بانياسيس - الصدمة والانحراف في القصة والرواية

هناك مسألة واجبة الحديث ، بل ربما هي سر من أسرار الابداع الأدبي ، وهي مسألة تعتمد على ذاك التداعي اللا إرادي للحكي ، ذاك الذي يجرف الكاتب معه بدل أن يجرفه الكاتب معه. الكاتب قد يبدو مفعولا به أكثر من قائد وفاعل. التداعي ليس كما يظن البعض مسألة تعتمد على مجرد اختلاق قصص . يمكنك أن تختلق عشرات القصص كما يفعل السياسيون ، لكن التداعي الابداعي هو ذلك الذي يعكس انقلابات في حالة الاستقرار النفسي الخطي للقارئ واندماجه في مسيرة كئيبة ومتوقعة أثناء تتبعه للنص. إنه الذي يمكن أن أسميه بالصدمة والانحراف ، الصدمة هي لعبة القصة القصيرة والانحراف هو لعبة الرواية. إن تكتب قصة أو رواية ليس أن تكتب من خلال خبراتك الحياتية وإلا كان المحامون هم الأكفأ والأقدر على الكتابة. الخبرات المعيشة هي إطار يمكن الاستفادة منه لمنح العمل طابعا واقعيا دسما ولكن الواقع نفسه لا يحمل دائما وقائع غير متوقعة ، إن التداعي بناء على السببية المباشرة والمحتملة هو ما يعتمد عليه البشر في الغالب عند اتخاذ قراراتهم وتصرفاتهم ، ولو كانت الحياة رواية أو قصة قصيرة ثرية الابداع لكان الانسان قد عاش في حالة قلق مستمر وقنوط حتى من التنفس بعمق. مع هذا فالصدمة أو الانحراف لا تعني أمرين:
- لا تعني عدم الاعتداد بالسببية.
- لا تعني القفز غير المنطقي شديد الفجاجة.
إن الصدمة والانحراف عبارة عن مفارقات هي بذاتها ممكنة ومنطقية ، أو يمكن أن يحتملها النص.
الانحراف هو لعبة الأدب ، وهنا يمكن أن نضيف اليه شرط أن يكون انحرافا ذكيا وباردا ، والذكاء هنا ليس قضية إرادية محضة لأن تفاعلات دماغ الكاتب ترستندالية إذا صدق الوصف. إن ما أطلق عليه العرب قديما شيطان الشعر كان احساسا منهم بلا إرادية تلك الانحلالات المتداعية التي تحقق الجدة من خلال الصدمة والانحراف. يمكن أن يكون النص محكما لغة وضعيف جدا من حيث الصدمة والانحراف ، فالتجديد في الاسلوب السردي لا يغني عنهما. بل ربما نحن الآن في عصر لا يكترث كثيرا بالصرامة اللغوية لأن اللغة -أي لغة- تنزع عبر الزمن الى التحلل والمرونة أكثر فأكثر ، كما أن التوجه العولمي قد يؤثر كثيرا نحو الاستخدام اللغوي الذي يملك قواسم مشتركة أكبر مع مختلف الثقافات ، فضلا عن دوافع ذاتية أخرى كالكتابة مع وضع احتمالية الترجمة الى لغات أخرى في الاعتبار. فغالبا لا يكتفي الكاتب بأن يكون مفهوما لدائرته الثقافية بقدر رغبته في الانتشار. لذلك فالصرامة اللغوية التي كان الأدب يعتمد عليها ليكون أدبا كالقوافي والأوزان والتمسك بالتوافقات المفرداتية للسلف تفككت على نحو ملحوظ وإن لم تكن قد اختفت ولم تفقد رونقها عند كثير من أمزجة مريديها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى