1
كعادتنا، عندما ألتقي صاحبي ورفيق صباي المبكر عبد الباقي عبدالغني في أي مقيل أو مناسبة اجتماعية ما، ننسى صخب المكان ونسرح بعيداً في حديث الذكريات .. ولأنه ذو ذاكرة حية جبارة لم تؤثر بها السنين وراو بارع للأحداث لا تمل سماعه، يكون هو عادة الممسك بزمامه، ولسبب ما لا أتذكره جرنا الحديث في آخر مرة...
كان أسمر اللون نحيفا,عيناه غائرتان.صوته مقنع ولكنه خافت...التقيته أول مرة في مدرسة=الكوفة= لا لتعلم الخط الكوفي وليس على ضفاف دجلة ولا الفرات وانما في درب الفقراء,الزنقة 17, وهو نفس الزقاق الذي كان يسكن فيه الرفيق =تريدا=...وربما هو من دله على كراء المدرسة ليلا لتقديم دروس خصوصية تفضي...
بتدوين عنوان فرعي هو ”يوميات سنوات الرصاص” تعين أفول الليل للطاهر المحفوظي منجزها الكتابي ضمن ما عرف بأدب السجون أو أدب الاعتقال، وهو أدب يشكل اليوم رافدا من روافد الأدب المغربي الحديث، وبقدر ما راكم هذا الأدب عددا مهما من النصوص المتميزة والمثيرة، ظل النقد الأدبي خجولا في مصاحبته والاستئناس...
(2)
من سجن المرج إلى سجن القناطر
أواصل هنا ماسبق أن كتبته حول صديقي محمدالمخزنجي الذي اختار عزلته اختيارا منذ عدة سنوات. سوف أكتب عن هذه العزلة لاحقا، لكنني أود أن أكتب أولا عن مجموعته القصصية الأولى" الآتي" –عام 1983 التي لفتت الأنظار إليها بقوة، ونالت احتفاءً تستحقه، ومازالت حتى...
طال حجرنا في زنزانة ضيقة، تحت مصباح يضيء ليل نهار، وغداؤنا لا يتغير: خبزة صغيرة في اليوم.اما الماء، فهو يجري من كوة في الحائط، ويصب في المرحاض..
ذات مساء، سمعنا أحدهم يصرخ: policeman,policeman...!
تضاحكنا، وقلنا: هم لم يستجيبوا لنا ونحن نناديهم بالدارجة، فكيف، يتأتى له ذلك بالانجليزية...!
كنا...
مقدمة
إن ما حصل في جحيم تازمامارت، من شرور وآلام وتجاوزات وعذاب وانتهاكات جسيمة وأهوال وجرائم وفظاعات على امتداد أكثر من 6600 ليلة ونهار يتجاوز بكثير ما يمكن أن يتصوره عقل بشري.
إن جحيم تازمامارت كان يقتل المرء، ليس مرّة واحدة، ولكن عدّة مرّات، كان يقتله في كل يوم، وفي كل لحظة وحين مرّة. لأن...
عزيزي أحمد
لا أدري اذا كان أحد يعرف أني مسجون في سجن "معسياهو" منذ يوم الخميس، فالاتصال مقطوع بالطبع، بيني وبين العالم خارج الأسلاك والجدران، ومنذ خمسة أيام لم أسمع أخبارا ولم أقرأ صحفا، ولا يصلني شيء من أخبار العالم، نمت ليلة واحدة في سجن عكا لعلها من أسوأ ليالي عمري، وقد منعني منظر الطعام...
(انّه لم يتعرّف على أيّ أحد منّا) قالت فاطمة لنفسّها وهي واقفة خلف نافذة غرفتها، تراقب عبدالله الجالس تحت شجرة الزيتون. فمنذ عودته من الأسر أعتاد كلّ صباح بعد إنهاء فطوره الجلوس على الكرسي المصنوع من جريد النخل، لا يفعل شيئا غير التدخين بشراهة، والاستغراق في عالم لا يعرفه أحد غيره. كلّ يوم يمرّ...
يضم هذا الكتاب لمؤلفه الشاب محمد عبدالغني بين دفتيه على أريعة فصول ومقدمة وملحق للصور وقائمة بالمراجع . وقد صدر الكتاب حديثا عن دار الهيئة الاستشارية للنشر والتوزيع في 200 صفحة من القطع الصغير. ويعرض الكتاب لكيف حوله الشيوعيون لمدينة فاضلة مارسوا فيه حياتهم الكاملة .
وقد جاء...
ليس من المألوف أن يغادر أي منّا فراشهُ حين تُفتَح أبواب المهاجع عند السابعة صباحاً، ففي الوقت متسعٌ قبل أن يصل طعام الفطور. اليوم الأخير من شهر كانون الثاني عام 1989 كان يوماً مختلفاً، وأغلبنا لم يلتزم فيه بهذا التقليد. بعد فتح الأبواب، وخروج الرقيب من الجناح، بدأ يتناهى إلى أسماعنا عزف أسعد على...
أرواح لا تشبه السجن
هل يمكن أن تحدث أشياء جميلة في السجن؟ التوقع الأولي للإجابة عن هذا السؤال الذي يحمل تناقضاته في بنيته، هي لا. لكن ودون أن أعتبرَ نفسي متسرّعاً، ومن خلال تجربتي الشخصية (ومعي أصدقاءٌ كثر) سوف أجيب ودون تردد: أجل يمكن.
هناك تجارب لا يمكن أن تتيحها الحياة الطبيعية بإيقاعها...
"يجب أن تأتوا وتروا.. إنهم سبعة توائم حقيقية متطابقة" هكذا صرخ صديق السجن، وهو يصف أفرادَ دفعةٍ صغيرة وصلتْ إلى صيدنايا قادمة من سجن تدمر. يوم أمس، كانوا قد أودعوهم في أحد مهاجع جناحنا، لكن من جهة اليسار التي تقع خلفنا، ورغم أن هناك ممراً في نهاية الجناح يصل بين طرفيه، لكن بأوامر السجان كان يمنع...
نزلنا مدينة مونبلييه ليلا، المحطة الأولى في برنامج استغرق عشرة ايام في الجنوب الفرنسي، نظمته بلديات عدة مدن، ومزرعة (أوليفيه دي سريه) التابعة لوزارة الزراعة، بدعم من وزارة الثقافة الفرنسية. رفيق الرحلة محمد البساطي، هو ليس مجايلا لي فقط إنما صاحب حميم تمتد علاقتي به الى عمق يقارب الأربعين عاما،...
يقول هاملت في المسرحية التراجيدية التي تحمل اسمه: "ليس هناك أمرٌ جيد أو سيء، لكن تفكيرنا ما يجعله كذلك. بالنسبة لي الدنمارك سجن". يلخص شكسبير في هذه الجملة الشعرية البليغة من مسرحيته "هاملت" كيف يمكن للإنسان وهو حر طليق أن يشعر أن الوطن أصبح سجنا.
الحرية، تلك الكلمة السامية والهدف المنشود...