محمد مزيد

"ضيّعت الطريق ، أليس كذلك؟".. هكذا قالت زوجتي وهي تسير خلفي وسط الغابة الكثيفة، وأنا ممسك بيّد صغيرتي، أحمل على ظهري حقيبة المتاع والملابس الشتوية . " توقفي عن الكلام أرجوك ، دعيني أركز " . أزداد الظلام والضباب كثافة، غربت الشمس خلف التلال قبل نصف ساعة، وأمسى من الصعب علينا إيجاد مخرج للمشكلة...
تزدحم الصالة من أول العصر وحتى منتصف الليل ، بكبار السن والشباب والفتيان والأطفال تأتي بهم أمهاتهم يصم آذاني صراخهم لخوفهم من منظر " السرنجه " . أنا مولع بزرق الحقن. منذ صغري. حلمت كثيراً أن أكون مضمداً. ولهذا الحلم حكاية سآتي على ذكرها فيما بعد. المهم إنني نجحتُ بولعي هذا من تمضية خدمتي...
في القطار الصاعد الى أنقرة ، لاوجود لمقعد شاغر ، أكتظاظ يشبه ما قرأناه عن حشر يوم القيامة . بصعوبة جلستُ على أرضية القطار قرب فتاة صومالية، ترتدي الجنيز وكنزة صوفية رمادية ، كانت جالسة على حقيبتها الكبيرة . في البدء تصورت أن أحدهم سينهض من مقعده ويجلسني توقيرا لكبر سني ، غير أن لا وقار يمكنك...
تغلق باب الشقة خلفها، كل يوم ، من دون أن تخبره إنها ذاهبة الى التسوق . وهو أمر لايثير قلقه كثيرا ، أعتاد الإثنان ، على تمريره بينهما ، ومن غير أن يعكر الزوج مزاجها ليطلب منها الإستئذان قبل الخروج . فهما يعيشان في دولة أوروبية مع أبنهما ، وليس في العراق ، كي تخبره كل يوم الى أين هي ذاهبة . بعد أن...
صرت حارساً ليلياً في مزرعة تملكها سيدة ألمانية، قيل لي إنها تمنح مبلغا جيدا، فضلا عن توفير سلة غذائية أسبوعية لي ولعائلتي من منتوجات المزرعة، ويمكنني أرسال هذه السلة الى عائلتي عند الأستراحة اليومية خلال الـ 4 ساعات التي آوي فيها الى منزلي ما بين الساعة الثالثة والسابعة مساء. قبلت بهذه الوظيفة...
أزاحت المرأة الاربعينية ستارة النافذة في غرفة زوجها الذي ينام فيها على فراش المرض، فتسلل ضوء الصباح اليها ، غرفته تطل على الحديقة المنزلية والشارع العام، كان يبدو على الزوجة القلق وهي تنظر الى باب البيت الخارجي، كأنها تنتظر مجيء أحدٍ ما ، بينما يتابع زوجها أخبار الوطن المنكوب عبر شاشة التلفاز،...
أكتب مذكراتي، كل يوم ، بعيدا عن أنظار زوجتي، التي أخذت ، تغافلني هذه الايام لتقرأ بعض ما أكتب . حتى وجدتها أمس الأول مكفهرة ، غاضبة ، تضع أواني العشاء على الطاولة بعصبية . أعرف ، منذ ثلاثة عقود، تقلبات وجه زوجتي ، ومن النادر، ونحن على المائدة، أن تظهر غضبا حتى لو كان مكتوما ، كتلك الليلة . أحب...
لا أحد يعلم كيف تمّكن " جبار " من دخول بيت متصرف اللواء ، ليعمل خادماً فيه، معززا مكرما من قبل السيد المتصرف ِوالسيدة زوجته البيضاء التي جلبها من بغداد، حيث بدأت تظهر على ملابسه ووجهه علامات النعمة والبحبوحة . يُعرف جبار بأنه شخص خصي، كثير الكلام ، يغدق عليه آهالي المدينة بما تيّسر من المال...
*كيف يمكن لأحزان الحروب، وهي الحافرة في لب الأعماق، مغادرة الكيانات التي عاشت تفاصيلها، لحظة تجر وراءها لحظة، راسمة ملامح الثغاب، والنواحات، ووجع الأفئدة، طوال أعوام ، كنا نحسها تجرف من شطأن اعمارنا كل معالم البهجة والمسرات التي كنا نتعمد اصطيادها ، ماان نشعر بأن ثمة امل آت، في خضم هذه...
قررتُ هذا اليوم بالذات, أن أعرف لماذا ينظر هذان الشابان إلى بابِ بيتي، في وقتٍ لا أجد فيه أي مبررٍ لذلك ! إذ إنني لا أسمح لزوجتي الفاتنة الاقتراب من الباب، لا أسمح لها بالخروج ابداً، مادمت أقومُ دائماً بواجباتِ التبضع اليومية. تركتُ زوجتي، مثلَ كلّ يومٍ، في عالمِ المطبخ وصعدتُ إلى غرفتي لأمارس...
دخلنا في الأنذار ، نحن حماية الرئيس ، ذلك لأن محظية أوكرانية ستدخل القصر بعد قليل . لا أحد منا كان يعرف أين تقع أوكرانيا .. نحن ملحان قادمون من أطراف القرى والأرياف البعيدة . أكثرنا رشداً يشعر بالقلق ، لايهدأ له بال ، توارينا في أمكنة يجب الا ترانا فيها تلك العاهرة الأوكرانية شمس الغروب تنزوي...
كنتُ أمني نفسي وأنا أتجول في طابق الأطعمة تحت أرضية المول الكبير ، الذي أدمنت زيارته كل يوم تقريبا ، من العثور على " زبدة الفستق " التي طلبتها صغيرتي . لن أستطيع وصف هذا الطابق الا بالقول أن مساحته تعادل نصف ملعب كرة قدم ، فيه كل مالّذ وطاب وبإسعار مدعومة من الحكومة . بحثتُ في قاطع " المربيات "...
في كل ليلة من ليالي الشتاء الباردة ، تقلّب أرملة الحرب ملابس فقيدها وتأخذ ، أستراحة قصيرة ، على سريرها ثمة أصوات غامضة تتناهى إليها من بعيد ليس بينها صوت الحبيب ، غير متأكدة إنه ، رحل برفقة الفراشات يغمرها السرير بالدفء قليلا .. تستغرب أن لا يكون من بينها صوته تعيد طي ملابسه للمرة الالف بعد أن...
عندما عدتُ من الأسر ، بعد عشرين عاماً ، علمتُ أن أمي ألتحقت بأبي في وادي السلام ، وتزوّج أخوتي الثلاثة الأصغر مني ، توزعوا على الغرف الثلاث في بيتنا في مدينة الحرية شمالي بغداد . كنت أتصور إنهم سيفرحون بعودتي ووجودي بينهم فرحاً كثيراً وإنني عدتُ كأخ كبير لهم بعد معاناة مميته أمضيتها هناك في سجون...
صعدنا الباص ، أنا وهي ، باتجاه البصرة ، في واجب صحفي . أنا المحرّر وهي المصورة ، هدفُنا ، نقل ما خلفتّه حرب السنوات الثمان على هذه المدينة ، التي شبعت قصفاً وعطشاً وحرقاً لنخيلها وأشجارها وتجفيفاً لاهوارها المتآخمة لضواحيها . أقتنع مدير التحرير بإرسالها معي ، في هذا الواجب ، بعد أن أخبرتُه إننا...

هذا الملف

نصوص
151
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى