مبارك وساط - ريح قرصانة.. شعر

في شارع السِّنْجاب، رجلٌ سُرِقتْ درّاجتُه، يَركضُ وراء اللصّة التي تُدوّس وتُدوّس فتمرّ بمحاذاة عمّال البلديّة الذين يكنسون الرّصيف ويَكشطون عنه صفيرا وشَيْبًا كثيرا.

لسوء الحظ، فذلك الرّجل هو أنا.

أقول لنفسي إنّ الفتاة لا شكّ لطيفة وفقيرة. لو أنّها طلبتْ منّي الدّرّاجة لرُبّما كُنْتُ أعطيتُها إياها وعُدْتُ إلى البيتِ في الباص أو حتّى على القدمين! فلأنسَ الأمر، إذن!

يُمكِنُكم أن تشهدوا على أنّي لا أُعَقَّدُ الأمور... لقد مضى الزمن الذي كنْتُ أهربُ فيه من البيت إلى قمّة برج لا تستطيعُ أمّي الارتقاء إليها لإقناعي بالعـودة إلى البيت أو بأن أرْعَى عصافيرها على التّلّة. من تلك القِمّة، كنتُ غالبا ما أترقَّبُ الكسوف الذي كثُرَ الحديثُ عنه وَقْتَها، وأحيانا أشكّلُ قصائد من دخان عيني، حتّى إذا انحنيتُ لأرى ما يحدث في الأسفل، ألحظُها هي، مارية، مُعلّمةُ الإسبرانتو لجرحى الحُبّ، ترفعُ رأسها نحوي وتُغَنّي: « أيّها الفتى المائل ⁄ حاذر السّقوط»! لقد أحببْتُها وأنا في السّادسة عشرة. في البداية، أهْمَـلَـتْـنـي. لكنّ قَـلْـبَـها...

وها أنا أمضي تحت رحمة ريح قُرصانة تخْطف قُبّعات العابرين المُتعبين. لقد قرّرْتُ العودة على القدمين. فكّرْتُ في شُرْبِ بضع كـؤوس في بار مارسيل سيردان، لكنْ ليس في جيبـي ولا درهـمٌ واحد. أنا إنسان يثق في مقدرات الخيال. لذا أغمضُ عينَيَّ وأقول: يا فمُ ابلعْ خمرتك... وما هي إلا لحظة سريعة كدمعة وجيزة حتّى شعرتُ بالانتشاء!..

مارية هي الآن عشيقتي. أسمع قطرات المطر تقرع رأسي وأنا أمشي. لو بَقِيَتْ لي الدّرّاجة... أمضي في سبيلي، وعينِي تُنْحي باللائمة على عينِي... ثمّة رجل يسيرُ أمامي، وكلّما الْتفَتَ، يتكسّرُ في عُنقه فنجان. يا للصَّـوْت المُطّرِد الباعث على القلق... لكنّ كلّ هذا سينتهي، فبعد دقائق، سأكون في البيت فأنعى الدّرّاجة لمارية، ثمّ أمضي إلى النّافذة لأطِلَّ على الأشجار.


* من ديوان رجل يبتسم للعصافير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى