رانية المهدي

يجلس القرفصاء على عتبة داره المتهدمة في معظمها، يرفع جلبابه الممزق إلى ركبتيه ليظهر ذلك الكلسون القطني المتهدل، والذي غادرة اللون الأبيض من شدة الإتساخ. دائما ما يمرر يده ويزيح تلك الطاقية الحمراء الطويلة؛ ليحك رأسه الصلعاء بقوة مفرطة، يلف ورق البفرة ويبصق بين الحين والآخر. بحكم جلسته على العتب،...
في تلك الليلة الكالحة.. لم يكن بيدي أو بيد غيري أن يصلح الأضواء.. الظلام سيد والآلام ترعى بكل جد.. لوعة الفراق وذلك الأمل القاتل في اللقاء. وتلك الزهرة العنيدة التي مالت وانزوت على نفسها بعد كل هذه السنوات لتتخلى عن أوراقها طواعية وتسقطها على تلك الرسالة الصفراء المهترئة التي لم تُقرأ بعد...
مازال الحُلم يعاودني وكأنه يريد أن يقفز من عالمه الخيالي في راسي إلى عالم الحقيقة والواقع. أحلم بدارٍ واسعةٍ لها حوش كبير؛ ليلعب فيه أطفالي على راحتهم بلا قيود أو خوف عليهم من الغرق في الروزافة الكبيرة التي يغرق فيها الكبير والصغير. أحلم بجزء منفصل للفرن والمحاصيل، أحلم بحظيرة كبيرة لأربي فيها...
تجلس على الأرض بالجلباب الأسود المفروش بالزهور الباهتة.. تمد قدمها المتورمة من آن لآخر مع ترديد صوت الآه بتقطيع بطيء.. تُملس عليها بيدها مع الضغط الخفيف تارة والضغط الطويل تارة أخرى ربما غادرتها آلام الروماتيزم العنيدة. أمامها قفص مصنوع من الجِريد تضع عليه بضاعتها الخضراء المبهجة.. ترش عليه...
أسير في الطريق المعتاد للمنزل.. كل شيء مختلف.. الطريق الواسع أصبح صغيرا ضيقا.. أشعر بالغربة.. أين ذهبت الأشجار و العصافير التي كانت تغرد لي وتستقر على كتفي وتنقر الشريط الأحمر في نهاية ضفيرتي الطويلة؟ و هذه البحيرة.. متى ظهرت ومن أين؟! الماء لزج وله رائحة ثقيلة.. كيف أعبر؟ سأسير على الحافة...
لا أذكر كيف وصلت لهذا المكان، الأشياء تلمع برفقٍ، الناس يبتسمون بودٍ محببٍ للنفس، يتحدثون بأصواتٍ أقرب للهمس، يرتدون ثيابًا بسيطةً ملونةً، تتعدد الروائح العطرية وتختلط برقةٍ حتي أنفي المدبب الطويل لم يعد يستطيع أن يميز أي منها، لكنه التقط تلك الرائحة وإصطفاها، لأجدني أتقدم مدفوعًا بهذا السحر الي...

هذا الملف

نصوص
6
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى