لو كنت أملك الوقت الكافي لأنشد هذه المفضلية الرائعة بأكملها، ولكنني لا أريد الإطالة .
وعلى أية حال، فسوف نحظى بالاستماع إليكم واحدا واحدا، خلال الأمسيات التي ستنظمها وزارة الشعر، ابتداء من الغد. وسنبدأ بالاستماع للشنفرى ثم تأبط شرا، يليهما أفنون التغلبي، صاحب البيت البديع :
لَعَمْركَ ما يَدْري امْرؤ كيف يتّقي = إذا هو لم يجعل له الله واقيا
ثم نستمع بعد ذلك للجميح و لقطبة بن محصن، المعروف بالحادرة، ثم يأتي دور المرار بن منقذ والمخبل السعدي وشبيب بن البرصاء والأسود بن يعفر النهشلي والمرقشين الأكبر والأصغر، ثم المثقب العبدي والممزق العبدي وبشر بن أبي خازم، وسائر شعراء المفضليات، الذين نعتبر قصائدهم تراثا لنجدان .
فانهضوا الآن، رعاكم الله، أيها الضيوف الكرام، كي تتوجهوا إلى الخيام التي نُصبتْ لكم بضاحية المدينة، حيث ستسهر كتيبة بأكملها من القوات المسلحة النجدانية على حمايتكم، حتى لا نترك أية فرصة لأعداء الشعر وأعداء الأمة، للقيام بعمل من أعمالهم الدنيئة. وليكن في علمكم أني سأستقبل بعد قليل، في قصري العامر، بالقاعة الكبرى شيخَنا المفضل بن محمد بن يعلى الضبي الكوفي، الذي يعود له الفضل في جمع قصائدكم التي يرويها الناس جيلا بعد جيل. وسيكون شيخنا الجليل حاضرا معنا خلال جميع الأمسيات الشعرية القادمة، بإذن الله تعالى
حدثنا عيسى بن الهيثم الفزاري، عن العليل بن الحسن بن ثعلبة، عن عبدالأعلى التميمي، عن شيخنا أبي الفضل، قال:
قد ينسى المؤرخون أمورا كثيرة، يوم يكتبون تاريخ بلادنا المجيد، ولكنهم لن ينسوا أبدا خطبة َ الطاغية في شعراء المفضليات، المجتمعين بالقاعة الكبرى بوزارة الشعر، وذلك يوم العيد الوطني لنجدان. فقد صعد المستبد بالله إلى منصة الخطابة، وشرع ينظر إلى أولئك الشعراء القادمين من أزمنة وأمكنة سحيقة، بدعوة منه، ثم تنحنح كعادته وحمد الله وأثنى عليه وقال:
يا شعراء المفضليات،
مرحبا بكم في نجدان، أرض الأمجاد والجور والطغيان، واعلموا أنكم قد حللتم هنا بين إخوانكم وأهليكم، بين ناس كرام ليس من أخلاقهم عاجل الفُحْش ولا سوء الجزَع، كما قال واحد من شعرائكم الأجلاء، وهو سُوَيد بن أبي كاهل اليَشْكُري، في القصيدة العينية التي يفخر فيها بقومه بني بكر بن وائل
واسمحوا لي أن أقدم تحية خاصة إلى هذا الشاعر اليشكري، الحاضر بيننا اليوم، والذي تجشم عناء السفر رغم علو سنه، وأن أقول له: اعلم يا سُويد أني لا أنسى عينيتك المفضلية البديعة على الرمل، التي تقول في مطلعها :
بسطتْ رابعة ُ الحبلَ لنا = فوَصَلْنا الحبْلَ منها ما اتَّسَعْ
فقد كانت العرب تقدمها وتعدها من أغلى الشعر وأنفسه. وقد درستُها بيتاً بيتاً على والدي المرحوم، السلطان الجائر بأمر الله، أيام كنت وليا لعهده، وبقيتُ أحفظها حتى يومنا هذا.
وإني أرى عن يمينك، يا سُوَيد، هنا في هذه القاعة الجميلة، في هذا اليوم التاريخي، شاعرا آخر من المجيدين ، هو هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة، المعروف بالكَلْحَبَة. وقد أحببتُ شعره هو أيضاً وأنا طفل ألعب في ساحة القصر، وما زلت أحبه اليوم وأنا كهل أمارس، بمشيئة الله تعالى، ضروبا من الظلم وألوانا من الطغيان على أهالي نجدان .
ويا أخي الكَلْحَبَة، لطالما حلمتُ في صباي و شبابي بفَرَسك التي ذكرتَها في شعرك، والتي اخترتَ لها اسما عجيباً حقا، هو العَرَادة. وقد تساءلَ يوماً أعداؤك من بني جُشَم بن بكر عن لون هذه الفرس، أغَرّاء هي أم بَهيم، فأجبتَهم بميميتك المفضلية، التي تقول في مطلعها :
تُسائلُني بَنو جُشَمَ بنِ بَكْرٍ = أغَرّاءُ العرادةُ أم بَهيمُ ؟
وبيتك هذا، أيها الشاعر، حجة لأصدقائنا الكوفيين في إجازة تأنيث الفعل مع جمع المذكر السالم، وهو تأنيث منصوص عليه في دستور نجدان. كما يعجبني قولك، أيها الشاعر، في مفضلية أخرى، حين طلبتَ من ابنتك " كأس" أن تُلجم هذه الفرَس :
و قلتُ لكأسٍ ألْجميها فإنما = نزلنا الكثيبَ منْ زَرُودَ لنفزَعا
ولا أكتمك أن اسم الكثيب، الذي أطلقتُهُ على السجن الكبير بنجدان، إنما استلهمتُهُ من هذا البيت بالذات. أما اسمُ " كأس"، الذي سمَّيتَ به ابنتك، فتستحق عليه جائزة نجدان التقديرية، لأنه يدل على ذوقك الرفيع .
وأرى عن يمينك الشاعر المُجيد عبدة بن الطبيب، الذي كان لصا يصيب الطريق، ثم أسلم وشهدَ مع المثنى بن حارثة قتالَ هرمز، وكان في جيش النعمان بن مقرن، في حرب الفرس بالمدائن. وقد اشتهر هذا الشاعر الجوني ببيته العجيب، في رثاء قيس بن عاصم المنقري :
فما كان قيسٌ هلْكَُهُ هُلْك واحدٍ = و لكنه بنيان قومٍ تَهدما
وهو البيت الذي قال عنه أبو عمرو بن العلاء: " هو أرثى بيت قالته العرب." وقال عنه ابن الأعرابي : " ما لهذا البيت نظير في الجاهلية ولا في الإسلام ."
واعلم، يا أخي عبدة، أني أحفظ لاميتك المفضلية، التي مطلعها :
هلْ حبْلُ خولة َ بعدالهجر موصولُ = أم أنتَ عنها بعيد الدار مشغولُ ؟
ولطالما تمثلتُ منها بالبيت البديع الذي تقول فيه :
و المَرْءُ ساعٍ لأمرٍ ليس يُدركهُ = و العيشُ شحٌّ و إشفاقٌ و تأميلُ
وغير بعيد عنك يجلس الشاعر حُرْثان بن الحارث بن محرث، المشهور بذي الإصبع العَدْواني، صاحب النونية التي لم يأت بمثلها شاعر قبله ولا بعده، والتي يقول فيها :
ليَ ابنُ عمٍّ على ما كان منْ خُلُقٍ = مختلفان فأقْليه و يَقْليني
أزْرىٰ بنا أننا شالتْ نعامتُنا = فخالني دونه بل خلْتُهُ دوني
يا عَمْرو إنْ لا تَدَعْ شتمي و منقصتي = أضربْك حيث تقول الهامة اسْقُوني
لولا أواصرُ قربى لستَ تحفظها = و رهبة الله فيمن لا يعاديني
إذاً بريتكَ بَرْياً لا انجبارَ لهُ = إني رأيتك لا تنْفَكُّ تَبْريني
إنّ الذي يقبض الدنيا و يبسطها = إنْ كان أغناك عني سوف يُغْنيني
اللهُ يَعْلمني و الله يَعْلمكم = و الله يَجزيكمُ عني و يَجْزيني
ماذا عليَّ و إنْ كنتم ذوي رحمي = أنْ لا أحبكمُ إن لم تحبوني ؟
وكم تمنيتُ - أيها الضيوف الكرام - لو كنت أملك الوقت الكافي لأنشد هذه المفضلية الرائعة بأكملها، ولكنني لا أريد الإطالة .
وعلى أية حال، فسوف نحظى بالاستماع إليكم واحدا واحدا، خلال الأمسيات التي ستنظمها وزارة الشعر، ابتداء من الغد. وسنبدأ بالاستماع للشنفرى ثم تأبط شرا، يليهما أفنون التغلبي، صاحب البيت البديع :
لَعَمْركَ ما يَدْري امْرؤ كيف يتّقي = إذا هو لم يجعل له الله واقيا
ثم نستمع بعد ذلك للجميح و لقطبة بن محصن، المعروف بالحادرة، ثم يأتي دور المرار بن منقذ والمخبل السعدي وشبيب بن البرصاء والأسود بن يعفر النهشلي والمرقشين الأكبر والأصغر، ثم المثقب العبدي والممزق العبدي وبشر بن أبي خازم، وسائر شعراء المفضليات، الذين نعتبر قصائدهم تراثا لنجدان .
فانهضوا الآن، رعاكم الله، أيها الضيوف الكرام، كي تتوجهوا إلى الخيام التي نُصبتْ لكم بضاحية المدينة، حيث ستسهر كتيبة بأكملها من القوات المسلحة النجدانية على حمايتكم، حتى لا نترك أية فرصة لأعداء الشعر وأعداء الأمة، للقيام بعمل من أعمالهم الدنيئة. وليكن في علمكم أني سأستقبل بعد قليل، في قصري العامر، بالقاعة الكبرى شيخَنا المفضل بن محمد بن يعلى الضبي الكوفي، الذي يعود له الفضل في جمع قصائدكم التي يرويها الناس جيلا بعد جيل. وسيكون شيخنا الجليل حاضرا معنا خلال جميع الأمسيات الشعرية القادمة، بإذن الله تعالى