محمد محمود غدية

شهيته للأكل سدت رغم حاجته للطعام، يكفيه ماتجرعه من آلام، حين أخبره والد العروس التي تقدم لخطبتها : أنهم فى إنتظار عريس جديد، لديه شقة وكافة مستلزمات الزواج، معتذرا أن الزواج قسمة ونصيب، خرج متعثرا فى خطاه يسابق ظله، غير عابيء بوحشة الطريق، المركبات فى تسابقها وتدافعها أشبه بالنعوش الطائرة،...
التقيا تحت زخات المطر، ومظلات الباص، نظرة فابتسام فموعد فلقاء، جمعهما الحب وزينت أصابعهما بخاتم الزواج، ثلث قرن على زواجهما، الذي اثمر عن إبنة وولدان، بررة طيبين، وحياة هادئة ناعمة، الزوجة أشبه بالنحلة الدؤوب لا تدخر وسعا فى إسعاد زوجها والأبناء، والعمل على راحتهم طول الوقت، الجميع شغلوا مواقع...
الوحدة لها ضجيج يصم الأذن، يتشربها المرء حتى الثمالة، الشمس تتوارى خلف السحب الرمادية، فى سماء شتاء ضبابي شاحب، سيل ماطر من بين رماد السحب، أحال تراب الطريق إلى وحل وطين، دلفا إلى أول مقهى صادفهما، إتقاء للبلل، يطيل النظر الى خدها، يتأمل شامة هى ليست بشامة، لكنها قبلة إحترقت فى سعير لونها...
هى كاتبة للطفل وهو قاص، غرقى فى بحر المعرفة، التي تبدد الوحشة وتنبذ القبح، المناسبة لقاء فكري فى إحدى الندوات، عجوز أبيض الشعر، نحيل العود، مازال يجري فى صفحة وجهه، بقية من حيوية، ملامحها تحمل بقايا جمال، هما فى سن مشبعة من معارك الحياة، تجلس وحيدة، قبل بدأ الندوة، أمامها على الطاولة فنجان قهوة...
ضاق ذرعا بحظه، وهو الميسور الحال، لديه الكثير والكثير مما يحلم به الآخرين، مضاربات فى البورصة، وأرصدة تتزايد فى البنوك، وزوجة تشاركه العيش، بقلب عامر بأسمى العواطف وأنبلها، قلب يحنو ويبذل ويضحي فى سبيل إسعاد الزوج والأبناء، راعه منها فيض شبابها وسحر جمالها، وتوقد ذهنها وإقتران الأنوثة فيها،...
رائحة ضفائرها موغلة بذاكرته، لم تستطع الجدران الصماء، وصرير الأبواب الموصدة، حجب وجهها الذي كان فى لون سنابل القمح، وابتسامتها التي كانت أشهى من ثمر التوت والبرتقال، تشرق منه وتغرب فيه، واسعة العينين يتعانق فيهما الجنون بالثقة، تذيب الصخر وتشيع الدفء، ثمانية عشر عاما على رحيلها، ومازالت تأتيه...
الجائزة قصة قصيرة : بقلم محمد محمود غدية / مصر عشق القراءة والكتابة، التي تعادل الرغبة فى الحياة، ينتقى من العبارات أسهلها وأعمقها، كيف لا وهو الشاعر الذي إتجه الى القصة لغة السرد بشاعرية رقيقة، يرى أنه لابد من قراءة كتاب لتكتب سطرا، ينصح بقليل من الحب، وقليل من التسامح، نعم القليل فقط، حتى...
ترتعش الأنوار الصغيرة، حول البيوت المعتمة، النجوم توشك على الإنطفاء، وحده يمشي بخطى وئيدة، مثل فارس خسر معركته مع الناس والحياة، توهم انه أقوى من الإنكسار وانكسر، وأقوى من الموت، حتى باتت روحه موشكة على الغروب، إنها الأوجاع التي تتضاعف حين يكون الإنسان وحيدا، رائحتها تنبعث من قميصها، الذى مازال...
لم تكن الوحيدة فى هذا الكون غيرها الكثير، جوعى لكلام يدفئها فى صقيع وحدتها، ووحشة الخيبات التى تلاحقها، حتى لو كان كلاما كاذبا، مثل شجرة عارية فاجأها الخريف فى منتصف المسافة بين الحزن والغياب، وعلى نحو ما بدا العالم اكثر وحشة، بينما كانت الشمس تلملم اثوابها فى حقائب الشجن والغروب، مؤسسة لوداع...
المدينة فارغة تستسلم للنعاس، إلا من بعض الباعة الجائلين، بعد برهة يسحب الجميع أغطية المساء، إستعدادا لمعارك الغد مع الحياة، بقايا المحال المفتوحة أشبه بأفواه تتثائب، حتى المقهى تخفف من رواده، إلا من ذلك الشاب الذى يتلفت حوله، يلمس جفاف الأشياء بجانبه، مثل الواقف فى محطات الوداع، إزداد ثقل الهواء...
تهشمت روحها وانكسر زجاج القلب، وهى تسمع لقصص الحب الفاشلة من صديقاتها، والتي تقرأها فى الروايات، وتشاهدها فى الأفلام، أغلبها ذات نهايات غاطسة فى السواد، فقررت أن تطفيء مصباح الحب، بعد أن هشمته بكرسي فى الكلوب، لتعيش فقط من أجل نفسها، لا من أجل آخر يطمع فى ثروتها وشقتها الفاخرة تحت مسمى الحب،...
دأبت على ترك الشرفات والأبواب مشرعة، لينفذ منها النور والمطر، تتأمل القمر وهو يسكب فضته على ظلمة الحياة فيضيئها، قطعت المسافة من بيت أسرتها الى سجن الزوجية، أو كما يسمونه بيت الزوجية مسافة الف يوم رغم الجوار، زوجها الأهل بمن لا تحب، ووضعوا فى يديها الأصفاد ولاصق على الشفاه، يمنعها من الكلام،...
لم تبرح ذاكرته، ذلك اليوم الممطر من شتاء قارس البرد، ينخر العظم، لا تدفئه ملابس ولا تخفف من غلوائه نار، لم يكن ذلك كله كاف لخلخة صلابته، لكنه شيء آخر، لم يكن موجودا فى قاموس العالم المحكم اسمه الصدفة، حين تعثرت تلك الحسناء وكادت ان تسقط فى وحل الطريق، لا يدري كيف تسارعت يداه وامتدت لمساعدتها...
عضها الفقر بنابه واختطف الموت ابويها البائسين وهى طفلة، فكفلتها عمة غليظة القلب، اضطهدتها واستبدت بها واذاقتها صنوف العذاب، لا حيلة امامها سوى الصبر على الهوان، دفعت بها للعمل كخادمة فى البيوت، لا تلتقى بها إلا أول كل شهر لتقبض المرتب، سنوات عذاب تتوالى وتكبر البنت، وتعي مايدور حولها واضطهاد...
وجد احدهم يرحب به بحفاوة غير عادية، فى المقهى الذى يرتاده للمرة الاولى، ولا يعرف فيه احد، - انت لا تعرفني لكنني اعرفك، اجلس وتناول معي فنجان قهوة، انت لم تعرف حكايتي بعد، بينما عرفها الجميع هنا، مازال مدهوشا لما يسمعه، بالفعل لايعرفه واول مرة يلتقيه، انت جديد هنا، انظر الشمس انها تشرق لكل...

هذا الملف

نصوص
454
آخر تحديث
أعلى