نجيب محمد علي

الآن في شيخوختي ودمي يُغامِرُ في دمي.. ما زلتُ أَركضُ خلفَ صعلكةِ الفؤادِ. ما زلتُ أبحَثُ في جُنُونيَ عن بلادي. ما زلتُ أشتاقُ لأُنثى تُشعِلُ الحربَ معي، ثُمَّ تلعبُ مثلَ قِطَّتِنا القديمةِ في جُنُونِ أصابعي.. ما زلتُ أحمِلُ جُرحَ أيَّامي على كتفي وأضحَكُ مِلءَ صوتي، وأُنكِرُ يا أحبَّائيَ موتي...
كنت أبكي مرَّةً واللَّيلُ يبكي.. كان صوتُكِ في المدى حين غادرتِ النُّجومُ سماءَ بيتي. لم أجدْ قمراً ولا وطناً ولا.. لم أجدْ زينبَ، فاكهةَ النَّهارِ ووردةَ الضَّوءِ الَّتي كانت تُهدهدني بموسيقى الصَّباح.. كان قلبُ الرِّيحِ مُمتلئاً بصَرخاتِ الذُّهول، بغُبارِ الموتِ واللُّغةِ الأسيرةِ،...
من بين نافذة الدثار لمحت برقيها فأدركت الذي تحت الدثار أنثي تفيض بعجوة الحلوي تخبيء حسنها في غابة الليل ويرقص من حلاوتها النهار وسمعت صوت النبض يعلو في رهافتها يقوم أقوم يخفو أنزوي وأقول يا لله من حسن الوقار ومن بهيج مفاتن رسمت علي ألحانها إيقاع جلستها و همهمة الإزار كانت عيون الناس تسبقها إليها...
إلي عيسي الحلو ووردة عيسي صديقي أخي وأبي سيد الكلمات أمير المجالس من يشعل الوجد بين الشيوخ وبين الشباب الصبي هو من يشتهي نجمة في المطر وخريفا يغني علي جدول في الشجر وبنات من القمح يلبسن إسورة من جريد النخيل ويفعلن ما يسحر القلب حين يميل ويصعدن في قمة الروح يرقصن فوق خيوط الندي ويعبرن ضوء...
في سوق الناقة ونهار الصبوة يرقص في صحن الأحلام البراقة والشوق صبي يحمل في كفيه دثار الأسفار المشتاقة ما بين ضجيج البوح ودوزنة شواء يشعل برق الرغبة وغناء فتاتين علي إيقاع الأيام الصعبة كنا نختلس الفرح الهارب من بين أصابعنا كنا نلقي بالضحكات علي صدر مواجعنا نتلصص من غرفة إمرأة ترفس كفيها في النار...
أحبك لانك خارطة القلب زغرودة في حنايا الفؤاد لأنك حفل الزفاف الذي اشتهيه ورقصة روحي واغنيتي في ليالي السهاد احبك..أعقد نبض قرآني عليك وروحي مهرك ..إن الشهود لعرسي عشاق هذي البلاد تقول :القصيدة مهري ! اقول دمي سوف يكتب اسمك في كل باب ..وكل جدار وسوف تغازل عينيك شمس النهار وترقص أمواج نيل الكلام...
إِنَّنِي أَبْحَثُ عَنِّي كُلَّمَا اقْتَرَبَتْ خُطَايَ إِلَيّ أَهْرُبُ مِنْ تَصَاوِيرِي وَمِنِّي لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدُلُّ عَلَيّ أَوْ يَعْرِفُ أَنِّي هَارِبٌ مُذْ جِئْتُ لِلدُّنْيَا وَأَجْهَلُ مَنْ أَكُون عَاقِلٌ أَمْ يَا تُرَانِي لَيْسَ لِي عَقْلٌ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون نِصْفُ مَجْنُونٍ.. بَلَى...
اَلآنَ أَسْمَعُ مَا تَبُوح وَأَرَى انْحِسَارَ الضَّوْءِ عَنْ رَعْدِ الْفُؤَاد، وَغُرْبَةَ الْبَرْقِ الْمُجَنَّحِ فِي الْفَضَاءِ الرُّوح وَأَقْرَأُ عَاصِفَاتِ الشَّوْقِ تَهْمُد فَوْقَ أَكْتَافِ الْكَلَام لَا أَنْتِ أَنْتِ، وَلَا أَنَا.. ذَاكَ الَّذِي جَرَفَتْهُ أَمْوَاجُ الْهُيَام هَلْ كَانَ...
كل يوم في الصباح أرتدي حزني قميصاً وحذائي شارعاً لا ينتظر ومجاعاتي التي تسرق من عطر المطاعم كان لي بيت وأمرأة وعصفورٌ جريح كان لي يوماً وظيفة أشتري منها وطن غير أني لم أجدها لم أجدها لم تجدني حينما قابلتها دخلت إلى ظلي وقالت: هيت لك! لم أكن أقوي على فعل الخطيئة كان نجم الليل يغرق في الرمال...
غرفتي كانت مليحة ويد البنت الفرس جست النبض ولاصت كفها في بطن كفي ثم قالت: خذ نفس كان نبض القلب يعلو كانت الشمس تناديني وكان الأصدقاء يوصدون الحزن عني يغرقون الجرح في ثلج التمني ويمدون إلى القلب أباريق الدعاء كنت باليقظة أغفو كان ضؤ الشعر يسري في شرايين الإبر وخزة تبقي علي قلبي أثر وخزة ترفع...

هذا الملف

نصوص
10
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى