كانت تستعد للخروج؛ وقد هيأت حالها.. وضعت آخر لمسات أناقتها المحتشمة الوقور... والسعادة تغمرها فقد رأت حبيبها هذا الصباح وعيناها لا تزالان شبه مغمضتين.. اتصل بها صوتا وصورة؛ فسرت قشعريرة حب بجسدها؛ أحست أنها تعانقه وقد جعل ذراعيه لها بابا عن طريقهما يدخلها لتسكن عروقه؛ كانت في أتم نشاطها وهي ذاهبة إلى عملها هذا الصباح؛ فجأة سمعت أغنية يعلو صوت كلماتها فأدركت أن مصدرها من الجار الذي لا يرضى أن يشغل شيئا يسمعه إلا ويشارك به جيرانه، عرفت أن الكلمات لنزار قباني من خلال صوت كاظم الساهر وتلك الموسيقى التي تهز نغمات القلب ، لكنها تتمتم مع القصيدة المغناة إذ لا تحفظها (تتبسمين... تمسكين يدي.. شعر.. إيمانا...) لكن ما إن تفتح الباب لتخرج وقد انحنت تلبس حذاءها الرياضي حتى وجدت نفسها من عناصر الكورال تردد:
" زمن مضى وبقيت غالية
لا هنت أنت ولا الهوى هان"
تنزل الدرج مرددة الكلمات.. تتمنى لو أن الوقت بالدرج لا ينتهي إلا أن عليها الاسراع كي لا تتأخر عن العمل.. تخرج .. تمشي بالشارع .. وكأنها وحدها.. ألحان تصدر من داخلها.. أصابع يديها تتحرك كأنها مايسترو لتلك الأنغام، بل قد تنسى نفسها وتحرك كل يدها أو رأسها !! لكن فجأة وكأنها ترقص على غنائها دارت حول نفسها بعد أن تذكرت أنها نسيت وضع الكمامة ؛ وعادت مهرولة لتفتح الباب وتجلس بالدرج قبل أن تخفي وجهها بذلك الثوب الذي يخنق الأنفاس وقد أذابتها:لا هنت أنت ولا الهوى هان"
" هات يديك فأنت زنبقتي
وحبيبتي رغم الذي كان
أتحبني؟!
أحبك.. أحبك .. أحبك
وحبيبتي رغم الذي كان
أتحبني؟!
أحبك.. أحبك .. أحبك