لعل الذكرى الأولى من طفولتي الباكرة, تتمثل في حدث مؤلم ألم بي. فقد كان من العادة أن تخزن العائلة مئونتها السنوية من عصير الحصرم, بعد غسله وغليه ممزوجاً بكمية كافية من الملح, وصبه بعد ذلك في طبق نحاسي كبير يبرد فيه تهيئة لتعبئته في قنان أو علب مناسبة. ومن طرفي, كنت ذات يوم من أيام ذلك العمل...
ربما يأتي نشر هذه المقالة الأسبوعية متزامناً مع انعقاد “منتدى الاتحاد” الثالث، الذي تنظمه صحيفة “الاتحاد”. أما العنوان الذي يتصدر هذه المقالة فهو، بالأساس، أقرب إلى عنوان منتدى الاتحاد المذكور، والحق أن الإشكالية التي يتصدى لها ذلك الأخير، تمثل موضوع بحث عريق في قِدمه وفي طابعه الإشكالي المركّب...
في عهود مبكرة من تاريخ الإسلام، وفي سياق الاختلافات نشأت بين المسلمين في تلقفه وتدبره وفي العمل بمقتضاه، راحت تنشأ خلافات بينهم وفق ما لا يُحصى من تعددية في الحياة العامة والخاصة، إلى درجة أفضت أحياناً إلى التجاذبات والحروب والتحزبات فيما بينهم، ناهيك عن صور أخرى عديدة من الاختلافات والخلافات...
يعيش السوريون حالياً ما لم يعش العالم برمته مثيلاً له: الوحشية القصوى والجريمة الدامية، ورغم ذلك، لم نضع يدنا حتى الآن على احتجاج أو استنكار رسمي حقيقي في العالم على ذلك، إلا ما ظهر بصيغة صدى هنا أو هناك، ما يفتأ أن يتلاشى أو يتذرّر تحت قبضات سلاح، أثبت أنه قادر على كشف المستور من العواطف...
لا أعرفُ كيف يرثي الأبناء آباءهم ولا أظن أنّي أرغب في ذلك، ففي كلِّ مرةٍ كتبتُ عنكَ لم أكن أرثيكَ، كنتُ أكتبُ لكَ، لأخبركَ بكلِّ ما يجولُ في خاطري ولأزيحَ كتلة الهمّ عن قلبي، كما اعتدتُ دائماً. سنة مرت على رحيلكَ، وكأنّكَ رحلتَ البارحة، وكأنّها دهرٌ من الشوق والفقد.
يا أبي، اليوم أدركتُ أنّ...
في زمن الحروب ينقسم العالم عموماً إلى فريق للرجال وفريق للنساء، وهذا الانقسام يأخذ طابعاً رمزياً. أما هذه الرمزية فتتجسد في أن الفريق النسائي يقدّم نفسه في معظم مراحل التاريخ البشري بمثابته الأضعف، لذا يطول مكوثه في بيت الإقامة بسبب الأوضاع الفيزيولوجية العضوية التي ترافق مراحل الطمث والولادة...
حين كتب أبو الدراما الحديثة “هنريك إبسن” النرويجي مسرحية “نورا… بيت اللعبة” في القرن التاسع عشر، كان ذلك بمثابة هزّة بل انتفاضة في ضمائر الأوروبيين وعقولهم: كما نُظر إليه على أنه تحريض على خروج المرأة هناك، أخيراً، من حِجرها القسْري، فلقد عبّرت (نورا) عن روح الحداثة التنويرية، حين رفضن الاستكانة...
حين كتب أبو الدراما الحديثة “هنريك إبسن” النرويجي مسرحية “نورا… بيت اللعبة” في القرن التاسع عشر، كان ذلك بمثابة هزّة بل انتفاضة في ضمائر الأوروبيين وعقولهم: كما نُظر إليه على أنه تحريض على خروج المرأة هناك، أخيراً، من حِجرها القسْري، فلقد عبّرت (نورا) عن روح الحداثة التنويرية، حين رفضن الاستكانة...
يتعرض مصطلح “ الجهاد” في الأدبيات الإسلامية والعربية والعالمية، إلى حالات شتى من المساءلة والمعالجة والتحرش والهجوم والترحيب، وهي حالات مفتوحة انفتاح الوضعيات السوسيو ثقافية والسياسية والعسكرية في العالم الراهن.
ولا يتفرد مصطلح “ الجهاد” بالحالات المأتي على ذكرها، بل قد يصحّ حدٌّ من التعميم في...
كان القرن التاسع عشر ذا أهمية خاصة في الولادة الأوروبية الجديدة التي ما تزال تجلياتها موجودة حتى عصرنا، وإن بصيغ وإضافات جديدة. فنحن شاهدون عليه، ومتأثرون به، وإن بنسب مختلفة من حيث البنية والوظائف. أما هذه الحيثيات الأخيرة فقد راحت تتبلور وتتضح في طريق مترع بالآلام، وبقدر من ردود الفعل والصراع...
تتسع دائرة الحديث والحوار حول الإرهاب بكيفية مفتوحة، وقد وجدت ظواهر العنف في كل المجتمعات أو في معظمها، بكيفية فردية أو جماعية، وبالتالي شهد التاريخ البشري أنماطاً من العنف الإرهابي من مواقع متعددة، منها المرجعيات الدينية والثقافية والاقتصادية في المجتمعات المختلفة، إما بدعوى رفض الظلم، بمختلف...
مع نهاية الولاية الأولى للأسد عام 2007 والتحضير للولاية الثانية دُعيت إلى إلقاء محاضرة في مدينة الرقة، وقد تُرك لي أن أختار عنوان المحاضرة، ففعلت، وكان عنوانها « سوريا في عيون مثقفيها ». وقد حضر المحاضرة ثلاثة رجال هم الذين يشغلون أعلى الهرم من المرجعيات الثلاث في المدينة: رئيس المخابرات، ورئيس...
د. طيب تيزيني
33 min ·
نبحث الآن في ثلاثة مفاهيم مثلت أركان التحولات التي لحقت بعملية التغير والتقدم؛ وما زالت تقوم بهذا الفعل. والأمر يزداد اضطراباً في البلدان التي تعيش آثار ذلك من بعيد.
لقد انتشرت العولمة بكيفية كثيفة كأنها تعني مزيداً من التحولات الاقتصادية والسياسية والثقافية، التي أخذت...
ها قد أغلقت أبواب التراث والثورة، ولم يعد بالإمكان استكشاف أسئلة أخرى للفكر العربي مشفوعة براهنيتها المتيمة للتو. ساعياً صوب تغيير الخوف المتجذر فينا، فحينَ كان السياط يكركب الملايين، لم يكن سوى مُطأطئ الرأس، أمام بياض شعره وعنفوان قلبه.
في خريف 2001، وككل الغريبين عن وسط سعينا إليه مُحملين...
برحيل المفكر السوري طيب تيزيني نطوي صفحة من صفحات حركة التنوير الثانية التي واصلت جهود الجيل الأول المؤسس. ويجب أن نأخذ المواصلة بمعنى المتابعة حرفيا. فطيب تيزيني وضع خلفه ما كان يسميه «حطام التاريخ المفتوح»، ودعا إلى إعادة تركيبه، وليس مجرد قراءته. وقد أكد على هذا المبدأ في واحد من بواكير...