تتكدس الغيوم متراصفة ، خالقة بساطا من الحجب يغيب خلفه إمتداد السماء ، سماء سوق مريدي التي نسيت الصفاء ، حتى في الربيع تفوفها نسائم مخربشة ، تنغرز في الوجوه مثل شوك لا يقبل الهوادة . كان اللون الرمادي مخيما على المكان ، مثل ما كان دائما ، و سيبقى ، هذا الرماد التي تأنف الريح من ذروه . السوق هادئ الان ، العاشرة صباحا ، ثمة من يتخاطف ، الناس أو أشباح الرماد الذين تطمرهم أمواج الغبار ، الأكياس السوداء تتطاير ، مشيرة لطيرانهم ، تحت وطأة يد مجهولة ، و في حركة ملتبسة ، دون توقف ، منذورة للدوران في هذه المساحة التي حرثها التيه . تلتحم تلال من النفايات ، الرائحة عطنة ، تستشري عفونة عصية التكوين في أوردة المكان / الغياب ، لا دليل في كل طيات الكتب الفلسفية يثبت وجودهم ، ديكارت ، هوبز ، ليبنتز ، كانط ، لا أحد يثبتهم ، لا الفلسفية المثالية و لا المادية ، هنالك عطب تتلمسه ، تشم رائحته ، يأز في شفتيك ، لكنك لن تستطيع التحدث فيه ، منثور بالقضبان ، و الحبس اللانهائي ، كيف لوجع ليس له بداية أن تكون له نهاية ؟ اذن الفلسفة تثبت تورط هذه القطعة الموبوءة من هذا العالم ؛ بالألم ، و لا شيء سيغسل رمادها ، لا شيء سيرش ماء الورد على ملامحهم في حيواتهم ، لذلك بعد موتهم لن تشم من قبورهم المغسولة بماء الورد الا رائحة الرماد و المصيبة.
كانت حسناء مريدي " خلوده السليتة " تمشي مثل سعفة مجردة من جريدها ، طويلة ، و نحيلة ، لم تأكل منذ الأمس ، تمسك موبايلها المنقرض بيمناها ، و تقاوم الرياح التي ترفع عباءتها بيسارها ، هي "سليتة" حقا ، فطولها غير طبيعي ، مثل عارضات الازياء ؛ بيد ان خلوده تعرض هموما غائرة في عينيها ، و تساقط من عينيها شرودا لا يهدأ ، تلتحم بقع غامضة اللون في ثيابها ، يعتلي وجهها حمرة داكنة ، الحاجبان مصبوغان ، الشفتان كأنهما تركتا في رطل من عصير الرمان ، تتلمس سطحيهما بعد كل تحديقة في إتجاه ما ، تتلمس حيرة نازفة مع الصمت ، أصابعها مرشوشة بتصلب شكله الجوع ، و كما اطلقوا عليها مرارا " مسلولة " ، و لكن أحدا لم يتساءل من سلّها؟
الغبار يرسم المكان ، السوق نائم ، لا حركة تقشع الصمت ، حتى في أوج الضوضاء ، الصراخ و الشجارات و الشتائم المطلوقة في الفضاء ؛ عصرا ، كان صامتا ، خلق ليحيا في عزلة عن العالم ، كمحمية طبيعية تلقى فيها الفضائل ، كانوا أولاد الحاج عطية ينتصبون في بداية الشارع ، الى جانب بيتهم الكبير ، يطلق أطفالهم الشتائم تحت بسمة متلذذة منهم ، يبدون إنزعاجهم من السوق الذي اغلق الشارع ، بيد انهم يلاحقون النفايات التي تبقى بعد ذهاب الناس ، يأخذون أي شيء يرمى ، يعتاشون كطفيليات على تعب الآخرين ، و إيذائهم ، و إتهاماتهم الزائفة لكل إمرأة تمر ، لقد سروا أيما سرور بعد أن شرعت الحكومة بعملية إزالة السوق ، كانت حيلة سخيفة لفرض آجار سنوي ، وبعد ان عاد الناس الى سوق كانوا بإنتظار نفاياتهم .
كانوا يشاهدون " خلوده السليتة " سائرة مثل كلمة هوجاء لا تتلقفها الاذهان ، اطلقوا صوبها وابلا من النظرات الهازئة ، غسلت وجهها بخيبة أخرى تضاف الى حياتها او صندوق الخيبة القديم ، غزلت حركة قدمها اليمنى عثرة كادت ان ترديها فوق الأرض ، لم تحتمل " السليتة " النظرات الهازئة ، كانت روحها أنحف من جسدها الذاوي ، تقدمت الى محل صيانة الموبايل ، حدثته عن هاتفها الذي توقف عن الاتصال ، و انها شحنت شريحتها بالرصيد لتتصل بموسى بن جعفر الكاظم ، الامام الذي توارى في بغداد منذ مئات السنين ، ضحك الرجل عليها ، كانت قهقهته كفيلة لإخراجها ، إستلت قدميها من وحل هذا المكان القذر و غادرت ، بحثت في أرجاء المكان المقفر ، سرت في جوفها رعشة طفيقة ، كانت الرياح تجرجر المخلفات من الشارع ، و تكنس وجوه الماره من الانتظار ، قرأت اللافتة ، "صيانة المرتضى " ، دخلت اليه ، قصت عليه الامر ذاته لكن الضحك كان حاضرا أيضا ، كان هذا الاخير يتصل بأحدهم ، ويبدي له إحتراما بقي مشعا في عيني خلوده ، " دكتور محمد أرجوك تحضر ويانا " ، ترى هل تعرف خلوده ال iphone الذي يتصل به ؟ كانت تحتاج الى الاتصال بموسى الكاظم لتشتكي من أخوتها الذين يحاولون قتلها ليستولوا على نصيبها في البيت ، فكرت بأنه لم يحترم وجودها ، لم يهتم لأمرها ، بينما كان يغدق طاقته في تبجيل شخص ما ، خرجت من المحل ، تسربلها غصة فرشت عينيها بدموع كالحة ، كانت بحاجة الى الاتصال ، التواصل مع آخر يحترمها ، و يناغي وجعها الذي دهسته الأيام ، من يناجيها ؟ ، عصرت هاتفها تحت أصابعها الخشنة ، مضت الى الشارع ينهكها صدى الضحكات الذي صار واضحا أكثر من زقزقة الجوع ، قطعن النساء العائدات من السوق طريقها ، الرجال يتفحصوهنّ ، يراقبون التصاق الاثواب ، لم تكن خلوده مرئية بينهنّ ، كان ثوبها ملتصقاً بالعظام ، وجهها يغضنه وجع غريب ، لن يراه أحد ، فالإنسان عندما يتعاطف مع شخص يأخذ منه أكثر مما يعطيه ، و هي لا تمتلك الا الندب و النواح ، مضت خلوده لمكان ألفته ، و لغربة دائمة عن عالم المقايضات ، يكتنفها غبار النسيان ، و يلاشي الطريق خطواتها من عالم مليء بخطوات الانسان القذرة ، خطواته التي تبقى فوق الطرقات مثل لغم لا سبيل لاقتلاعه
كانت حسناء مريدي " خلوده السليتة " تمشي مثل سعفة مجردة من جريدها ، طويلة ، و نحيلة ، لم تأكل منذ الأمس ، تمسك موبايلها المنقرض بيمناها ، و تقاوم الرياح التي ترفع عباءتها بيسارها ، هي "سليتة" حقا ، فطولها غير طبيعي ، مثل عارضات الازياء ؛ بيد ان خلوده تعرض هموما غائرة في عينيها ، و تساقط من عينيها شرودا لا يهدأ ، تلتحم بقع غامضة اللون في ثيابها ، يعتلي وجهها حمرة داكنة ، الحاجبان مصبوغان ، الشفتان كأنهما تركتا في رطل من عصير الرمان ، تتلمس سطحيهما بعد كل تحديقة في إتجاه ما ، تتلمس حيرة نازفة مع الصمت ، أصابعها مرشوشة بتصلب شكله الجوع ، و كما اطلقوا عليها مرارا " مسلولة " ، و لكن أحدا لم يتساءل من سلّها؟
الغبار يرسم المكان ، السوق نائم ، لا حركة تقشع الصمت ، حتى في أوج الضوضاء ، الصراخ و الشجارات و الشتائم المطلوقة في الفضاء ؛ عصرا ، كان صامتا ، خلق ليحيا في عزلة عن العالم ، كمحمية طبيعية تلقى فيها الفضائل ، كانوا أولاد الحاج عطية ينتصبون في بداية الشارع ، الى جانب بيتهم الكبير ، يطلق أطفالهم الشتائم تحت بسمة متلذذة منهم ، يبدون إنزعاجهم من السوق الذي اغلق الشارع ، بيد انهم يلاحقون النفايات التي تبقى بعد ذهاب الناس ، يأخذون أي شيء يرمى ، يعتاشون كطفيليات على تعب الآخرين ، و إيذائهم ، و إتهاماتهم الزائفة لكل إمرأة تمر ، لقد سروا أيما سرور بعد أن شرعت الحكومة بعملية إزالة السوق ، كانت حيلة سخيفة لفرض آجار سنوي ، وبعد ان عاد الناس الى سوق كانوا بإنتظار نفاياتهم .
كانوا يشاهدون " خلوده السليتة " سائرة مثل كلمة هوجاء لا تتلقفها الاذهان ، اطلقوا صوبها وابلا من النظرات الهازئة ، غسلت وجهها بخيبة أخرى تضاف الى حياتها او صندوق الخيبة القديم ، غزلت حركة قدمها اليمنى عثرة كادت ان ترديها فوق الأرض ، لم تحتمل " السليتة " النظرات الهازئة ، كانت روحها أنحف من جسدها الذاوي ، تقدمت الى محل صيانة الموبايل ، حدثته عن هاتفها الذي توقف عن الاتصال ، و انها شحنت شريحتها بالرصيد لتتصل بموسى بن جعفر الكاظم ، الامام الذي توارى في بغداد منذ مئات السنين ، ضحك الرجل عليها ، كانت قهقهته كفيلة لإخراجها ، إستلت قدميها من وحل هذا المكان القذر و غادرت ، بحثت في أرجاء المكان المقفر ، سرت في جوفها رعشة طفيقة ، كانت الرياح تجرجر المخلفات من الشارع ، و تكنس وجوه الماره من الانتظار ، قرأت اللافتة ، "صيانة المرتضى " ، دخلت اليه ، قصت عليه الامر ذاته لكن الضحك كان حاضرا أيضا ، كان هذا الاخير يتصل بأحدهم ، ويبدي له إحتراما بقي مشعا في عيني خلوده ، " دكتور محمد أرجوك تحضر ويانا " ، ترى هل تعرف خلوده ال iphone الذي يتصل به ؟ كانت تحتاج الى الاتصال بموسى الكاظم لتشتكي من أخوتها الذين يحاولون قتلها ليستولوا على نصيبها في البيت ، فكرت بأنه لم يحترم وجودها ، لم يهتم لأمرها ، بينما كان يغدق طاقته في تبجيل شخص ما ، خرجت من المحل ، تسربلها غصة فرشت عينيها بدموع كالحة ، كانت بحاجة الى الاتصال ، التواصل مع آخر يحترمها ، و يناغي وجعها الذي دهسته الأيام ، من يناجيها ؟ ، عصرت هاتفها تحت أصابعها الخشنة ، مضت الى الشارع ينهكها صدى الضحكات الذي صار واضحا أكثر من زقزقة الجوع ، قطعن النساء العائدات من السوق طريقها ، الرجال يتفحصوهنّ ، يراقبون التصاق الاثواب ، لم تكن خلوده مرئية بينهنّ ، كان ثوبها ملتصقاً بالعظام ، وجهها يغضنه وجع غريب ، لن يراه أحد ، فالإنسان عندما يتعاطف مع شخص يأخذ منه أكثر مما يعطيه ، و هي لا تمتلك الا الندب و النواح ، مضت خلوده لمكان ألفته ، و لغربة دائمة عن عالم المقايضات ، يكتنفها غبار النسيان ، و يلاشي الطريق خطواتها من عالم مليء بخطوات الانسان القذرة ، خطواته التي تبقى فوق الطرقات مثل لغم لا سبيل لاقتلاعه