د. عيد صالح

ها انت تحاول المستحيل كي تستعيد أعوامك المهدرة وأنت تتسكع بنواصي التاريخ وفي يدك حفنة من الكلمات التي تجعدت وتقوست ظهورها واضطررت للصلاة علي كرسي في الصف الأخير في الصف الأخير يعبرك المصلون للخارج الخارج الذي كنت فارسه وأنت تشق البطن وتنتزع الوليد الذي يتخطفه الموت الموت الذي داعٍبك أكثر من مرة...
يستوي الأمر في أول الليل أو في آخره لا أريد تلك المقدمات الطويلة عن شجاعة فرسان المائدة المستديرة ومدافع نافارون وسبارتاكوس وبيرل هاربر وهيروشيما وناجازاكي والفلاح الذي أرشد عن أرنستو جيفارا وفضائح سجن أبو غريب والخونة الذين باعوا البشرية كفئران تجارب ولقاحات دعك من ثرثرة الساسة وبارونات...
ذلك الوحش الذي يقضم جسدي قطعة قطعة ويزدردها في تنطع واحتقار أيها الرعب المزلزل أيتها العتمة الموغلة في القتل أيها الجحيم يا زغاريد الجنيات وصرخات الثكالي والحوامل لا يضعن حملهن والقابلات يلطمن الخدود ويندبن البطون المنتزعة الأجنة في قدور بلا ماء ولا بخور أوسعوط وحناء هكذا تسفر اللحظة عن رعبها...
هكذا مر العمر سريعا كحلم يقظة كبرق خاطف كذبابة طائرة لا تقبض عليها مهما أغلقت عينيك وفتحتهما هكذا فجأة وجدت نفسي وحيدا بين خرائبي وركام أنقاضي أفتش عن كراسات حبنا ووردات أهديتنيها كنت أبثها أشواقي كلما غلبني الحنين الحنين الذي كان يرافقني كملاك يرعي حبنا ويعبث بشعره الذي طالته يد الزمن وتقصفت...
كل شيء يفقد قيمته دعك من حكاية الثمن وتذكر خدعة الحياة التي غررت بنا جميعا عشنا في أوهام كثيرة وتكشفت عوراتنا حيث الرعب والموت الجماعي والنجاة العشوائية الفقراء ليس لديهم مايدفعونه ولا يملكون ما يصدون به غوائل الزمن الزمن الذي جرفنا في متاهته والبحث عن الحلم المفقود لا شيء نقبض عليه لا فتيات...
هأنذا بعد خيبات كثيرة أعدد ما تبقي لي في لعبة الحياة الخاسرة وأنا أقبض بعنف علي ما تبقي لي من أيام حتي لا تتبعثر علي أرصفة متآكلة ومحطات خاوية من المسافرين بعد أن اشتد هطول المطر وسقطت أعمدة الكهرباء المتهالكة لا أحد يزيحها من الطريق الطريق الذي قطعته آلاف المرات مودعا حبيباتي الخائنات وعائدا...
كل هذا اللغط والضجة التي يثيرها الأوغاد الصغار والعمامة التي أزاحها الشيخ ليهرش رأسه دون أن يفطن للكاميرا والمرأة التي كشفت عن ساقيها وهي تمسح الصالة ليست خادمة ماركيز ولا فتاته البكر النائمة ليست البنت التي تزوجت السائق ولا أخوها الذي تزوج الخادمة في مليودراما الحياة المتهافتة كل شيء صار مالوفا...
ليس لدي وقت لأعيد ترتيب حياتي حياتي التي بعثرتها كطفل شقي كسفيه يطوح بالنقود كأمي يدعي القراءة في صحيفة مقلوبة حياتي التي تعج بأصدقائي اللدودين وحبيباتي الخائنات وأحلامي الساذجة بتغيير العالم العالم الذي لفظني ككرة تلاعبت بها الأقدار الأقدار التي نحملها فشلنا في أن نكون صادقين مع أنفسنا الممزقة...
كنت أرتق الوقت وأجمع ما تبعثر من جيوبه المثقوبة علني أدرك ما فات من أحلامي الضائعة قالت سلحفاة سبقتني الي النهر : دع كل شيء مكانه واتبعني الي حيث لا مكان والزمان محض خدعة والهواء لا يدخل الرئات كنت لا أزال علي الرصيف المقابل قبل أن يغيض الماء وترتج السماء لم يكن زلزالا ولا تسونامي ليس شيطانا ولا...
فقط كوني هنا ليس للتوازن الكوني ولا لمنع الصواعق والرعود في شتائنا العبثي ولا لتأمين الحياة عند خط الاستواء لا أريدك " رسولا للنوايا الحسنة " لتحملي أطفال أفريقيا العرايا أمام الكاميرات اللعينة كي تبرئي يد العالم الآثمة ولا لنبتني عشا فوق رابية نتناجي كعشاق تجاوزتهم آلة الزمن الزمن الذي اغتال...
خذ مكانك الأثير واستمتع بآخر سيجارة لديك فربما تكون الأخيرة حين تهاجمك نوبة شرسة أو تختنق من السعال وقد يطوف بخاطرك كل ما ارتكبته من حماقات وأكبرها حياتك التي مضت كزوبعة كرياح خماسينية كعواء كلب مسعور كموسيقي الروك أندرول والبيتلز ومانسون والهيبيين وشارون تيت الملاك الذبيح حياتك العاصفة بناصر...
لا أجيد المراوغة وأكره الصراحة الفظة كمن يسلم عليك بغلظة فيلوي ذراعك أو يحضنك فيكسر ضلوعك أو يداعبك فيدق عنقك كمن يرفع طفله عاليا في الهواء فينفجر يافوخه ليس الحب القاتل ولا الكراهية العمياء لا حيادية في العواطف ولا اكتمال للتجارب ثمة خطإ ما ليسقط لاعب السيرك مضرجا في تصفيق الجماهير الجماهير...
لماذا تستيقظين في كهولتي كل شيء لا يجيء في موعده وأنت خارج الليل علي حافة القمر تجلسين في شرفة تطل علي أنفاسي المتقطعة وأنا أستحلب ٌقرص النيتروجلسرين تحت لساني المرتعش لا أخاف الموت لكنني حزين لأنني لم آخذ حصتي بعد من عضة الحب الحقيقي عشت علي الأرصفة أشاهد الفتارين ولا ألمس بيدي شيئا ألوح لراكبي...
إل حلمي سالم هل تخبرنا كيف استل الشريان الآثم خنجره وتخثر فى أوج المعراج وكيف هوى العاشق من سدرته وطوى أوراق صحيفته للإصدار التالى لست على ثقة أن تلافيف الرأس تخلت عن فاتنة المترو وهواء النافذة يبعثر خصلات الشعر ويدفع مهووسين بعينها تحت العجلات كيف انقض الغول يمزق خارطة...
ثمة حائط وسلة للفراغ مشجب وياقة ملوثة بالأناقة قرنفلة وحيدة للتأرجح والمظنات طعنة بين آهتين واستغاثة بالمطر والعواصف كنت ملغوما ومحكوما كقذيفة لميقاتها لكنها الأشلاء وبقايا العصور النافقة تطايرت العصافير والقبرات بكاء جميل وقهقهات أليمة ثمة نميمة فاجرة تطمح أن تعانقها قبل الولوغ في بالونه...

هذا الملف

نصوص
52
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى