سالم الشبانة

مطر غزير طوال الليل يدق طبوله كسامر بدائيّ مطر ناعم كمداعبة عاشق مطر مطر ثم... غضب مكتوم في عين امرأة طويلة شوارع موحلة مكسورة ماء راكد تحت إطارات السيارات التي تعبر كدروع حديدية الشجرة تقف مزهوة مبللة كأمراة مبللة بالحب الريح راكدة كأنما حبات المطر ثقل لا مرئيّ مطر تزهو به الدنيا إلا الجنديّ...
لماذا يقع هذا البدوي دائما في الحب؟ الحب الذي كبئر مهجورة؛ منذ أن سقطت الشجرة الوحيدة علي قارعة الطريق تحت يد الحطاب الأسود. البدوي الصارم؛ يخشي هذا الحب الأعمى، رجال الأمن، زلات اللسان العمياء في مقعد الرجال، والمرأة الخائنة بعيون ذئبة كاذبة. يحب بلا مبرر واضح النبتة الصغيرة كطفل يتأتئ علي حافة...
1 شرفة غرفة فندق في الطابق السادس ليلا هاجس القفز منها إلي الفراغ كان مغريا تماما مثلما أفكر أن أقفز من فوقكِ إلي البياض لهذا تلتمع الرغبة فيّ كلما وقفت فوق مرتفع كحجر يسقط من علٍّ في قوة وسلاسة. 2 شرفة المستشفي الرثة محشوة بالزائرين حين كان أبي كأيّ غريب يصارع نقطة الدم المتجلطة وكنا نتحلق حول...
أحدّق في الليل الغويط، الليل الصحراويّ ليل امرئ القيس القديم القاهر في هذه الليلة البدائية بنجومها القريبة كثقوب مضيئة أحدّق بألم الجيوب الأنفية المرّ بالصداع الغثيان الغضب وبالحزن أحدّق فأرى كل شيء هينا أنا هين الماضي هين الحبّ هين الكلام الذي يجف علي شجر الليل هين الوعود هينة الذكريات البكاء...
تحب السفر، والعلاقات السريعة، بثلاثين عاما من الألم والجوع والكذب تمضي في الحياة بثقة كاذبة وذراع مضمومة لجنبها، بعيون ذئبة جريحة تعبر الشارع كل صباح، تكره أمها التي لا تجيد عمل الساندويتش في الصباح لأنها لا تحب رائحة أبيها الذي ينام وحيدا في غرفة ضيقة. يتكلم جسدها لغة قبائل بدائية منقرضة، ستصلي...
بهبوطٍ حادٍ، بسكتةٍ دماغيّةٍ مباغتةٍ، أو برصاصةٍ رشيقةٍ تمرُّ ناعمةً كفراشةٍ؛ يأتي الموتُ، في أيِّ وقتٍ، في النّهارِ أو الليلِ سيأتي. بلا موعدٍ سابقٍ، بلا نيّةٍ البقاءِ: أمامَ المشهدِ البحريِّ، مقابلَ مرآةِ غرفةِ النومِ المكدّسةِ، تحتَ إطارِ سيارةٍ رعناءَ تعبرُ مسرعةً. سيكون له طعمٌ غامضٌ...
أمي طيبةٌ، كان يمكنُ أنْ تحبَّك؛ فلكِ عينان، تضحكان مثلُ عينيها ونفسُ الأصابعِ، والحواسُّ النافرةُ علي حين غرّةٍ لستُ رجلاً صالحًا، فسامحيني، أنا عصبيٌّ، ولا تضحكُ عيناي مثلُ أمي إلا نادرًا. أتعرفين لماذا؟ أغرقتُ نفسي بتفاصيلَ كثيرةٍ. والشيطانُ يكمنُ في التفاصيلِ! لا أعرفُ الشيطانَ ولكنّ دورَهُ...
سيجارةٌ واحدةٌ تحتضرُ، أغنيةٌ تنمو كالفُطرِ في هواءِ الغرفة. سبعُ نساءٍ طويلاتٍ وامرأةٌ قديمةٌ جهة البحرِ، سهوتُ في الظهيرةِ؛ أبصرتني يدُ اللهِ، أخافُ وأكبو. لم يكنْ حقلُ اللغةِ غنيًا. الشارعٌ خالٍ، أيّامي فراغِ، الماءُ الساخنُ في صلبي خرائطُ الروحِ القديمةُ وأثرُ القادمين من الظلامِ إلى خرافةِ...
في هذا الخراب الغويط، بلا تاريخ قديم يتكاثر كالقُمّل، ألوي عنق الأغنية المخنثة بلا مبالاة، وأحقن قلب الحب بالمنشطات، ورائحة القمامة، والأمل المريض في الوادي. أكشط الشوارع بمخاوف وحذاء يسفّ ترابا يولول في فم الريح الزانية، كل نهار أشواك سامة تتمدد بلا رادع كل ليل بكاء أسود يصلح...
سلفادور دالي يتسكّعُ على شاطئِ البحرِ هنا في مدينتي الصغيرةِ. الشمسُ القويةُ، الساعاتُ التي تذوبُ، الرصاصُ. هناك زُرافةٌ ترفعُ عنقَها على أعوادٍ من الخشبِ ودالي يبرمُ شاربَهُ، ويفكّرُ أين رأيتُ هذا من قبلُ؟! في شارعِ البحرِ المدرّعاتُ تمرُّ مسرعةً والتوجّسُ يدوّمُ في الفراغِ كفقاعةٍ، الكلبُ...

هذا الملف

نصوص
40
آخر تحديث
أعلى