لا يكتفي رولان بارث، بإقامته لسيميولوجيا الحياة اليومية، بأن يبرز الدلالات الثاوية خلف تصرفاتنا العادية، وكيف تتحول ثقافة بعينها إلى طبيعة فـ"تتأسطر" المعاني، وإنما يسعى إلى أن يطرق قضايا الفلسفة الشائكة من خلال متابعته لليومي، ومن غير حاجة إلى أن يقتحم "تاريخ الفلسفة"، ويضيع بين نصوصه، ويغرق في...
لأسباب معقَّدة أصبحنا لا نرى في الصداقة إلا ظاهرة فردية، علاقة بين أفراد تكشف عن حميمية ينفتح فيها الأصدقاء بعضهم على البعض الآخر بعيداً عن العالم الخارجي ومشاغله. إنها المجال الذي يخلو فيه الأصدقاء إلى أنفسهم، وهي لا تنشأ إلا بين ذوات فردية، بل إنها ميدان التفاعل بين الذوات بامتياز.
يتناسب هذا...
« من ذا الذي سيولي عنايته لقولٍ جديد، قول لم يُنقل؟ ليس المهم أن نقول، وإنما أن نكرّر القول، وفي هذا التكرار، أن نقوله مرة أخرى أوّلَ مرة».
م.بلانشو، الحوار اللامتناهي
«حينئذ سيكون الأصل هو هذا الذي لا ينفك يعود، سيكون هو التكرار الذي يتجه نحوه الفكر، وعودة...
يُصرّ بعض النقّاد على أن يُقدّموا أعمال المفكّر كما لو كانت تندرج دوماً ضمن «مشروع» فكريّ مُتكامل PROJET، وهم يعرضونها كما لو تمخّضت عن قرار تأليف وتخطيط معقلن محسوب، هذا رغم تبيّنهم أنها غالباً ما تكون استجابات لحظية وتفاعلاً مُتحوّلاً مع المحيط الثقافي والظّرف التاريخي. صحيح أنّ مجال اشتغال...
السؤال حركة. والسؤال الإجمالي هو كل الحركة وحركة الكل. ونحن نحس بانفتاح الكلام المتسائل في مجرد البنية النحوية للاستفهام؛ هناك طلب شيء آخر.. إن الكلام المتسائل، بما هو كلام ناقص، فهو يؤكد بسؤاله أنه ليس إلا جزءا. على هذا النحو فالسؤال، على عكس ما أكدناه منذ قليل، جزئي في جوهره. السؤال هو الفضاء...
أمران يجب استبعادهما عند الحديث عن هذا الموضوع: أولهما أن القضية لا تتعلق مطلقا بأية محاولة تركيبية كيفما كان شكلها. وثانيهما أننا بعيدون هنا عن "موضة" نـهاية الفلسفة وموتـها. سيكون علينا إذن أن نتحدث عن مسألتين لا تخلوان من صعوبة: علاقة دولوز بـهيجل، وعلاقته بـهايدغر. سنرجى الحديث عن المسالة...
ما ينيف على العقد والنصف من الزمن، قبل أن يعلن كل من رولان بارت (1968م) وميشيل فوكو (1969م) «موت المؤلف»، كان موريس بلانشو قد تحدث عن «غيابه». إذا كان ما حرّك «بارت» و«فوكو» لإعلان ذلك «الموت» هو محاولة القيام ضد مفهوم معيّن عن الأدب كان مهيمنًا على الدراسات الأدبية نقدًا وتأريخًا، فيبدو أن ما...
في مقال شيّق تحت عنوان: «السور والكتب» يحاول بورخيس وصف المشاعر المتناقضة التي خامرته حينما اطلع على الخبر الذي يقول: «إن الإمبراطور الصيني الذي أمر ببناء سور الصين المديد-حتى كأنه لا ينتهي- هو الإمبراطور الأول شي هونغ تاي»، وهو الإمبراطور عينه الذي «أمر بإحراق جميع الكتب التي كتبت قبل عصره»...
الكاتب اليوم ينشر ما يكتبه. إنّه ينشر ضدّ النشر، ينشر بفضل الإعلام ضدّ الإعلام. النشر هو التعميم، هو جعل المكتوب “في يد” العموم، “في يد” الجمهور. يتساءل موريس بلانشو : وما الجمهور؟ فيحاول أن يحدّده سلبا فيقول: ” ليس الجمهور أو العموم مكوّنا من عدد كبير أو صغير من القراء، كلّ يقرأ على حدة”. إنّه...
ليس هذا العنوان من وضعي، وإنما هو عنوان مقتبس كما ستبين القارئ. اقتبسته عن كيليطو الذي اقتبسه بدوره عن مونتين. كان عبد الفتاح قد ذكره ضمن محاضرة كان ألقاها في إحدى الدول العربية تحدث فيها عن مساره وطريقته في الكتابة حيث قال:
«كنت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي أستاذًا...
كثر مؤخراً، في عالمنا العربي، الترويج لنوع من الفلسفة العملية، والدعوة إلى إقامة فلسفة تكون بمثابة دواء يعالج الفرد والمجتمع. ففي نوع من إحياء وصفات من أجل حياة عملية ناجعة على طريقة الأميركي ديل كارنيجي، الذي طالما دلّنا، في زمن سابق، كيف «ندع القلق ونبدأ الحياة»، يرى البعض أن الفلسفة أنجع...
لو أننا حدّدنا الفلسفة على أنّها فن إطلاق العنان للأفكار العامة المتناقضة فيما بينها بصدد أيّ موضوع من الموضوعات، فإننا نستطيع أن نؤكد أنها قديمة قدم العالم، وأن التفكير الفلسفي وجد منذ وجد البشر الذين ينطقون ويتكلمون، أما إذا لم تكن الفلسفة مجرد ممارسة للتفكير، أما إذا كانت، كما يقول هيغل،...
{ هذا غريب لم يتزحزح عن مسقط رأسه، ولم يتزعزع عن مهب أنفاسه. وأغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيدا في محل قربه}
{أبو حيان التوحيدي}
لا تبدو أمرا يسيرا الاستجابة لما ينتظره منّا جيل دولوز عندما يدعونا ألّا نحاول فهم الترحال nomadisme والتفكير فيه بدلالة الحركة. فكأنه...
أمران يجب استبعادهما عند الحديث عن هذا الموضوع: أولهما أن القضية لا تتعلق مطلقا بأية محاولة تركيبية كيفما كان شكلها. وثانيهما أننا بعيدون هنا عن "موضة" نـهاية الفلسفة وموتـها. سيكون علينا إذن أن نتحدث عن مسألتين لا تخلوان من صعوبة: علاقة دولوز بـهيجل، وعلاقته بـهايدغر. سنرجى الحديث عن المسالة...
تكاد جميع خشبات المسارح وقاعات المحاضرات والندوات تتحول اليوم إلى صالونات ثقافية، فبدل الكراسى التى لم تكن تخلو من إتعاب، والتى كانت توضع على المنصّة أمام طاولة تحاكى منضدة الفصل الدراسى، حيث يجلس الأستاذ أمام طلبته جِلسةَ من يمتلك المعرفة، ومن يصدر عنه «خطاب الحقيقة»، بدل هذه الكراسي، أصبحت...