فاطمة البسريني

إنهم مريبون ،يدفعونك للشك ، يجعلونك تشعر بالدفء والعاطفة ، يملؤون المكان بالمرح ويفعلون كل شيء لتبحث عنهم وتثقفى آثارهم من جديد . يبعثون فيك الأمل ويجعلونك تشعر بالشغف لكنهم لا يفعلون ذلك ، إلا لكي تزحف وراءهم وتتمنى رضاهم . لكن ، أتعرف لوكنت ذكيا فيجب ألا تزحف .. ــ وهل أستطيع ؟ ـ نعم ، تستطيع...
غدا ، عند الفجر، عندما تأتي ساعة انغمار الحقول بالضياء ، سأذهب نحوك ، هي تعرف ومتأكدة أنه ينتظرها هناك ستذهب عبر الغابات والجبال ، ستذهب نحوه وقد تسمرت عيناها على أهدافها ، لن تر شيئا غيرذلك ، لن تسمع أي صوت ، لن تنظر إلى ذهب المساء الذي يتناثر من السماء، ولن تهتم للسراب الذي ينتشر لامعا في...
ـ ( لو تمكنت لنسفت سنين عمري ومسحتها من الزمن ، فهي مجدبة ، مقفرة ، لا مطر ، لا زرع ، الأرض كانت متشققة ، يابسة ، جافة ، ووجهها كالحا . كل الشجيرات أصبحت قزعية ، فقد تيبس عودها ، و قد غطاها الحزن والسواد ولم يبق منها إلا رؤوس مدببة لبست ثوب الموت ). أطال النظر إلى تلك الأشجار المنكوبة ، وإلى...
بقلب مرتعش ، يفيض من الأبدية ، تنهض الشجرة، وسط أعشاب عطرة ، وقمتها المشعثة ، تضمها السماء ، تحبها السحب الوردية ، أغصانها تنام على ظلها. باطمئنان ، بأمان ، مازالت الشجرة واقفة ، تتحدى الأنواء ، دون عقبات ، تقلب صفحات الذاكرة ، دون خوف ، تنسد ل عليها ألوانها الفضائية، لا تعرفها عيون البشر إنها...
أيها الليل البهيم ، يا صديقي ، أيها الليل الصامت يعم نفسي ، يتخللها ، يسكت شكواها ، يخمد نارها ، لا يسمع أنينها ،. أيها الليل الصامت كنفسي ، أسألك ما سر الصمت الذي احتواك واحتواها ، أسألك ما سر الظلام الذي دثرها فاستأنست به ، لا تريد الانبعاث . يا نفسي ؟ كيف ضاعت منك عناوين الرجوع من مملكة...
بعد غياب في النسيان أحني اليوم للدهر،هامتي و أعلل النفس الظمأى و أحكي الأحلام حقيقة لا أبالي أخال أني غريبة حتى إذا ما قرت النفس الضمأى، غدا الصمت حال لساني، و غذى الرضا طبعي و طوقت شجون قلبي و ما شيء، أعوذ به سوى حزني الجميل. يا للخواطر كالحات، تشدو الأسى و أنا أصم الأذان و أغدي بالرجاء كياني...
ــ قد أفهم أن العيون تقهرك بنظراتها فتعشقها ويقتلك حبها ، لكن كيف يمكن أن تحب الألسنة ، فهي في أغلب الوقت تختفي داخل الفم ولما تتحرك تنطق كلاما سيئا جارحا ؟. ــ إذا نطقت بكلام سيء ، آكلها وألتهمها . ــ اللهم قني نظرات الأعين ، وكلام الألسن . قلت تأكلها ؟ هل أنت من أكلة الألسنة ؟ هل تستطيع ذلك ؟...
أحس أنني أضيع ! مع كل هذا الثقل على كتفي.. جزء مني يطلب أن أخرج للتجول على الطرقات لحد التعب, لابد أن ذلك سيكون جيدا، بعض الأحيان عند الفجر, روحي تتوه، تضيع مني, تطلبون مني أن أشرح كيف؟ هذان الشبحان الطيبان وأنا بينهما, يهدئاني ويغمراني بعطفهما و لطفهما، يذهبان عني بعض الأحيان ويعودان إلي...
مرة أخرى شعاع من أشعة الشمس يوقظ مرة أخرى جسدي، صوت المياه العـــذبة بهدوئها مرة أخرى تبهرني ابتسامة حب تحمر لها مرة أخرى وجنتاي ، وردة حمراء قانية ينير مرة أخرى عطرها أنفاسي، نار الموقد ، ترسل حرارتها مرة أخرى دافئة نحوي تمايل ألسنتها يسحر مرة أخرى أحاسيسي ويأخذ لبي دوائر عجيبة ،...
الخريف يفرد جناحيه بداية من رؤوس الأشجار إلى أعمق أعماق نفسي المضطربة . تأتي الرياح الوقحة معها بروائح الأغصان والأعشاب الميتة الغرقى في الجدول الساكن الصامت . تحت ملابسي الكثيرة ، الثقيلة ، وسط هذا الخلاء الشاسع كنت أشبه لوحة فانجوجية . (يجب أن أصرخ بكل ما يشتعل ، وبكل ما يغرق ، وكل ما هو...
أنظر إلي يا طائري الخرافي, ها نحن ذا, هذه سماؤنا، وهذا الظلام دامس دون نجوم, الأعباء التي أحملها، والملابس التي أرتديها سوف أنزعها، فهي ليست متناغمة أبدا، هناك أماكن لا يغطيها اللباس, البس أجمل ريشك, وخذني من هذا المكان الذي تفوح منه رائحة الدماء, وينضح بجرائم بني البشر، هات جناحك, وأبعدني...
لو كنت غيمة أنا لا أتبعك ، أتبع خطواتك فقط أنا لا أنظر إليك بعينين جاحظتين أنا أقوم بالنظر إلى البعيد فقط ، هل هناك سحب كثيفة ، في السماء؟ أنا أعرف كم تحب الأمطار لو كنت غيمة ، لأسلت دموعي كلها ،عليك تظهر في كل أحلامي ، لذلك لن أنم . أنت معي، تحت جلدي، لذلك سأنزعه . أنت في كل أفكاري ، لذلك...
في الخارج، لما أكون وحدي, أنظر حولي, لا أحد هناك, لكنني أسمعهم يصرخون باسمي مقلوبا. ــ أميتاف؟؟ ! أميتاف؟ ! أمييييتاف !! في غرفتي، أستيقظ من نومي، أجد وجوههم أمام نظراتي الخائفة والضائعة, إنني أكرههم, أنا من يصرخ الآن في غرفة التعذيب هذه. شتمهم لي لا يمسني بتاتا, لأنني أعرف تمام المعرفة أنهم على...
كنت جالسة على مقعد في الحافلة التي كانت تسير تحت المطر الغزير ، ولما لاحت مني نظرات إلى موقع أقدام المسافرين على أرضية الحافلة والتي كانت مبللة بمياه سوداء أتت بها الأحذية من الخارج ،من الأسفلت . بعدما انتهى تركيزي على ذلك ، وبعدما عدلت من جلستي ، تبادرت إلى ذهني فكرة مفاجئة : '( إلى أي مدى أن...
لم تكن تصادفه ، إلا عند ركوب الحافلة أو تقاطع الشارع، يمر إزاءها وكأنه نوع من الأشباح ، وكأن عينيه لا تبصران شيئا ، ليست له شيئا ، وليس لها شيئا ، هولا يعرفها ، وهي لا تعرفه ، ربما كانت بالنسبة له سحابة بعيدة ، غير مرئية ،لكن مجرد مروره قربها كان يقلب كل مشاعرها ، ويجعلها تضطرب كنيران بركان...

هذا الملف

نصوص
34
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى